الشرك في الرسالات الإرشادية (4)

من اجل تدوين سوداني

الشرك والقيم المجتمعية العربية:
ان أزمة الوسيط الإلهي داخل الوعي المجتمعي ترجع إلى سحب مفهوم الكمال الإلهي داخل القيم المجتمعية التي تواجدت لحظة الرسالة الإلهية، ولا تستوعب المجتمعات ان القيم ترتبط بالتحولات الإنسانية داخل الوعي بالذات الكلية فالقيم للمجتمعات الأسرية والعشائرية تختلف عن قيم المجتمعات القبلية تختلف عن قيم المجتمعات الثقافية بالنسبة للمجتمع الواحد وكذلك تختلف بين المجتمعات نتيجة لاختلاف ظروف التحولات. ولا ينظر التدوين النخبوى القائم على الوعي المجتمعي على معاني القيم وتكاملها ولكن ينظر إلى كل قيمة باعتبارها كاملة في ذاتها.
لم يأتي الإرشاد ليعبر عن قيمة سلوكية محددة ولكن لإيصال المعاني والتي تعبر عن التكامل الإنساني الإنساني أو الطبيعي ثم إدراك مفهوم الإله المتعالي، فلم تكن الإنسانية لتتساءل إلى الآن هل الإنسان مخير أم مسير لو استوعبت الفرق بين الفعل الإلهي والفعل الإنساني دون الخلط بينهما، فحاجة الإنسان العادي إلى الإله الفاعل لا يجب ان توقف النخب إلى استيعاب الإله المتعالي الذي لا يتدخل في الفعل الجزئي للحياة الإنسانية، فلا توجد مشيئة إلهية داخل الفعل الجزئي لكن يوجد استيعاب إنساني، فإذا توفر ذلك الاستيعاب الكلي للعلاقة الإنسانية الإنسانية أو العلاقة الإنسانية الطبيعية وتكاملها حسب مرحلة التحولات المحددة، يأتي الفعل الإنساني معبرا عن ذلك التكامل ولكن لو تقاصر ذلك الوعي عن الاستيعاب يظهر عدم التكامل ذلك داخل الحياة الإنسانية، فكلنا في حاجة إلى مفاهيم القضاء والقدر والاتكال على الإله ولكن لم يخلق الإنسان ليتوكل على الإله ليفعل بالإنابة عنه ولكن خلق ليستوعب ويبني فعله على ذلك الاستيعاب ثم يتوكل أو يتمني ان يكون استيعابه وفعله هو الفعل الصحيح الذي يتكامل مع مغزى الحياة الإنسانية بالنسبة للإله.

