مقالات سياسية

نحن قد نزرع الشوك ..!

«إذا لم نحافظ على العدالة فلن تحافظ هي علينا» .. فرانسيس بيكون ..!
«إذا رأيت حاكماً عربياً سابقاً يتمشى في محطة مواصلات عامة في بلاده، عندها فقط سوف أقلق على مستقبل إسرائيل» .. بهذه العبارة لخص «موشيه دايان» ? وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق – أدواء السلطة في بلاد العُرْب، حيث قلَّ أن يوجد حاكم «سابق» حي يرزق، وإن وجد فهو لن يمشي في الأسواق ويستقل المركبات العامة، بعد أن كان يستأثر بالسلطة ويجمع الثروة، ويصعر خده للناس ويمشى في الأرض مرحاً ..!
وقد كان الأحرى بذلك القلق الصهيوني أن يبدأ من حيث ينتهي المواطن العربي، فيستشعر الخطر حقاً عندما يشاهد شعباً عربياً واحداً تخشاه حكومته حقاً، أو دافع ضرائب عربي واحد تخشى حكومته أن يحاسبها على سياستها في تصريف أمواله .. فنحن شعوب درجت على تأليه الحاكمين، بإصرارها الموروث على اعتبار السلطة ? في حد ذاتها – مبرراً للتجاوز والتقصير ..!
هذا الفهم الخائب يتعمق مع نشأة المواطن في بلادنا، ويتراكم وفقاً لمعدلات ساعات جلوسه أمام شاشات الإعلام الموجه الذي يسبح أبداً بحمد سادته المسؤولين، أصحاب الأمزجة المتعكرة دوماً من كثرة الأعباء، والوجوه التي تنذر أبداً بسوء العاقبة ..!
إذاً، هل يكفي ? والحال كذلك – أن تتغير الأنظمة ؟! .. هل ينجح الإحلال في مقاعد الساسة إذا لم يتحقق الإبدال في قناعات الشعوب ؟! .. لا أعتقد، والشواهد كثيرة، مثلاً: بعد انتصار الثورة المصرية، وقف السيد عصام شرف ? رئيس مجلس الوزراء المكلف آنذاك – في طابور الاستفتاء على التعديلات الدستورية بضع لحظات، قبل أن يأذن له المواطنون بتخطي الصفوف للإدلاء بصوته، تقديراً منهم لمشاغله الجمة كرئيس للوزراء ..!
وفي تونس، بعد انتصار الثورة، تكرر ذات المشهد عندما وقف السيد راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة ? العائد إلى البلاد حديثاً آنذاك – للإدلاء بصوته، وحاول بعض المواطنين مساعدته على تخطي الطابور الطويل ? كالعادة -، لولا هتافات بعض الغاضبين، ليس من خرق مبدأ عدالة الطابور، بل من انتهازية عودته إلى البلاد ..!
الشاهد من ذلك هو سلوك المواطن العربي الذي لا ولم يتغير حتى في يوم عرس الديمقراطية، فالثورات التي أطاحت بالأنظمة الحاكمة لم تتمكن من تغيير السلوك العام الذي ينطلق من نظرة الجماعة إلى الديمقراطية كمبدأ وأسلوب حياة قبل أن تكون منهجاً للحكم ..!
المواطن العربي الذي يقاتل من أجل العيش بحرية وعدالة واجتماعية، يتنازل ببساطة عن حقه في التزام المسؤول بدوره في طابور الانتخابات، والمسؤول الذي تنعقد عليه الآمال لغد سياسي أفضل، لا ينسى ما نشأ عليه من أفكار خاطئة عن مفهوم السلطة، ولا يغير سلوكه بلمسة زر، وهو ? بطبيعة حاله – لن يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .. نحن إذاً شعوب تبحث دوماً عن القادة الشرفاء لكنها لا ينتج أبداً سوى الزعماء الأدعياء ..!
والآن صحح لي إذا أخطأت: بعد «هَدِير» الحوار الوطني، و»مَدْ» الجلسات، و»جَزْر» المخرجات، لا يزال معظم الناس في بلادنا يتحدثون عن «موسم» تفعيل الديمقراطية وكأنها بضاعة محجوزة في جمارك الحكومة، سوف تفرج عنها ? بمشيئة شركاء الحوار – عمليات إحلال وإبدال سياسي، وهذا ? لعمري- خطأ منهجي من شأنه أن يعصف بمنجزات أي حوار وطني، مهما غلا ثمنه .. فهل من مُذَّكر ..؟!

اخر لحظة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..