أبيي خاصرة الشمال والجنوب

عمر العمر
+
بالإطباق العسكري على أبيي خسرت الخرطوم فرصة ذهبية للاستثمار السياسي. بعد تعرض قافلة عسكرية تضم جنوداً شماليين ودوليين لكمين على مشارف البلدة، تواترت بيانات الإدانة من نيويورك وعواصم غربية، بينما اتهمت الخرطوم الحركة الشعبية بتدبير الهجوم، ما وضع الحركة تحت ضغط سياسي مكثف. الكمين فتح ثغرة في جدار الدعم الخارجي للحركة الجنوبية.

صحيح أن الحركة لم تعترف بتدبير الكمين، لكن من شأن المناداة بالتحقيق تضييق الخناق على الحركة وكسب المؤتمر قدراً من التعاطف إن لم يكن الانحياز. أي جهد ذكي في هذا السياق يحدث لا محالة تغييراً في الموازين السياسية.

مدارك المؤتمر لم تذهب أبعد من «رد الصاع صاعين» على الحركة. هي العقلية التقليدية المسمنة بالتعالي والحملات التأديبية. لا فرق بين استخدام العصا أو البندقية. الخيار العسكري يزيد أزمة أبيي المزمنة تعقيداً ولا يوفر مفتاحاً للحل. ذلك خلاصة الدرس التاريخي لاستنزاف الطاقات. المفترض في المؤتمر والحركة بعد إعمال ذلك الخيار الخاسر أكثر من 16 سنة استيعاب الدرس والبحث عن بدائل أفضل جدوى. إمعاناً في إجهاض الفرصة السياسية رفض مسؤولون في الخرطوم أو تغيبوا عن لقاء أعضاء مجلس الأمن الزائرين.

بيانات الإدانة تحولت من جوبا باتجاه الخرطوم. أميركا والاتحاد الأوروبي اعتبرا الهجوم الشمالي خرقاً خطيراً لاتفاق السلام بين الشمال والجنوب. القوى الدولية طالبت المؤتمر بسحب قواته فوراً من الإقليم المتنازع عليه.

جوبا استثمرت الحملة العسكرية على نحو سياسي، إذ سحبت قواتها رافضة سيناريو الحرب. أكثر من ذلك اتهمت الحركة القوات الشمالية بطرد الجنوبيين من أبيي وتفريغها من سكانها. الحديث تعالى عن عمليات حرق ونهب منظم في البلدة على نسق «كتائب القذافي». ربما لجأ النظام السوداني إلى دفع أزمة أبيي المزمنة بدباباته إلى حافة الهاوية، بغية إيجاد حلول للقضايا العالقة بين الشطرين. هذا خيار ذو كلفة باهظة كما ستكشف تداعياته. هذه العملية العسكرية ستزيد الحركة تصلباً في مواقفها قبيل استحقاق استقلال الجنوب في يوليو المقبل. التداعيات السياسية تجاوزت حالياً الكمين إلى الانتشار العسكري.

أبيي تشكل لغم اتفاقية نيفاشا. الطرفان الجنوبي والشمالي ظلا يمارسان المراوغة بدلاً عن التوجه لتفكيك اللغم وهما يدركان مخاطر انفجار اللغم.

في سياق الحرص على الانفراد بالسلطة والثروة في الشمال والجنوب، مارس المؤتمر والحركة سياسة قفز الحواجز والخيارات الانتقائية إبان المرحلة الانتقالية. لا أحد في الشمال أو الجنوب يود العودة إلى الحرب، المؤتمر الحاكم في الخرطوم لا يستطيع الذهاب إلى جبهة للقتال حالياً. الحركة الشعبية غير مهيأة لخوض حرب مع الشمال. الطرفان مثقلان بأعباء سياسية داخلية متشابكة. تفكيك اللغم ليس في وسع الطرفين الحاكمين وحدهما.

إعادة تصدير القضية إلى الخارج يعيد انتاج الأزمة. النظامان في جوبا والخرطوم يتعاليان على القوى السياسية الجنوبية والشمالية ويتنازعان مصالح فوق طاولة أبيي وتحتها. عقلية الخرطوم الساعية إلى تحويل حلايب إلى منطقة تكامل بين السودان ومصر أكثر استدعاء للأعمال في أبيي للغاية ذاتها وأهداف أبعد.

ما لم تشارك القبائل أصحاب المصالح الحيوية في جنوب كردفان في صياغة الحلول لن ينطفئ التهديد بالاحتكام إلى البندقية. تلك هي الحقيقة التي يرفض المؤتمر والحركة الاعتراف بها. ما لم يتم إشراك الدينكا والمسيرية في تأمين أسلوب التعايش القبلي تظل أبيي «قدس» السودان باعتبارها قضية عصية على الحل. عصب القضية في المنطقة ليس النفط. المرعى والماء أكثر حيوية من الزيت القابل للنضوب. أبيي خاصرة تعايش الجوار السلمي بين الشطرين.

البيان الاماراتية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..