
لقد صاغ الثوار رؤية هذه الثورة بمنتهي الوضوح والدقة وهي رؤية رفيعة تمتلك كل عناصر النجاح. ايضا لقد وضعوها موضع التنفيذ وبرهنوا لشعبنا كيفية تنفيذ هذه الرؤية. أنها استراتيجية الثورة التي يمكن تلخيصها في الوحدة علي الحد الادني والسلمية والجسارة في تجريب الحلول وتغيير الخطط ان تغير الواقع لا العكس. لقد ظهر هذا جليا في محاولاتهم المتكررة والمتجددة وتغيير مسارهم وتكتيكاتهم مع التمسك الصارم بالوحدة والسلمية.
بعد سقوط النظام اظهرت الممارسة اننا لم تستوعب النقلة الذهنية التي ادخلتها الثورة في حياتنا فعدنا وسريعا جدا الي الممارسة التي تعودنا عليها طوال حياتنا السابقة في عدم إستيعاب اهمية الاتفاق علي حد ادني هو مصلحة الوطن والحفاظ علي الديمقراطية وجعلها خيارًا جاذبًا لشعبنا. وهو امر يمكن ان نفهمه وأن نجد لهم العذر فتغيير الحالة الذهنية بتبني الطريقة الجديدة للتفكير والتعامل مع الواقع حتي في وقت الثورات لا يتم بطريقة اوتوماتيكية لمجرد اسقاط النظام السابق، بل لا بد من تفكيك النموذج الذهني للواقع وللسياسة ولكيفية العمل بطريقة مختلفة. ولعل اول الاخطاء هو ابعاد الشباب من الثوار عن قيادة الفترة الانتقالية. لقد ظننا ان الواقع الجديد يحتاج الي حملة الشهادات أو من نطلق عليهم خبراء لادارة الامر بطريقة سليمة. لا زلت اذكر تصريح مستشار السيد حمدوك في ذلك الوقت اننا انتقلنا من مرحلة الثورة الي مرحلة الدولة. واظن ان لوم حمدوك او ذلك المستشار هو تحميلهم ما لا طاقة لهم به. انا متاكد ان التصريح كان سيكون مختلفا تماما ان صرح به الشهيد كشة او احد الثوار الذين تعرف القيادة العامة وشوارع الخرطوم وجوههم وهم يهتفون بسقوط الطاغية. كانوا سيعملون علي نقل الثورة الي الدولة وتحقيق شعارات ثورتهم.
كيف يمكن ان ننقل الثورة الي الدولة؟
لا بد من اعادة ترتيب قوي الحرية والتغيير وتجمع المهنيين اليوم قبل الغد. اعادة الترتيب ستكون ضمن ما اتفق عليه من مواثيق. الجديد هو ان تتولي قحت وتجمع المهنيين مسؤوليتهما كاملة تجاه حكومة حمدوك. حكومة حمدوك ليست حكومة منتخبه وليس من العدل ولا احترام الثورة ودماء الثوار عدم تحمل قحت لمسؤوليتها تجاهها.
١- قحت هي صاحب المصلحة stakeholder الذي تقوم حكومة السيد حمدوك بتنفيذ برنامجها
٢- يعاد النظر في اولويات الوثيقة الدستورية وباسرع ما يمكن. لقد اثبت الواقع القريب ان وضع السلام علي راس هذه القائمة يضر بالثورة وبتثبيت اقدامها علي ارض الواقع. نعم للسلام ولا احد ينكر اولويته ولكن لا بد من اعادة النظر في الطريقة التي ادير بها. السلام يجب ان يدار من الخرطوم وتنشر اجندة الحوار لشعبنا ولمن تمثلهم هذه الحركات. ايضا تنقل المداولات للشعب السوداني قاطبة.
٣- بعد اعادة ترتيب الاولويات واظن رفع المعاناة عن كاهل أهلنا تقف علي راس القائمة مع تفكيك نظام الكيزان الدموي، تبدأ قحت وحكومة حمدوك في العمل علي فترات قصيرة ببرنامج قصير.
٤- لا بد من اعادة تشكيل حكومة السيد حمدوك وابعاد العناصر الضعيفة والتي لا تنتمي الي الثورة.
٥- السيد حمدوك هو المالك والمنفذ للبرنامج الذي يتفق مع قحت علي تنفيذه في كل فترة. اي تتحول ملكية المتفق عليه من يوم التخطيط الي يوم انتهاء فترة التنفيذ ومخاطبة قحت والشعب السوداني قاطبة علي ماتم انجازه وما لم يتم ولماذا. ان ما يتم انجازه سيكون ملموسا للشارع وسيكون الحديث عنه مناسبة لالتفاف الشارع حول ثورته.
٦- عند بداية كل فترة تنفيذ، تبدأ الفترة بتخطيط تتم فيه صياغة هدف الفترة: تفكيك الانقاذ في كل مرافق الدولة مثلا. في فترة التخطيط والتي قد لا تتعدي بضعة ايام يستعين كل وزير بالخبراء والمستشارين كل في مجاله للتاكد من المقدرة علي التنفيذ. لا بد ان يرتبط الهدف المرحلي بهدف الثورة.
٧- في خلال فترة التنفيذ يقوم السيد حمدوك بالمتابعة اليومية للتأكد من سير الأداء وقد يقوم بعقد اجتماع مطول مع الوزير المعني او استدعاء قحت لاجتماع طارئ ان استعصي التنفيذ او احتاج الامر الى مشورة أوسع.
٨- بعد انتهاء كل مرحلة يتم عقد اجتماع اخر لتقييم الاداء وكيفية العمل واقتراح وتبني طرق لتحسين الاداء للمرحلة القادمة.
٩- لا بد من الاستعداد للانتخابات ومساعدة الاحزاب حتي يتحول فهمها للديمقراطية من الهياكل فقط الي تغيير الحالة الذهنية وقبول الديمقراطية وتنفسها داخل هذه الأحزاب.
١٠- لابد من تنقية الجو المسموم الذي نجح البعض في خلقه باتهام كل من يختلف معهم او مع طرحهم بالخيانة. هذا الجو لن يؤدي الى انفرادهم بالديمقراطية والتي لن تصبح ديمقراطية ولا فوزهم بأغلبية الأصوات لمجرد أن الآخرين خونة، بل سيؤدي الي الزهد في الديمقراطية وتسهيل الأنقضاض عليها.
١١- لا بد من الإسراع في تشكيل المجلس التشريعي والذي سيقوم بدوره في ضبط عمل الحكومة التنفيذية.
هذه بعض الخطوط لاقتراح يمكن ان اقوم بشرحه بتفصيل اكثر.لكي تعمل هذه الطريقة البسيطة للتعامل مع المشاكل المركبة complex لا بد من الشفافية ولا بد من الفحص والتعديل المتكرر كلما اقتضي الامر: transparency, inspection and adaptation.
ان هذه الخطوات تتبع طريقة العمل بشكل تجريبي يتعامل مع الواقع بما نتعلمه من هذا الواقع وتبني فيه القرارات انطلاقا من التجربة.
إن الحلم باستعارة حكمة الاخرين دون التعلم من حكمة شعبنا لا يتعدى أن يكون أحلام ظلوط.
احمد الفكي
[email protected]