أخبار السودان

وإذا القرى أُفرغت: الولاية الشمالية.. هجرة متواصلة وزوال وشيك

القولد- محمد عبد الباقي

عندما طلب رفيق رحلتنا الخاطفة إلى الولاية الشمالية منتصف شهر نوفمبر الماضي من سائق العربة التوقف في القرية التي ظهرت له مبانيها على مرمى حجر من طريق شريان الشمال، رمقه السائق بطرف عينه ولم ينبث ببنت شفة. صديقنا الذي كانت تلك رحلته الأولى إلى الشمال الحبيب بحث عن حذائه استعداداً للنزول، عندما عبرت العربة محيط القرية ولم يكبح السائق فراملها، صاح بأعلى صوته ووبخ السائق على تجاوزها، وهو يعتقد أنه نسي وصيته!!

حينها انفجر من كانوا بالعربة ضاحكين، وأمعن السائق نظره في وجه من طالبه بالتوقف على الأطلال، قبل أن يتكرم أحدهم بتوضيح الحقائق التي لم يكن هضمها يسيراً على صاحبنا حتى أشرقت شمس اليوم التالي، ورأى بعينيه كل شيء.

جدران نائحة

لم تكن تلك القرية الوحيدة المهجورة على الطريق، غيرها العشرات غادرها سكانها، بالصباح أو بالمساء، لا يهم، لكن المهم أن أولئك السكان عندما ابتدروا هجرتهم، كانت طوعية، وإن كان عنوانها البحث عن سبيل للعيش، لكن ذلك السبب لم يكن منطقياً للحد الذي يجعل خلو قرى ومدن بكاملها من سكانها مقبولاً لمن يعتقد أنه إذا رحل من ديار أجداده يفقد طعم الحياة مهما كان مستساغا في موطنه الجديد، ولكن البوح بمثل هذه الأفكار يُوصف بأنها أوهام الشيخوخة، على حد وصف عدد من الشيوخ الذين لا زالوا يذكرون عهد صباهم بتلك المنازل التي جيرها الخراب ونعق فيها البوم. رغم عدم تأثير صوتهم في مجرى الأمور، لكن بعضاً من أولئك الشيوخ ينظرون بأسى إلى الناس وهم يغادرون قرى أجدادهم فرادى وجماعات. لم يصدهم عن ذلك أحد ولم تبحث جهة ما رسمية أو شعبية في سبب تلك الهجرة البائسة حتى تجسدت المأساة بخلو الولاية من ثلثي سكانها على مدى ثلاثين عاما، ولازال سيل الهجرة يتواصل ولازال الصمت يلف الجهات الرسمية كان الأمر شأن يخص المواطن وحده.

أطلال لا بواكي عليها

مشهد القرى التي هجرها سكانها بالشمالية، أصبح لا يُحدر دمعة من عين من كثرتها، ولو لم تصح الجهات الرسمية، خاصة حكومة الولاية الشمالية من النوم الذي تغط فيه بحسب بعض مواطني الولاية، سوف يأتي اليوم الذي تجد فيه نفسها حكومة بلا رعية كما هو الحال في محلية القولد التي أخلى نصف سكانها منازلهم وتفرقوا بين مُدن وقُرى خارج الولاية، مما شجع معتمدها نفسه (أمير فتحي) لأن يسير على دربهم، فدرج على قضاء خمسة أيام من الأسبوع في الخرطوم ويوم واحد بمحليته على حد قولهم. وبتمعن مسيرة هجرة مواطني الشمالية التي لم تكن حديثة، بل هي قديمة بقدم التاريخ، لكنها في الآونة الأخيرة بلغت حداً جعل الغرابة ليست في خلو قرية من سكانها وإنما الغرابة أن تجد قرية مكتملة السكان!!

ويشير بعض جيران السكان الذين كانوا يستوطنون القرى المهجورة أن الأسباب التي جعلتهم يغادرون أرضهم في السابق هي الأسباب ذاتها التي تدفع أحفادهم في الوقت الحالي للهجرة، رغم توفّر الإمكانيات مثل الكهرباء والماء والأرض الخصبة، وهي عوامل كفيلة بالحد من الهجرة إذا قامت السلطات الرسمية ببسطها بالصورة الصحيحة والمدروسة، خاصة وأن المشهد ينذر بحلول نهاية الكارثة.

