هل يحق للسودانيين الحديث عن رئيس «احتياطي»؟

محجوب حسين

على غير المألوف، لم يحبس السودانيون أنفاسهم، بل أطلقوا العنان بدرجة غير مسبوقة لمشاعرهم كي تعبر وبشكل عفوي، حيث الاهازيج والزغاريد، استعدادا وترتيبا لمسيرات هادرة، كخلاص إنساني لشعب يعيش تحت احتلال رئيس مأزوم في محنة، ومن خلالها ينتج مجموع سياساته ضد نفسه والآخرين ومعهما الوطن. هذه الحالة من المشاعر العفوية جاءت معاكسة بالطبع لحلفاء وشركاء الرئيس السوداني، سواء من صنف العاملين أو المتورطين معه ضمن منظومة فساد وإفساد وطنية وإقليمية، نالت كثيرا من التاريخ السوداني.

وقعت هذه المفارقة عندما ثبت وتبين أن حاكم السودان الذي بأمره كل شيء، قاب قوسين أو ادنى من الوقوع في شباك العدالة الدولية، بسبب جرائم ارتكبها في حق الشعب السوداني، جراء الانحراف الحاد للوعي العصبوي الأيديولوجي الذي يحكم فلسفته الوجودية ونسق بقائه.

الامر يتعلق بفصول لفيلم مثير يتمثل في «هروب رئيس أفريقي شرير» من حكم قضائي لأحد قضاة المحكمة العليا في» بريتوريا» بجمهورية جنوب افريقيا، حيث قرر القاضي التحفظ عليه لمدة أربع وعشرين ساعة، إثر دعوى قضائية «لمركز التقاضي» بجنوب افريقيا، إلى حين البت في الدعوى المرفوعة ضد المتهم/ الرئيس، التي بموجبها قرر القاضي رفع الحصانة السيادية عنه وتسليمه لمحكمة الجنايات الدولية.

المشاهد والأحداث التي وقعت في المساحة الزمنية، بين ليلة التحفظ القضائي الى نهار التخفي والهروب جوا، التي نقلها عدد من الصحف المحلية والدولية ووكالات الأنباء والقنوات العالمية في مانشيت إعلامي، تصلح وقائعه لفيلم سينمائي، إن وجد من يتلقفه من كتاب نصوص الدراما السينمائية، خصوصا أن الحدث يحمل قيما عدلية وقانونية وإنسانية واخلاقية، وكان محط وقوعه جنوب افريقيا، مكان الأيقونة والثيمة الانسانية نيسلون مانديلا. هكذا أصبحت جنوب افريقيا تحمل في ذاكرة الشعب السوداني حدثين، أولهما، تراث الزعيم الخالد مانديلا في الحرية والعدالة والتحرر والمساواة والمصالحة، وثانيهما، إقرار حكم القانون والعدالة والمؤسسات التي أرساها القائد الرمز، حيث كادت أن تجلب أحد أهم مجرمي القارة الافريقية في العصر الحديث إلى العدالة، لولا تورط الرئيس الجنوب أفريقي جاكوب زوما، الذي لعب دورا دورا بارزا في تهريبه بتعاون مع أجهزته الأمنية والدفاعية وبمسوغات سياسية غير قانونية، غير عابئ بما يشكله له في الامد المنظور من انتحار سياسي، أمام مؤسسات الدولة الديمقراطية التي تجاهلت الأحكام القضائية وانتهكت دستور البلاد.