الشرك وقيم العبادات والمعاملات المجتمعية:
لقد ناقشنا في مقالات سابقة علاقة المجتمعات والكيفية التي يتم بها انتاج القيم، وتحدثنا عن علاقة القيم في الرسالة الإرشادية العربية بما قبلها من قيم، ووجدنا تاريخيا علاقة تلك القيم بما يسمي القيم الجاهلية بوجودها كاملة أو بوجود تحور ما داخل تلك القيم اذا كانت في العبادات مثل الصلاة والزكاة والحج والصوم وغيره أو كانت في المعاملات الإنسانية مفهوم الحدود والزواج والطلاق والميراث وغيره، ووجدنا ان تلك القيم جاءت من المجتمع العربي ذلك. فليس هذا غرض المقال تحديدا ولكن المقال يتجه إلى مفهوم كمال القيمة الذي اتي إلى التدوين النخبوى من مفهوم قيم الخلاص الإلهي الناتجة بدورها من مفهوم الإله الفاعل داخل ذهنية المجتمعات.
وعلى النخب الصاعدة ان تتساءل وتترك ما وجدنا عليه الاباء قليلا، فاذا كنا موقنين بان كل الرسالات جاءت من اله واحد فكيف تختلف القيم داخل الرسالات من رسالة إلى أخرى إذا افترضنا هنالك قيم خلاص الهي للإنسانية، كيف لقيم العبادات أو المعاملات ان تختلف بين الرسالة اليهودية والمسيحية والعربية، وتحديدا لمن يقول ان الشريعة المحمدية (الاسلامية) صالحة لكل زمان ولكل مكان فماذا عن الشريعة اليهودية والشريعة المسيحية لماذا لم تصلح لكل زمان ومكان، هنالك من يقول ان تلك الرسالات قد تم تحريفها اما الرسالة المحمدية فقد حافظ عليها الإله من التحريف، فلماذا لم يستطيع الإله المحافظة على تلك الرسالات كما حافظ على الرسالة المحمدية، تلك نماذج من الأسئلة نريد بها من النخب الصاعدة ان تعلو بدرجة الاستيعاب إلى ما فوق ما يفترضه التدوين العربي للإرشاد الإلهي. اما انا فادرك ان التحريف الذي تم للرسالات اليهودية والمسيحية تم داخل المعاني وليس داخل المبني العام للرسالة، وأصبحوا يؤمنون ببعض ويكفرون بالبعض الاخر نتيجة لاعادة استيعاب الرسالة بناء على الوعي المجتمعي التاريخي. فالقيم التي تم اعادة استيعابها من قبل الإله داخل الرسالة اليهودية لم تكن ذات اهمية لانها قيم تاريخية تتحول مع مجرى التحولات الإنساني، والدليل على ذلك انه تم في اعادة الاستيعاب بالنسبة للرسالة المسيحية تغيير حتى العبادات التي كان يمكن ان تستوعب كما هي ولكن الغرض الأساسي في العبادات ليس شكلها ولكن معناها فإذا فقد المعني فقد الشكل أهميته لذلك اقر الإله الطريقة المسيحية في العبادة، رغم ان الرسالتين اليهودية والمسيحية لمجتمع واحد. وكذلك فقدت الرسالة المحمدية معناها عندما تم اعادة تدوينها من جانب النخب بناء على الرؤية العربية التي تري فقط شكل القيمة وليس معناها ودورها في الكلية، فالذي يستمر هو المعني وليس شكل القيمة السلوكية ولكن ذلك ما لم تستطيع النخب العربية ان تصل إليه.
إذا كانت الصلاة مثلا بالطريقة المحمدية العربية أو بالطريقة المسيحية أو اليهودية أو غيرها ليس شكلها هو المهم (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)) فالصلاة هي صلة الإنسان بالإله المتعالي من خلال استيعاب إرشاده ومغزى الحياة بغض النظر عن طريقة تأديتها، ولكن إسهامها في استيعاب مغزى الحياة الإنساني وأولها عدم اشراك قيمة محددة داخل الكمال الإلهي (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)). فاليهود والمسيحيين لم يكفروا لانهم تركوا الصلاة أو الزكاة أو غيرها من العبادات ولكن لأنهم أشركوا تلك العبادات وغيرها مع الإله.
إذا ليس غاية الإرشاد الإلهي إتباع تلك القيم السلوكية المجتمعية كما تفرض علينا الرؤية العربية ولكن إتباع المعاني داخل تلك القيم التي تعلي من الشأن المجتمعي (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180))، ومن الشأن الإنساني (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)).

المصحف العثماني والشرك:
تحدثنا كثيرا عن المصحف العثماني وطريقة جمعه وغيرها ولكن ما يهمنا هنا هو التحدث عن كمال المصحف العثماني، ان الإله حقيقة يتعالي على كل القيم الإنسانية لذلك هو لا يتحدث لغة محددة فما يوجد بالمصحف أو ما يوجد بكل الرسالات الإرشادية عبارة عن محاولة توصيل معاني للحياة من خلال ادوات بشرية (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)). اولا لا يعني ذلك ان امتلاك الاداة يعني امتلاك المعني فليس كل من امتلك أو حفظ المصحف العثماني يصل إلى المعني المراد، ثانيا الرسالة الإرشادية عبارة عن مغزى لاستيعاب الحياة ولا يكون ذلك الاستيعاب إلا بالسير في طريق الحياة ومحاولة الاستيعاب وليس الانكفاء داخل منطقة لحفظ المصحف (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)). فالذين يدعون إلى حفظ المصحف يدعون إلى حفظ الرؤية العربية وليس إلى الرسالة الإرشادية الإلهية.

