مصر.. حين لا تنظر أبعد من السد العالي جنوبًا

بلهجة مصرية سألني: “ياااااه يا محمد هو اللي كتب أغنيّة “أغدًا ألقاك” اللي بتغنيها الست شاعر سوداني؟
أجبته نعم.. واسمه الهادي آدم معلم تخرج في كلية دار العلوم وحصل على دبلوم عال في التربية من جامعة عين شمس.. وقصيدة “أغدًا ألقاك” اختارتها سيدة الغناء العربي أم كلثوم من بين عشرات القصائد التي قدمت لها إبّان زيارتها للسودان في عام 1968م.
وأزيدك من الشعر بيتا أن للهادي آدم قصيدة اسمها (لن يرحل النيل) صوّر فيها ذكرياته في حي “منيل الروضة” الذي سكنه في شبابه.
أردف محدثي – بلهجة اعتذارية -: ما كنتش فاكر إنه السودان فيها ناس مثقفين وشعراء زي دول.. دا أنا كنت فاكر السودان كلها أحراش وغابات.
بالطبع علل صديقي القول بأنّ السياسات السابقة حاولت تغييب الشعب المصري عن الراهن السوداني، وأوجدت برزخًا فصل مصر عن محيطها الإقليمي ودول الجوار.
قلت له: يا صديقي، ونحن صغار لم نتجاوز العاشرة بكثير كنا نتتبع – حفظا وتلقينا- نهر النيل من منبعه بالبحيرات الإفريقية الكبرى وحتى مصبّه في البحر المتوسط عبر فرعي دمياط ورشيد، ونعرف أنّ نهر النيل الأزرق يأتي من بحيرة تانا بالهضبة الإثيوبية.. وهنا سأمد رجلي كما أبو حنيفة وأجزم يقينا أنّ جل المصريين لم يعرفوا أنّ في السودان نهرًا اسمه النيل الأزرق إلا بعد طامة سد النهضة، علمًا بأنّه يشكل نسبة (80-85%) من المياه المغذية لنهر النيل صيفًا، ويعد القوة الدافعة للنيل للاتجاه شمالا نحو الحدود السودانية المصرية..
ونعرف أن الأديب المنفلوطي ألف النظرات والعبرات..كنا نعرف معركة أمبابة التي خاضها المصريون ضد نابليون.. ويوسف العظمة في سوريا، وعمر المختار في ليبيا وأحمد عرابي في مصر ونيّة الإمام المهدي في مقايضة الإنجليز بإطلاق سراح عرابي مقابل إطلاق غردون باشا بعد فتح الخرطوم على يد الإمام المهدي.. ولم نبلغ الحلم بعد حتى صرنا نقرأ “الأيام” لطه حسين بروح هي خليط من التعاطف مع فقدانه البصر وغبطته على بصيرته المتفتحة..
أعتقد يا صديقي أنّ مناهجنا السودانية كانت منفتحة على ما حولنا من عوالم، وتهيئنا للاحتكاك بما حولنا من أجناس.. ولا يعني هذا أنّي أعذرك على اعتناق الصورة النمطيّة لإفريقيا، وما صوره، وكتبه الغربيون عنها، كأنها قارة مظلمة، يرقص أهلها عرايا بهمجيّة ووحشية.
في عهد الميديا والبث الفضائي مازال العقل الجمعي المصري يعتقد أنّ كل من هو قادم من الجنوب “نوبيّ” علما بأنّ النوبة في السودان هم عبارة عن أربع أو خمس قبائل فقط “الحلفاويون، الدناقلة، المحس، والسكوت، الكنوز” من جملة أكثر من 500 قبيلة سودانية