سيناريو فرار البشير، الذي لا يمكن أن تطأ قدماه مرة ثانية جنوب افريقيا، كشأن العديد من الدول، بحكم سريان نفاذ الحكم بالقبض عليه وتسليمه، هذا الحدث في شكله ومحتواه سبب آذى كبيرا للسواد العام وجرحا للكبرياء السودانية، بدون أن يعي «رمز السيادة»، شيئا مما ألحقه من آذى واحتقار للذات الجمعية السودانية. كيف لرئيس لم تمض إلا أسابيع، فيها رشح وصوت على نفسه بدون منازع أو منافس، وأحرز ما نسبته، وفق لجانه الانتخابية، أكثر من 90 في المئة، مؤديا القسم الدستورية بأنه سوف «يحفظ ويرعى الأمن السوداني»، أن يحفظ أمن الآخرين في الداخل، بينما لا يستطيع أن يحفظ أمنه هو في الخارج؟
إضافة إلى أنه لم يعقد مؤتمرا صحافيا يوضح للشعب ملابسات ما جرى له بصدق. كما يلاحظ في هذه المأساة أنه لم يتضامن معه أي أحد، كل عواصم ومؤسسات القرار العالمي طالبت جنوب أفريقيا بتسليمه، والأمم المتحدة طالبت على لسان أمينها بان كي مون، فيما صمتت الجامعة العربية وكل الدول العربية الحليفة والمعادية والعادية، ليتشكل الموقف في تطابق الإرادتين الوطنية الداخلية والدولية، ويأتي هذا رغم تقاطعات الداخل وأزمات جغرافيته السياسية، وكذا العالمي في شقه الإقليمي أو الدولي أو المؤسساتي الذي تحركه موازين القوى وعُرف محددات مصالحه.

أهم أمر كشفته هذه العملية، أن معركة القبض على الرئيس هي معركة دفوعات قانونية في دول تحترم مؤسساتها الدستورية والقانونية، وتبين لنا جليا في هذا السياق إبان وجودنا في «لاهاي»، مقر المحكمة وفي اليوم ذاته، بناء على توصية أحد قيادات حركة العدل والمساواة في جنوب أفريقيا، حيث كان حضور أعضاء الحركة لافتا في مقر المحكمة، ومقابلتهم المتحدثة الرسمية للمحكمة، التي قطعت عطلتها الأسبوعية لمتابعة مجريات الأمر من جوهانسبيرغ، حيث كانت متفائلة وبتحفظ شديد، كل هذا دفعنا إلى تشكيل لجنة مشتركة مع ذوي الضحايا المنتشرين في أصقاع العالم، بتوكيل محام أوروبي، ليتولى متابعة الرئيس في كل محطات زياراته الدولية، زائدا الدول التي يطلب عبور مجالها الجوي، وأن يقوم برفع دعوى قانونية، باعتباره وكيلا عن الضحايا، إلى المؤسسات القضائية لهذا البلد أو ذاك، على شرط أن تتوفر في الدولة شروط النزاهة القانونية والشروط الشكلية والموضوعية الأخرى المتعلقة بتوقيعها على ميثاق روما أولا، هذا قد يسهل مساعي المحكمة ويدفع بالمجتمع الدولي في مجلس الأمن أو مراكز القرار العالمي إلى الالتزام بمسؤولياتهم تجاه الأمن والسلم في السودان.

أخيرا، يجدر القول إن وضع الرئيس السوداني، رغم تجديد شرعنته، يبقى رئيسا فاقدا للأهلية السياسية والقانونية. ومعلوم أن محنة الرئيس الشخصية انعكست على البلاد ومست كل الجوانب، وارتقى أمر المحكمة لأحد أهم بنود الأجندة الوطنية. إن عتماد هذا البند من طرف القوي الوطنية الديمقراطية السودانية المقاومة مدنيا وعسكريا قد يحرق المراحل سريعا وبأقل الخسائر.
السلطة السودانية تعيش اليوم حالة فراغ حقيقي، فهل يمكن للسودانيين أن يبحثوا عن رئيس «احتياطي» أسوة بلاعبي كرة القدم، حتى لا أقول نائبا أول أو ثان.

كاتب سوداني مقيم في لندن
محجوب حسين
القدس العربي

تعليق واحد

  1. السودانيون ليسو في فريق الرئيس والسؤال في وضعه الصحيح والطبيعي (هل للاخوان المسلمين في السودان ان يكون لهم رئيس احتياطي يضمن استمرارهم في السلطة والحياة السياسية في السودان؟).

  2. القضية تحولت من أزمة رئيس مذعور فار من العدالة الدولية إلى زمة أقلية حاكمة محاصرة “أقلية الجلابة” وفاقدة للشرعية، فأرتمت في أحضان التنظيمات المتطرفة كداعش..

