ثقافة وفنون

هاشم ميرغني.. مواساة العاشقين بـ(هندسة) النغم …!!

من لم يسمعه فليتحسس قلبه

الخرطوم: محمد الأقرع

 

«من لم يستمع لهاشم ميرغني عليه أن يتحسس قلبه؛ لأن لصوته دقة ودقات هي من دقات قلوب العاشقين الكبار… إنني لا أسمعه -فقط- بأذني بل بقلبي» هي مقولة منسوبة للصحفي هاشم كرار ، في حق الفنان الراحل هاشم ميرغني الذي يعتبر من رواد المدرسة الغنائية الرومانسية في السودان وصاحب الاسهامات الضخمة في مسيرة النغم، ويحكي عنه أن موهبته الفنية ظهرت في وقت مبكر من عمره عندما برع في أداء الأناشيد المدرسية في المدرسة الأهلية جوار منزل الزعيم الراحل إسماعيل الأزهرى وأصبح ركناً رئيسياً فى الجمعية الأدبية في المدرسة وتنبأ له أستاذه حديد السراج وفراج الطيب سراج بمستقبل فني أدبي بارع.

قدم هاشم ميرغني العديد من الأعمال الغنائية التي أثرى بها الساحة الفنية في السودان والتي بلغت أكثر من 200 اغنية والتي معظمها من كلماته الخاصة لكنه ايضاً غنى للشعراء عزمي أحمد خليل وعبد القادر الكتيابي وكانت أغنياته تتناول عدة مواضيع غنى للغربة مثلاً أغنية (إيقاع حزين) وأغنية (الرسالة) و(مدار الدم) وكذلك غنى للعاطفة الجامحة مثل أغنية (عشان أهلك بخليك)، (حان الزفاف)، (عزيز يا عزيز)، (أسائل عنك آذارا)، (بيقولوا الناس)، (إنت كنت وكان زمان) و(هسة خايف من فراقك) وأيضاً غنى هاشم ميرغني للحقيبة وأجادها أكثر من فناني الحقيبة مثل أغنية (قلبي مالوا اليوم) (حمام الأيك) (أمدر وأعودا) (زول هناك) (لحظك الجراح) وغيرها من أغنيات الحقيبة الخالدة. كما غنى أيضاً هاشم مرغني للشاعر العربي ابن زيدون رائعته (أغائبة عني).

عرفت أغاني الفنان هاشم ميرغني بالكلمات التي تحمل شحنة من الرومانسية والعشق والغرام وأنهار الحزن المتدفقة والتي تشكلت في أذهان معجبيه أنه له شخصية مختلفة حزينة تعاني من الخيبة في الحب لكن أصحابه والمقربين منه يؤكدون أنه كان من أكثر الناس مرحاً وميلاً للفرح وأنه في حياته الواقعية لم يعانِ من أي متاعب عاطفية و كان محب لأولاده وزوجته.

وفي لونية أغنياته يقول الأستاذ والناقد ياسر حسن ساتي: (الفنان هاشم ميرغني عليه رحمة الله قدم لنا فناً راقياً ومهذباً قلما تجده من زملائه الفنانين فلونية أغنياته فريدة ويستحق أن ينشأ له مركز ثقافي ليدرس فيه سر اللونية الحزينة التي امتاز بها الراحل المقيم الفنان هاشم مرغني، نعم هنالك فنانون للعاطفة وللحب ولهجر الحبيب إلا أن طعم الغناء والاحساس يختلف تماماً عندما يتغنى الفنان هاشم ميرغني فمثلاً أغنية الشاعر الكبير أطال في عمره السر قدور (يا حبيبي اتلاقينا مرة) تغنى بها الراحل العاقب محمد الحسن ولكن عندما تسمعها من الفنان هاشم ميرغني تحس أنك تسمع كلاماً «جديداً» من حيث اللحن والكلمات فيصبح الإنسان مشدوداً إلى الاستماع لأن هاشم ميرغني له سحر الكلام يمزج الفن والوتر بفن المعمار فتخرج الكلمات جميلة زاهية.