# هنا كانت حياة

رغم العراقة وطول السنوات ليس شيئاً مهماً في عمر الحجارة، لكنها كافية لتثبت أن البيوت التي شيدت بها كانت عامرة، وأن الذين وضعوا لبناتها الأولى ظلوا متمسكين بالحياة وبالعيش في تلك الديار التي أصبحت اليوم أطلالاً لا بواكي يندبون حبهم على جدرانها، فتهاوى بعضها وظل البعض الأخر يقف كالقشة في مهب الريح ينتظر لحظة تداعيه الأبدي، لينتهي ويُطمر تاريخه تحت أنقاضه. وتاريخ البيوت في الولاية الشمالية مرتبط بقوة بتاريخ الناس أنفسهم كما وصفته الأستاذة (آمنة سري عمر نصر) من منطقة أُوربي، وأضافت: لهذا تجد أن الكثير من الإشارات والمعالم تدل على الأهرامات أو الثقافة الفرعونية القديمة في أبواب البيوت الخالية من السكان، وهذا ينحصر فقط على قلة من أهل الشمال الذين أرادوا الربط بين تاريخهم القديم ومنازلهم التي أنشأوها.

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. ويش مجلس المعتمد امير فتحي في الخرطوم ويش بسوي فيها اتنحل علي المسؤلين خليك في بلدك و ساعد اهلك مؤتمر وطني مافي فائدة مافي فايدة اجوا من البيوت المهجورة لوسط السودان ويسبوا في اهله ماجاء من الشمال ناس مصطفى عثمان ماجاب الا المصائب ياليتهم جلسوا في قراهم اكان ريحونا من البلاوي دي مابقدروا اعيشوا هناك جايين محل الخير الوفير

  2. اهل الشمالية غافلين وهذا دمرهم ودمر منطقتهم فهى افقر مناطق السودان
    تشردوا فى الولايات الاخرى كالغرباء والادهى منح المشاريع التى تشكل مستقبلهم الى مستثمرين
    احملوا السلاح والا ستضيع الشمالية وتضيعوا انتم

  3. سيدي ، منطقة مهجـورة واصلا قليلة السكان ، مواردها اقل مما هو موجود في كردفان ودارفور والنيل الارزق ، إذا ما جدوى تشييد طرقين معبدين شرق وغرب النيل ، لماذا مطارات دولية في مدن لا يتعدى عدد سكانها 50 ألف نسمة ولماذا ولماذا ؟!!!! ، أهذا هو المشروع الحضاري .

    ثم الهجرة الداخلية الى الخرطوم حلال لاهل تلك المنطقة وحرام على اهل مناطق بعينها . انصــفوا قبل ان نقف امام الله في يوم مقداره ………….!

  4. ياجماعة عاوزين توثيق لبيوت المسؤلين الاتربوا فيها من الجيلي لي حلفا مثل واحد من البيوت المهجور دي في القولد ممكن اكون بيت مصطفى عثمان و الجنبوا بيت بكري وبيت علي في الشوايقة وكرتي جنبوا الله اكرت راسوا المفلطح دا مرور بمناطق الجعلين حوش بانقا خرابة الله اخرب البشير و جماعتوا جوا كافوري الله لاكفر سيئاتهم صقايع و خلاء المفروض اتواضعوا وبيت صلاح قوش غرفتين من قش الله اقشوا ساكن في قصور دبي و الرياض كلهم جوا من جنس دي المناطق نسوا انفسهم فانساهم الشيطان و زادهم قاعدين في الخرطوم وقايلين اهل السودان ماعارفنهم بالله صورا كل الخرابات اشان يطلع عليها اهل السودان عامة حجر الطير و البسابير كل الاحجار الكريمة ضباط امن و جيش الدنيا دوارة ودوام الحال من المحال

  5. أسباب الهجره من هذه القرى متعدده منها أسباب تاريخيه بسبب السد العالى والهدام ومن ثم أسباب أخرى كالتعليم وعدم توفر الخدمات الصحيه فى مرحلة وهى منطقه تعتبر منذ الازل قليلة السكان حيث أن سكانها من النوبيين يعيشون على شريط ضيق على الضفاف ، أم الطرق المسفلته فهى فى الاصل لغرض جذب الاستثمار وربط السودان بجواره مصر وليبيا .
    الولايه بها ثروات باطن الارض مثل الذهب وهنالك شواهد لوجود نفط لذا من الضرورى جدا ربط هذه الاصقاع بطريق معبد .
    أنسان هذه المنطقه لديه طموح كبييير لذا يظل فى بحث دؤووب فى تحسين أوضاعه وبطبعه لايميل الى القتال ….
    أسباب هذه الهجره تحتاج الى معهد دراسات متكامل وصولا للاسباب والحلول ، هل سمع أحد بأن هنالك نزاع دموى بين الدناقله وجيرانهم الشوايقه او البديريه من الجنوب أو الدناقله والمحس بالطبع لا لأن أنسان هذه المنطقه يهاجر الى بلاد الغير ويا مرحب بالغير لتعمير هذه القرى والمناطق ….

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..