  3. القضية تحولت من أزمة رئيس مذعور فار من العدالة الدولية إلى أزمة أقلية حاكمة محاصرة “أقلية الجلابة” وفاقدة للشرعية، فأرتمت في أحضان التنظيمات المتطرفة كداعش…… واليوم بدلاً أن يكون دور المتحدث الرسمي بأسم خارجيتنا فقط نفي ضلوع بلاده في دعم الأرهاب والتنظيمات المتطرفة، فأنه مطالب أكثر من ذلك بنفي أنخراط أحد أفراد أسرته الصغيرة في برنامج نكاح الجهاد… وبالطبع نكاج الجهاد هو الصيغة الأكثر تطرفاً لدعم الأرهاب…

  4. هو مشاكل السودان غير الجلابة الجايبة منو, قاتلهم الله مخلوقات لا يمكن ان ياتي منهم خير ابدا.

  5. لاينبغى التعميم ولا الإنزلاق الي متاهات العنصرية ! أولا ليس البشير رئيسا للسودان انما هو رئيس للحزب الحاكم وهو حزب الحركة الإسلامية. ويحكم بسلطة غير شرعية. ويرأس دولة الحزب وليس دولة الوطن التى تم إقصاؤها منذ 1989 لتحل محلها دولة الحزب .أما الحديث عن الجلابة بهذه الطريقة فهو حديث مستهجن ويصب في ذات المجري العنصري الذي تصب فيه سياسات الإنقاذ . الكتابات الرصينة والتعليقات عليها ينبغى أن تتسامي فوق العرق واللون والقبيلة والدين حتى نخرج جميعا من نفق الإنقاد من أجل إستعادة الوطن المختطف لنضعه فوق سقف ركام المظالم والمرارات التاريخية من أجل سلام مستدام وسلطة تتقسم بين المركز والأطراف بالتساوي وثروة تتوزع بين أركان السودان الأربعة بأنصاف وعدل . أما الحديث عن الجلابة وغير الجلابة سيمدد من عمر الإنقاذ المديد أصلا .

  6. [url=http://up.harajgulf.com/][img]http://up.harajgulf.com/do.php?img=101638[/img][/url]

    طيب الزول ده مش كان احسن بعد بقى رمز للفشل والمعاناة ..يرجع يوم واحد بس قبل انقلابه مع الاخوان المسلمين المشؤم
    1- عبر المؤتمر الوطني الدستوري الكان معلن انذاك”مبادرة الميرغني /قرنق 1988 -واجندة الحوار فقط ما مكتوب ادناه
    1- يلغي الولايات ويرجع الاقاليم وتقام انتخابات حرة لحاكم اقليم ونائب اقليم وحكومات اقليمية رشيدة منتخبة من الشعب من اولوياتها ارجاع الماثر والمشاريع التنموية للانجليز وعبود ونميري وابداعات جديدة ان وجدت..مع محكمة دستورية عليا وقضاة رجااااال عديل لضبط الدولة وعلاقةالمركز بالاقاليم…..وتنتهي 90% من معاناة 90% من الشعب السوداني الفضل
    2- بعد داك يدعو لانتخابات برلماني مركزية و راسية مبكرة وفقا للدستور بتاع 2005 ويستقيل ويمشي يقعد مع اسرته في حوش بانقا…..ولا محكمة جنائية ولا شغلة ولا مشغلة…
    انتخابات 2015 المضروبة بتاعة 94% اثبتت تماما ان نظام الانقاذ انتهى ةمات سريريا
    والاخوان المسلمين دي انتهت في بلدا مصر وما تلزمنا في في السودان تاني.. فقط يعملو ليهم وش يقابلوا بيهم رب العالمين-انتخابات اقليمية مركزية راسية مبكرة وكل حي يمشي في حاله والشعب يولي من يصلح….وعودة السودان الاصل 1 يناير 1956 هي الحل…

  7. الرئيس الحالي…البشير… هو نفسه رئيس احتياطي… رئيس نبطشي والدليل على ذلك أن معظم قرارات البشير لا يتم تنفيذهاولكن هناك رئيس حقيقي يأمر فيطيعه الكيزان كلهم والبشير نفسه ويتم تنفيذ أوامره وإن كانت تقسيم السودان إلى خمسة دويلات صغيرة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..