حسن كتاحة وأزمة الحوار الوطني!

*(محاولة التحاور مع شخص
تخلى عن أي منطق، أشبه بإعطاء
الدواء لجثَة !..).
– توماس باين-
.. كنتَ بزماني، أنا مُحسوبكمْ حسن كتاحة، أرسم عصافير وسمكات وأولاداً يلبسون البنطلونات على حيطان المدارس، في موسم مهرجان الدورات المدرسية، مقابل أجر معلوم، وعلى إثرها الشباب قبلوني عضواً في نقابة الفنانين التشكيليين، وأنا أخذت حقي كعضو، وصرت لا أترك مهرجاناً للطلبة أو العمال أو الاتحاد النسائي إلا وآخذ حقي في الرسم المأجور.. وليه لأ؟ دائرين نعيش يا عمي.
وأنا، في الحقيقة، لا أتذكر أنني عضو في هذه النقابة إلا حينما تتصل بي لجنة المشتريات وتطلب مني رسمات أو يافطات، ولكني فوجئت أول أمس بدعوتي لحضور حوار اسمه (تحت سقف الوطن)! وبصفتي فنان تشكيلي صحي صحي. وقبل أن أقرر تلبية الدعوة ناقشت الأمر مع زوجتي مطيعة:
– ما رأيك يا مطيعة؟. هل تشورين عليّ بالحضور؟.
– حضور شنو حسن أفندي؟.
– حضور مؤتمر الحوار تحت سقف الوطن.
– تحِت شُنو؟؟؟؟؟.
– تحِت سقف الوطن.
– والله ما فهمت عليك يا كتوحتي. ضبطلينا سقف البيت أولاً، قبل ما يدهمنا الخريف، أحسن ما يحصل فينا مثلما حصل السنة الماضية، طين وبشتنة، نزل سقف الراكوبة من برّا. وتقوم تردم اللوُّضَه تراب وتصلح السبلوقات، الله يرضى عليك، واتركنا من سقف الوطن تبعك دا.
– هوووي يا مستورة نقول لك حوار تحت سقف الوطن تنقليننا إلى سقف البيت؟!.
– وأنت شنو دخلك بسقف الوطن؟ ما لاقوا غيرك حتى يسقفوا سطح الوطن؟. بعدين أنت بتعرف ترسم ديوك وجداد وكم بطة ووزة وتخطط. شنو علاقتك بالسقف والسجم والرماد؟. ما يشوفوا ليهم نجار مسلح يفهم بالشغلة؟.
حين رأيت مطيعة على هذه الدرجة من الجهل بسقف الوطن (كأني أنا أحسن منها!! هه) ودّعتها وتوجهت إلى الاجتماع حاملاً بعض الاقتراحات من أجل سقف الوطن.
وحين وصلت وجدت أمين فرع الحزب والوالي وأعضاء الحزب القائد وأحزاب الفكة الوطنية يحتلون المنصة، بينما يقابلهم في الأسفل المتحاورون؛ وهم يجلسون على المقاعد في القاعة. فقلت في نفسي: كأنك يا بو زيد ما غزيت، بعدهم الجماعة على عادتهم القديمة.
كنت أتصور، لقلة عقلي، وسذاجتي، وجهلي بفن السياسة؛ أن الطرفين المتحاورين يجب أن يجلسوا على مستوى واحد كيلا يكون هناك مستوى أعلى وآخر أدنى.
المهم. احتللت مقعداً جانبياً وأخذت أستمع إلى توجيهات القيادة السياسية من خلال كلمة أمين الحزب القائد التي أشاد فيها ببطولات الجيش السوداني والمجاهدين والجنجويد وتفانيهم في التصدي للمؤامرة الكونية على وطننا الصامد،.. ومن هذا الكلام.