خاتمة: إلى النخب الصاعدة:
نتمني من النخب ان تترك التسؤال في الاتجاه الخاطئ عن ماهية القيم الإلهية الحقيقية، فلا توجد تلك القيم لان القيم تنتجها المجتمعات اما النخب فوجدت لتحاول اعادة استيعاب تلك القيم وابعاد القيم التي تجاوزتها التحولات وتؤدي إلى التفريق بين المجتمع الواحد. فليس علينا ان نحدد للمجتمع ما كيف يمارس حياته كما تحاول الرؤية العربية بفرض قيم محددة على المجتمعات ولكن علينا النظر إلى داخل قيم المجتمع المحدد التي انتجها من خلال تحولاته الاجتماعية ورؤية ما يعلي من الإنسانية واستبعاد ما يؤدي إلى التفريق.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. أولا :الاحظ ان الكاتب يكتب في أمر ديني من منظور فلسفي بحت و تلك هي الطامة الكبرى و لو كتب من منظور نفسي او اجتماعي لربما كان أقرب بالرغم من انه ربما لا يبلغ المطلب

    ثانيا : عنوان المقال هو الشرك لذا وجب ان نعرف الشرك وهو أ ن يفعل الإنسان لغير الله شيئاً يختص به الله سبحانه و تعالى.
    أي هو اشراك غير الله مع الله في العبادة كأن يدعو الأصنام أو غيرها ، يستغيث بها أو ينذر لها أو يصلي لها أو يصوم أو يذبح ، ومثل أن يذبح للبدوي أو يصلي لفلان أو يطلب المدد من الرسول صلى الله عليه وسلم أو من عبد القادر أو من التجاني أو غيرهم من الأموات والغائبين فهذا كله يسمى شركا ، وهكذا إذا دعا الكواكب أو الجن أو استغاث بهم أو طلبهم المدد أو ما أشبه ذلك ، فإذا فعل شيئا من هذه العبادات مع الجمادات أو مع الأموات أو الغائبين صار هذا شركا بالله عز وجل ، قال الله جل وعلا : “وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.”
    “إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار “(المائدة: 72)

    ثالثا: الوسيط الالهي ا لذي يتحدث عنه الكاتب فيه الكثير من الغموض فاذا يقصد الانبياء عليهم السلام فهؤلاء رسل الله الى خلقه و ليسوا وسطاء أي انهم يبلغون الناس الرسالة السماوية بمعنى انهم يعلمون الناس كيف يعبدون الله بالطريقة الصحيحة و يضعون لهم شرائع للتعامل فيما بينهم بما يرضي الله و لكنه لا تصرف أي من انواع العبادة لهم مثل الذبح و النذر و ادعاء علم الغيب
    و فكرة الوسيط الالهي التي يعنيها الكاتب توجد عند المشركين و طوائف من المجوس مثل الهندوس اليوم الذين يعبدون بعض الاموات بحجة ان هؤلاء وسائط بينهم و بين الله سبحانه و تعالى عما يشركون قال تعالى : ” لَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ”

    رابعا: قال تعالى : ” إن الدين عند الله الاسلام” فكل الاديان السماوية جاءت لتوحيد الله و اخلاص العبادة له قال تعالى على ” [ولَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرُهُ” و هذا ما دعي اليه كل الرسل .أما لماذا لا يصلح النصرانية و اليهودية اليوم فالجواب لان الله سبحانه و تعالى الذي ارسل موسى و عيسى عليهما السلام هو الذي ارسل محمدا صلى الله عليه و سلم برسالة الاسلام الناسخة لما قبلها من الرسالات
    و عندما ارسل محمد صلى الله عليه و سلم الى الناس كافة هيا الله السبل لحفظ هذا الدين فنجد ان الاسلام انتشر في نصف قرن من بداية البعثة الى اواسط اسيا و شمال افريقيا و اصبح القوة العظمى في العالم بادئا من الصفر تماما و هو ما لم يحدث اطلاقا في تاريخ البشر حتى اليوم

    خامسا :قال الكاتب :(( ان الإله حقيقة يتعالي على كل القيم الإنسانية لذلك هو لا يتحدث لغة محددة فما يوجد بالمصحف أو ما يوجد بكل الرسالات الإرشادية عبارة عن محاولة توصيل معاني للحياة ))

    تعليق : عزيزي الكاتب ان التخاطب بين الناس على اختلاف لغاتهم هو لايصال المعاني و لله المثل الاعلى و اذا اردت ان نتكلم عن القرءان كلام الله و هو منزل غير مخلوق فهذا موضوع ءاخر

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..