الثورة السودانية : الى أين بعد التشاورى ؟

أولا : لااتفق مع من يقول اين الشعب السودانى ؟ ولماذا لايحرك ساكنا تجاه امهات الجرائم بينما ثار من قبل على زيادة السكر قرشا واحدا ؟! وأظن ان الذين يقولون بذلك ، انما يقولونه لانهم خارج الصفوف . فمنذ الايام الاولى للانقاذ بدأت الثورة ، بالرغم من الاساليب غير المسبوقة للتحالف الايديولوجى/ العسكرى . فبعد ايام من 30 يونيو المشئوم ، كان اضراب اللاطباء الشهير ،الذى كانت نتيجته احكام الاعدام والسجن الطويل لقادته ،ثم محاولة انقلاب الضباط ، التى دفن على اثرها المئات ونصفهم احياء دون محاكمة .. ثم تواصل الموت فى الجنوب ،بل وانضم الى قائمة المعارضين بالسلاح الشرق والغرب والجنوب الجديد . الم يسمع الذين يقولون مالايفعلون بهبة سبتمبر المجيدة ، التى لو انضموا اليها لتغير وجه تاريخ السودان ؟! الم يسمعوا بموقف الشعب السودانى المقاطع للانتخابات الاخيرة ،، بل واستفتاء دارفور المزمع، الذى اندلعت المظاهرات ضده فى معسكرات النازحين ؟ الم يسمعوا بعشرات الآف المهجرين من جبل مرة وصمود حركة عبدالواحد المحمية من شعب السودان بجبل مرة ؟ الم يسمعوا باضرابات الاطباء فى كثير من انحاء البلاد ؟ الم يسمعوا بصمود الحركة الشعبية بجنوب كردفان وجنوب النيل الازرق؟ ألم يسمعوا بالمواقف الثابتة لاحزاب الاجماع الوطنى من عدم المشاركة فى حوار القاعة ،بل وحوار أديس التشاورى الابعد تحقيق متطلباته ، مع الاستمرار فى حشد الناس للانتفاضة،التى تمثل الحل الحقيقى الوحيد للقضية ، التى اتضح انه لاحل لها الابذهاب صانعها ودفع ثمن مافعل ( على دور الملين ) .
ان الذين يقولون بجمود موقف الشعب تجاه مايحدث من جلاديه ، كأفراد أو احزاب ، مع الذين يأملون فى تفكيك النظام من خلال التحاور معه ليسوا واهمين فقط ، وانما يصل املهم حد السذاجة السياسية. ليس هذا حديثا نظريا وانماوضح من خلال تطورات السياسة السودانية . لقد لخص هذا الوضع بشكل رائع فى تقديرى ،بيان الجبهة الوطنية العريضة ، الصادر فى الخرطوم أخيرا تحت عنوان ( وحدة الهدف ووحدة الكيان المعارض ) ، حيث يقول ( لاجدال ان وحدة العمل المعارض هو السبيل الوحيد للتغيير الديموقراطى الشامل . ولايمكن ان تتحقق الوحدة مالم يتوحد الهدف بصورة قاطعة لالبس فيها ولا تأويل له يمكن ان يستبطن منفذا لخلاف: ماذا تريد المعارضة ؟
هل تريد اصلاح النظام وتحسين ادائه بتعديل المنهج ، واستبدال بعض الافراد القائمين عليه؟ أم تريد تفكيك النظام عبر تعديلات قانونية فى بنيات النظام الشمولية ؟
هذان الهدفان لايتحققان الابالجلوس مع النظام والتحاور معه ، بمعنى الاعتراف بالنظام كشرعية قائمة ولكنها لاتلبى تطلعات المتحاورين . ونتيجة الحوار عند نجاحه هى قطعا استمرار النظام وجودا مع التعديل ،وبالتالى التعايش معه .
الادعاء بان ذلك يمكن ان يؤدى الى تفكيك النظام محل نظر محفوف بالمخاطر ، اذ ان النظام الذى جثم 27 سنة وارتكب من الجرائم والموبقات ما ارتكب ، ليس من الهبل بان يوافق على أوالدخول فى حوار يؤدى الى تفكيكه …
ان أى من الهدفين يكشف حالة العجز ، ولايلجأ اليه الا من يقول ان ما لايدرك كله لايترك كله …غير ان هناك خيار ثالث يقوم على المبدأ والثقة فى جماهير الشعب وقوتها ، وهو العمل على اسقا ط النظام ابتداء وانتهاء واستبداله بنظام ديموقراطى ، ومحاسبة ومحاكمة كل من أجرم فى حق الوطن والمواطنين .)