انتظرت أن يتحدث عن معاناة الناس عن أزمة الغاز والرغيف… عن السودانيين المشردين في أصقاع الأرض، عن الأطفال السودانيين الذين تركوا مدارسهم عنوة وأصبحوا فاقد تربوي.. لكن ما في نتيجة.
وأنا من يوم يومي حشري. هكذا خلقني الله. رفعت يدي كي أذكّر أمين الحزب بهذه الأمور. فتجاهلني، وتابع خطابه. عندئذٍ قررت أن أتعاور على الآخر، على قاعدة (ما على العوير حرج). فرفعت يدي ثانية بنقطة نظام. وحين رأى أصابع يدي اليسرى بكف يدي اليمنى قطع خطابه:
– نعم يا أخ؟ تفضل.
عندما سمعت كلمة أخ خفق قلبي، واطمأننت إذ اعتبرني من أهل البيت. قلت له:
– خلينا في المهم يا شيخ. حدثنا عن سقف الوطن.
فاستغرب سؤالي، وحين رأيت أن سؤالي لم يصل بالصيغة المناسبة تابعت:
– يعني يا شيخ قررتم أن تسقفوا الوطن؟. كيف؟. بأي شيء ستسقفونه؟. هل يمكن سقف هذا المساحة الهائلة؟!.
وحينما رآني غشيماً إلى هذا الحد وجاهلاً في مسألة سقف الوطن، ومُهويد على الآخر قال:
– أي. ممكن يا أخ، ممكن. كل شيء ممكن. القيادة قادرة على كل شيء. فقلت له:
– صعب يا شيخ، صعب. ما راح تضبط معاكم. ينبغي أن يكون سقفه عالياً جداً. هناك بنايات، هناك أبراج. ثم إذا سقفناه كيف ستصل مياه الأمطار إلى أرضنا العطشى؟. هذه الخطوة ضد المزارعين الكادحين عماد الثورة. لا يجوز يا شيخ أن تسقفوا الوطن.
فرد أمين الحزب مازحاً:
– بل سنسقفه يا أخ رغماً عن الراضي والزعلان.
وعلى نسقفه، ولا نسقفه، ضج الحضور، ودهشوا لهذا الحوار التافه. وتعالى الهرج والمرج. وكي يحافظ أمين الحزب على هيبة الاجتماع قال لي بكل أدب:
– أنت يا أخ هوووي ، اطلع برّا.
فرفضت أن أطلع برّا وقلت له:
– أنا هنا ممثل اتحاد الفنانين التشكيليين، ولي علاقة فنية مع طلائع الثورة واتحاد الشباب واتحاد الجودوو والكراتيه! فقال لي:
– يعني ما وجد اتحاد الفنانين التشكيليين والطلبة أعقل منك؟. أنت أصلاً ما بتعرف ترسم، والشباب قبلوك في النقابة بالواسطة.
عند هذا الحد تدخل السيد الوالي فأخذني على قدر عوارتي وقال لي :
– طيب يا ولدي يا كتاحة اقترح لنا طريقة ملائمة من أجل سقف الوطن. فقلت له:
– والله يا سيدي أنا تنبل بمسألة سقف الوطن. مثلي مثلكم. وخرجت من الاجتماع فوجدتهم على الباب مباشرة:
– ود أم زقَدَا حسن كتاحة!. أيمتَ راح تبطل الحيونة تبعك دي وتبقى بني آدم؟ تعال لحتى نعلمك كيف نسقفلك راسك المليان زبالة.
وهذا ما كان، وأودعناكم.
[email][email protected][/email]