أنتم يا صديقي لا تنظرون جنوباً أبعد من السد العالي أو حلايب وشلاتين وحتى الأخيرتين لولا النزاع الحدودي بيننا لما سمعتم بهما حتى قيام الساعة..
تراجعت علاقات مصر إفريقيًا لصالح العلاقات العربية والغربية، وحين انتبهت لفقدانها الدور المؤثر في إفريقيا وجدت أنّ القطار قد مرّ سريعا، فإفريقيا اليوم لم تعد كما الأمس، وباتت حوجتها أكبر من مصر التي تعاني بدورها عدة أزمات؛ فقد قفزت إفريقيا اقتصاديا وسياسيًا، فانقلبت المعادلة وباتت مصر الآن أحوج ما تكون لإفريقيا حتى تحقق أمنها الغذائي والمائي، واعتقد أن زيارتي السيسي ليوغندا وجيبوتي تصبان في ذات الغرض.
خذ مثلا أيضًا دور مصر الغائب في اتفاقية نيفاشا ٢٠٠٥ بين شمال السودان وجنوبه، فرغم أنّ الاتفاقية أشارت بوضوح لاحتمال قيام دولة جديدة تحت بند تقرير المصير ? وبالفعل قامت – إلا أن مصر لم تحرك ساكنا ولم يتناسب دورها والعلاقات التاريخية والاستراتيجية بين البلدين، بل لم تتوجس حتى من ولادة دولة جديدة تُضاف إلى قائمة دول حوض واتفاقية مياه النيل، وبالتالي تأثيرها على حصتي المصب السودان ومصر.
ربما تكون محاولة اغتيال حسني مبارك في إثيوبيا أحد أسباب تراجع الدور المصري في السودان، حيث أصبحت مصر تتعامل مع الملف السوداني من وجهة نظر استخباراتية فقط، الأمر الذي أوجد قصورا في تعاطيها مع كثير من القضايا الاقتصاديّة والسياسية في السودان؛ ولخّص وزير الخارجية السوداني السابق، علي كرتي ذلك بقوله: “ظللنا نشكو ضعف معلومات مصر عن الحياة السياسية في السودان وتعقيداتها، إذ ما يزال دورها متواضعاً تجاه قضايا مهمة تؤثر في العمق الاستراتيجي لها”..
هذا بالإضافة لقضايا أخرى أحدثت فتورًا في العلاقة بين البلدين أبرزها موقف السودان من سد النهضة، والنزاع على مثلث حلايب الحدودي.
غاب الدور المصري عن الساحة الإفريقية مع رحيل عبد الناصر؛ وسمح ذلك للوجود الإسرائيلي بالتمدد في القارة، فقبل شهور قلائل أجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو جولة على عدد من الدول الإفريقية وتحديداً دول حوض النيل، ولم تقف الزيارة عند حدود البروتوكولات والكليشيهات المتعارف عليها بل تقدمت إسرائيل فيها بطلب نيل عضوية الاتحاد الإفريقي بصفة مراقب، بدعم واضح من إثيوبيا وكينيا؛ ولولا الضغوط السودانية الجزائرية على الاتحاد الإفريقي لتم لإسرائيل المراد..
أكثر ما أخشاه ألا يسمع كثير من المصريين بنهر النيل الأبيض في السودان إلا بعد أن تعلن دولة جنوب السودان الوليدة إقامة سد مائي ضخم عليه.. وحينها سيتسع الرتق على الراتق.