مثل هذا المسلك الذى توصلت اليه الجبهة الوطنية العريضة ، ويتمسك به دون تردد أو تراجع جماعة قوى الاجماع ،هو الذى يصفى العناصر الرخوة والمتعاونة ، بل والمتآمرة مع النظام .ولعل تجربة اتفاقية القاهرة ورجوع قوى التجمع الى الخرطوم خير مثال على مايمكن ان يحدث بين مثل هذه العناصر ومثل هذا النظام .ففى ذلك الوقت :
حافظت الحركة الشعبية على علاقة المشاركة ، خصوصا بعد غياب القائد الفذ جون قرنق ، واصبحت تسعى الى ماتحقق لها بالفعل فى نهاية المطاف .
مولانا ، صاحب عبارة :”سلم تسلم “، نفذ العبارة بصورة عكسية .
مولانا المهدى ظل يدور بين المعارضة والحكومة سعيا وراء الهيكلة ….. وهكذا كانت المصالح للجماعات والافراد هى المجال الذى يجيد النظام اللعب عليه .
وفى النهاية ، ومع وضوح هذه الرؤى ، فان باب المعارضة يظل مفتوحا لكل من يريد ان يعارض بهدف اسقاط النظام ، ولايملك مفاتحه أحد ، وهى غير محتكرة لاحد أو جماعة ، وليس من قوة لاحد يستطيع ان يمنع عن طريقها الانضمام الى اى من تكويناتها الحقيقية، او حتى تشكيل كيان جديد يسعى لتحقيق رؤى المنتقدين للمعارضة الموجودة الآن على الساحة ،فهى تفعل ماتستطيع ولاتمنع الآخرين من الفعل المشترك أو المنفرد .
وفى الختام أيضا ، لابد من وحدة العمل السياسى والعسكرى واعلان ذلك دون مواربة ، خصوصا ان النظام لم يبدل ايمانه بان التفاوض لايكون الامع من يحمل السلاح أو يتحالف مع من يحمل السلاح ، والدليل : اجتماع اديس التشاورى وماقبله من اجتماعات رسمية وغير رسمية !
دور النظام الاقليمى والدولى :
استطيع ان افهم ان بعض عناصر المعارضة الحقيقية بطرفيها العسكرى والمدنى ظلت تتجاوب مع دعوات التحاور من النظام الاقليمى والدولى ، الذى لعب فى أوقات ما ادوارا متنوعة فى حلحلة بعض القضايا ذات الطابع المحلى والتى ربما يؤدى عدم حلها لتأثيرات خارجية . غير ان هذا يجب ان يحدث بطريقة محسوبة تضع فى الاعتبار التغيرات المستمرة فى موازين القوى فى الجبهتين وفى التحالفات الناتجة ، مع محاولة اختراق بعض هذه الجبهات من خلال توضيح الحقائق لها مقابل أكاذيب النظام .
ومن المعلوم ايضا ان مواقف هذه الجبهات والدول تنطلق من مصالحها الآنية والمستقبلية فى البلد المعنى . فى هذا الاطار يتم تقييم مواقف الولايات المتحدة واوروبا والصين وروسيا. ويمكن ايضا الاستفادة من مواقف النظام عندما اتجه شرقا فى موضوع البترول . غير ان كل هذا لن يكون فعالا الا اذا اظهرت المعارضة قوة معادلة او متفوقة على النظام على الارض ، وكذلك بوجود اعلام قوى يستفيد من تجربتى دبنقا والراكوبة .
اما بالنسبة لمواقف العالمين العربى والافريقى ، فهى ناتج نوع الحكم الموجود فى اغلبيتها، وبالتالى فهى لن تتخذ مواقف ضد النظام السودانى وفى مصلحة الشعب ، بالرغم من علمها التام بالجرائم ، خوفا من ان تصبح تلك المواقف مقياسا للتعامل مع انظمتها من النظام الاقليمى والدولى .
واخيرا فان خروج مليون واحد من العشرة ملايين ساكنى العاصمة الى الشارع فى توقيت واحد كفيل بذهاب النظام الى سلة التاريخ مع من سبقه من الانظمة التونسية والمصرية ..الخ .