– – – – – – – – – – – – – – – – –
تم إضافة المرفق التالي :
نائلكوف 064.jpg

تعليق واحد

  1. ” ثم إذا سقفناه كيف ستصل مياه الأمطار إلى أرضنا العطشى؟ ”

    وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) الأنعام.

    هذا لا يمحي مصطلح السقف من مفرداتنا اللغوية، فللزمن سقف كما لمدارك فهمنا و أعمارناأيضاً.

  2. رد على المكشكش

    ” *(محاولة التحاور مع شخص تخلى عن أي منطق، أشبه بإعطاء الدواء لجثَة !..). ”

    الأخ المكشكش شن حالك و الأهل؟

    نسأل الله أن تكونوا بخير، فيما يتعلق بردي بالأيات هو ما شد إنتباهي في حكمة الدكتور أعلاها و الذي فهمت منه أن غياب المنطق عند الفرد او الجماعة دائماً ما يقود إلى “طريق مسدود” او موت الحكمة كما الحال عندنا في السودان و شتى بلاد العالم ( تشريد، موت و خراب ديار) و الذي يوافق الدكتور في تشبيهه للشخص الذي تخلى عن المنطق عنوةً أو جهلاً بالجثة و هذا بالضبط ما حدث إلى نبي الله إبراهيم و قومه قبل ميلاد الحكمة عندهم آنذاك على الرغم من أن سيدنا أبراهيم لجأ أخيراً إلى إستخدام وسائل عدة لتوصيل نفسه و منها ما وردت في الأيات الكريمة التالية:-

    فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَن فَعَلَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ (65) (سورة الأنبياء).

    بأختصار أن المنطق هو من أهم الملكات التي يتمنى الإنسان أن يمتلكه فس حياته ليتجنب فتنة المحيا ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) (لبقرة)).

    Concept of Reason

    Reason is the capacity for consciously making sense of things, applying logic, establishing and verifying facts, and changing or justifying practices, institutions, and beliefs based on new or existing information.[1] It is closely associated with such characteristically human activities as philosophy, science, language, mathematics, and art, and is normally considered[by whom?] to be a definitive characteristic of human nature.[2] The concept of reason is sometimes referred to as rationality and sometimes as discursive reason, in opposition to intuitive reason.[3]

    http://en.wikipedia.org/wiki/Reason

    أما عن تعليقي عن السقف أعني به على الرغم من أن الرسالة المستقاه من ايات سورة الأنعام باسترسال الخيال بما تحقق الملكات التي هبها الله للإنسان و التي بهاتمكن نبي الله إبراهيم عليه في رحلة لمعرفة ملكوته الله إلا و أن علم التجسيد يظل دائما الوسيلة للوصول إلى حقائق معرفية كما هو الحال في العلوم و غيرها و هذا فقط عندما يستخدم السقف مجازاً مرسلاً عدا ذلك أعتذر كثيراً و أستغفر الله إن لم أكن موفقاً.
    ودعتك الله.

    بعدين تعال يا أخوي أنت إستخدامي للأيات دي تاشيك وين ……فالنهاية دايرين تعملوا فيها بوليس دين كمان! ……شوف يا زول الدين لله و لا إكره فيه.

    لا حول و لا قوة إلا بالله

    و ودعتك الله أنت و الراكوبة حقتك دي.

  3. مقال رائع سيدي المحترم
    (عزيزتي نوال) واضح ان الرد جاء بقلم د.نائل …. لكما كل التحية والود …. ما زلنا كمتابعين لك شغوفين للتعرف على فترة عملك في اذاعة ال بي بي سي … واكيد المواقفة المشاكسة واطرف المواقف … بجد اشتقنا الى هذه الحكايا … لك مني كل الود والاحترام.

  4. مرات ومرات تخيلت كّتّابا دون أسماء، فقط ،كي أصدقهم.وأمعنت النظر قليلا،فوجدت أنهم بأسماء أو من دون أسماء سوف نصدقهم ،على أن تشدنا كتاباتهم وتستهوينا أعمالهم،والكاتب ليس معصوما، يحلق بمكان وينخفض قليلا بمكان آخر.الكاتب الحقيقي لا يفرحه شدة الإطراء ولا يحزنه شدة التجريح،النقد البّناء الحيادي يطوره….

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..