التضخم الجامح يُضيق الخناق على الموظفين في السودان

يواجه السودانيون العاملون في القطاع العام الوضع الاقتصادي المتردي بالبلاد بأجور لا تساوي في حدها الأدنى ما قيمته عشرة دولارات مع استمرار مستويات التضخم بالصعود.
وتسببت موجة ارتفاع قوية للأسعار نتيجة تدهور سعر صرف العملة المحلية والاضطرابات السياسية وتوقف دعم المانحين الدوليين، في ارتفاع معدلات التضخم في البلاد الذي بلغ في نوفمبر الماضي 339.58 في المئة مقارنة مع 350.84 في المئة في الشهر السابق.
وصنف صندوق النقد الدولي السودان في المرتبة الأولى ضمن الدول العربية الأكثر ارتفاعا في أسعار الاستهلاك يليه كل من اليمن بنحو 40 في المئة وليبيا بنحو 21.1 في المئة.
وتقول موظفة بإحدى الوزارات الحكومية فضلت حجب هويتها لوكالة الأناضول إن “الأجور الحالية أصبحت عاجزة عن تلبية حاجات يومين من أيام الشهر”.
وأضافت “مرتبي لا يتجاوز 12 ألف جنيه (38 دولارا).. كيف يمكن أن يوفي بالتزاماتي وسط ارتفاع الأسعار المستمر والتضخم الذي يتجاوز 300 في المئة؟”.
وتتفق الموظفة بالقطاع الخاص إيمان أحمد مع رأي سابقتها، وأشارت إلى ضعف الأجور في القطاع الخاص أسوة بالقطاع العام.
وأوضحت أنها تعمل في ثلاثة أماكن لتغطية احتياجاتها، لافتة إلى أنه كلما ارتفعت الأجور ارتفعت الأسعار بصورة موازية.
وتتفاقم محنة صنّاع السياسات المالية السودانية بين مواجهة ارتفاع التضخم ولهيب الأسعار وبين حماية النموّ الاقتصادي الهش، في ظل تباين الآراء حول نجاح برنامج الإصلاحات القاسية، والتي سيكون الفقراء أول من يدفع الثمن الباهظ لها.
وتجد السلطات نفسها في موقف محرج من أجل المضي قدما في برنامج الإصلاح المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي وكبار المانحين الدولي بسبب المؤشرات السلبية التي ما انفكت تدخل إلى المنطقة الحمراء.
ومطلع العام الجاري طبقت السلطات زيادة غير معلنة في تعرفة الكهرباء بنسبة بلغت 484 في المئة لكل القطاعات السكنية والتجارية والحكومية والصناعية والزراعية.
ولم تقابل هذه الزيادة بتطبيق فعلي لزيادة الأجور، بسبب عدم إجازة موازنة العام الجاري على خلفية الأحداث السياسية بالبلاد بعد إعلان قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في أكتوبر الماضي حالة الطوارئ، وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وإعفاء المحافظين.
وبدأت الخرطوم سلسلة من الإجراءات قبل عامين بعد توقيع المسؤولين السودانيين على برنامج المراقبة مع البنك الدولي لتعديل أوتار المؤشرات السلبية.
وكانت الحكومة الانتقالية قد زادت مطلع 2020 في أجور العاملين بالدولة بنسبة 569 في المئة من نحو 425 جنيها (1.2 دولار وفق الأسعار الحالية) إلى ثلاثة آلاف جنيه (7 دولارات).
وذكرت وسائل إعلام محلية مختلفة أن ثمة نية لزيادة في الحد الأدنى للأجور في موازنة العام الجاري، إلى 33 ألف جنيه (78 دولارا) لمواجهة التأثيرات الناجمة عن الإصلاحات الاقتصادية التي أقرها السودان خلال العامين الماضيين.
والشهر الماضي قال وزير المالية والتخطيط الاقتصادي جبريل إبراهيم عن زيادة في الأجور للعاملين بالدولة خلال موازنة هذا العام.
وأكد أن “الزيادة ستكون حقيقية لن تبلعها السوق، والوزارة لن تلجأ إلى الاستدانة من البنك المركزي، أو طباعة الورق كما كان يحدث في عهد النظام السابق، ما أضر بالاقتصاد الوطني”.
ولدى الكثير من الخبراء قناعة بأن ضغوط المانحين زادت من إرباك الوضع الاقتصادي برمته، ففي فبراير الماضي قررت الحكومة تعويما جزئيا للعملة المحلية، في محاولة للقضاء على الاختلالات الاقتصادية والنقدية.
وفي فبراير الماضي عومت الحكومة جزئيا العملة المحلية ما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار لأكثر من 375 جنيها من 55 جنيها السعر الرسمي قبل التعويم، في مسعى لجسر الفجوة بين السعر الرسمي وأسعار السوق الموازية.
وتبعت التعويم زيادة سعر الدولار الجمركي الذي يبيعه البنك المركزي للتجار بغرض استيراد السلع في مارس الماضي، من 15 جنيها للدولار إلى 28 جنيها، الأمر الذي أشعل شرارة موجة جديدة من التضخم.
وتعويم العملة، إضافة إلى رفع الدعم عن السلع، مطلبان أساسيان لصندوق النقد لدعم برنامج إصلاح اقتصادي تنفذه الحكومة التي بدأت في أكتوبر 2020 تطبيق رفع تدريجي لدعم المحروقات.
وتهدف خطة إلغاء دعم الوقود لإفساح المجال للمزيد من الإنفاق الاجتماعي، بما في ذلك برنامج دعم الأسرة في السودان والإنفاق الصحي، كما سيتم توسيع القاعدة الضريبية من خلال ترشيد الإعفاءات الضريبية.
وعلى الرغم من أن بعض الخبراء يرون أن السلطات قد تحتاج إلى وقت طويل حتى تعدل بوصلة السوق المحلية من خلال ضبط الأ
سعار، إلا أن الأوساط التجارية السودانية ترى أن الأمر معقد ويحتاج لنفس طويل.
وأكد الخبير الاقتصادي محمد الناير أن الأجور القائمة حاليا لا تلبي الحد الأدنى من متطلبات المعيشة. وقال إن “معدلات التضخم المتصاعدة تؤكد أن الأجور الحالية لا تلبي سوى 10 في المئة من متطلبات المعيشة”.
وأوضح أن قيمة الأجور الحالية تآكلت على خلفية معدلات التضخم العالية وضعف قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية.
وتعتزم السلطات اتخاذ تدابير تجاه سعر صرف موحد وإرساء إجراءات مقاصة في السوق في مقابل الحصول على التمويل الكافي من المانحين لدعم السكان من خلال الانتقال الصعب إلى اقتصاد قائم على السوق يعمل بشكل جيد.
وكانت الحكومة قد شرعت في تطبيق برنامج دعم للأسر الفقيرة أي نحو 32 مليون سوداني من جملة سكان البلاد البالغ عددهم 44 مليونا تقريبا يهدف إلى تقديم الأموال نقدا للفقراء بغية تخفيف آثار الإجراءات الاقتصادية القاسية.
العرب