قبل أعوام كان وقع الغربة قاسياً على نفوس من ساقتهم أقدارهم إليها فلم تكن هنالك مواقع تواصل اجتماعي، كان البريد ووريقات يبعثها الأهل والأحباب ولحظة وصولها تندفق تيارات الأشواق والحنين، هاشم كان من أولئك الذين تجرعوا مرارة الغربة وتجرحوا بسببها كان يقول مثلاً: (لا تسألوني عن غربتي وعن حكايتها وعن مشاويري الطويلة الليها وداني الزمن.. الغربة التي يندس فيها الليل في أضيق مساحة لضوء شمعة، وتبحث العيون وسط تحجر الدمع حتى ولو لقطرة ندى لتقطر دمعة حين يجهش القلب بالبكاء أنيناً وحين نفرط في تعاطي الذكرى فتنهال صفحات الماضي فيقرأها عمر ضائع وزمن رفع عنه الحساب.. ثمن الغربة باهظ ولكن عزائي أن بعض أغنياتي اتجوّل بها في وسط هذا الجيل الذي اتمنى أن التقيه برغم توهان التعريف وضآلة الفرصة).

قضية سحابات الحزن التي سيطرت على أغنيات هاشم ميرغني علق عليه هو نفسه في حوار أدير معه قبل رحيله بفترة قصيرة فقد قال: (أنا لم أبحث عن الحزن ولكن وجدت في الكتابة عن الحزن مشاركة لمشاعر تهتز عندما تلامس تجربة الشاعر أحزانهم ويهز اللحن مشاعرهم، وبرغم أن الكتابة عن الفرح والإحساس به في عصرنا مبتور فكل الأجواء التي تحيط بنا مضطربة اقتصادياً واجتماعياً وتتضاعف شدة الإحباط عندما تصطدم بصلابة الواقع واستحالة تحقيق أبسط الأحلام.. فالتغني بمآسي الشعور بالفقد والوجد ألم تعايشه الأغلبية فكم مَنْ بكى على مسافر ومغترب وكم مَنْ بكى على فقد أمل عاش من أجله لحظات صبر مرير وترقب).

يضاف إلى موهبته الغنائية والشعرية بأنه أيضاً يتميز بفن العمارة التي كان يشتغل بها حيث عمل مهندساً معمارياً لسنوات عديدة في دول الخليج التي وافته المنية فيها وفي الدوحة.

ولا شك أن موت الفنان يختلف عن غيره وقد يكون انتقال في حيز آخر فقط فالتاريخ لم يحفظ لنا على امتداداته سوى سيرة وآثار فنانين نقشوا إبداعتهم وصوروا تفاصيل حياتهم لذلك هنالك من يقول: (هزمتك يا موت الفنون جميعها، هزمتك وانتصرت وأفلت من كمائنك الخلود).

في يونيو من العام 2006م نعى الناعي رحيل الفنان هاشم ميرغني الذي كان يمتلك فلسفة عجيبة عن الموت ترتقي به إلى مرآقي الحكمة فقد كان يقول لمن
حوله دائماً متى ما جاءت سيرته: (انعوه وأذكروه فإن وعيتموه بأنه وعاء الدنيا وحاوي كل ما احتوته عفاكم من هجمته المباغتة) ويبدو أننا لم ننعِه جيداً فباغتنا خبر رحيله ليتسرب الحزن الذي تغنى له في أفئدة معجبيه بل واستوطنت، ولكن تبقى الحقيقة الوحيدة أن هاشم ميرغني قدم للوطن والعاطفة كما ينبغي.

 

الجريدة

تعليق واحد

  1. ألف رحمة و نور علي روح الفنان الإنسان هاشم ميرغني، اللهم أكرم مثواه و ابعثه محفوفاً برحمتك و شفاعة حبيبك و مصطفاك صلي الله عليه و سلم .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..