جريدة الإخبارية المصرية،،،
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. في الحقيقة مصر الرسمية كانت تعرف عن السودان كل شى من خلال أجهزة مخابراتها وازرعها الممتدة ونشاطها المغطى بواجهات تعليمية كالبعثة التعليمية المصرية بمدارسها المختلفة في كل من الخرطوم وبورتسودان (لاحظ انتقاء الأماكن) وأيضا جامعة القاهرة الفرع , الرى المصرى في الشجرة , عطفا على مؤسساتها الرسمية المتمثلة في سفارتها وقنصلياتها. وكل ذلك اصبح الان من الماضى فلله الحمد والمنه .

  2. كان الكاتب يتاسف علي غياب الدور المصري في السودان ويدعوة ان يصحح مسارة لكي يعود . ان مصيبتنا ليس في الاطماع المصرية في بلادنا مصيبتنا الكبري هي في عملاؤها ومريدوها من بعض بني جلدتنا من السياسيين والكتبة الزين ولاؤهم لمصر اكثر من ولاؤهم لوطنهم السودان .

  3. في الحقيقة مصر الرسمية كانت تعرف عن السودان كل شى من خلال أجهزة مخابراتها وازرعها الممتدة ونشاطها المغطى بواجهات تعليمية كالبعثة التعليمية المصرية بمدارسها المختلفة في كل من الخرطوم وبورتسودان (لاحظ انتقاء الأماكن) وأيضا جامعة القاهرة الفرع , الرى المصرى في الشجرة , عطفا على مؤسساتها الرسمية المتمثلة في سفارتها وقنصلياتها. وكل ذلك اصبح الان من الماضى فلله الحمد والمنه .

  4. كان الكاتب يتاسف علي غياب الدور المصري في السودان ويدعوة ان يصحح مسارة لكي يعود . ان مصيبتنا ليس في الاطماع المصرية في بلادنا مصيبتنا الكبري هي في عملاؤها ومريدوها من بعض بني جلدتنا من السياسيين والكتبة الزين ولاؤهم لمصر اكثر من ولاؤهم لوطنهم السودان .

  5. اقتباس (النزاع على مثلث حلايب الحدودي).(نيّة الإمام المهدي في مقايضة الإنجليز بإطلاق سراح عرابي مقابل إطلاق غردون باشا بعد فتح الخرطوم على يد الإمام المهدي) لا ياحدق هو ( احتلال) مش (نزاع) وبعدين حدوتة (مقايضة?) المهدي غردون بأحمد عرابي دي كذبة كبيرة مالهاش أساس !!!!

  6. للأسف دي نظرة الكل للسودان انه فقط احراش وغابات واتذكر عندي زميلتي عمانية في العمل سألتني عن السودان قالت لي السودان مش بس فيه غابات فأجبتها انه ما غابات بس وانه فيه اي شيء بس لإعلامنا دور كبير جدا في الحكاية دي لانه ما بيسلط الضوء الا على اسوأ مناظر نحن بنخجل منها مع ان كل القنوات في العالم بيتعكس دائما اجمل المناظر لان الاعلام هو واجهة الدولة البينتمي ليها وللأسف الاعلام السوداني ما بيقدر الشيء ده.
    اما بالنسبة لمصر فخليك انت منهم لان دي نظرتهم لينا وما حتتغير بسبب تعاليهم وغطرستهم علينا واخلاقهم اللي ما بتشبه اخلاق الاحرار، ونحن علينا اننا نعاملهم بالمثل والمفروض اننا نستعيد حلايب وشلاتين وابو رماد والحوض النوبي وكل اراضينا اللي احتلوها وانتزعوها مننا ونسبوها لدولتهم زورا وكذبا لان ده واجبنا ككل واذا حكومتنا سكتت على احتلالهم لأراضينا نحن ما مفروض نسكت على المهزلة دي

  7. اقتباس (النزاع على مثلث حلايب الحدودي).(نيّة الإمام المهدي في مقايضة الإنجليز بإطلاق سراح عرابي مقابل إطلاق غردون باشا بعد فتح الخرطوم على يد الإمام المهدي) لا ياحدق هو ( احتلال) مش (نزاع) وبعدين حدوتة (مقايضة?) المهدي غردون بأحمد عرابي دي كذبة كبيرة مالهاش أساس !!!!

  8. للأسف دي نظرة الكل للسودان انه فقط احراش وغابات واتذكر عندي زميلتي عمانية في العمل سألتني عن السودان قالت لي السودان مش بس فيه غابات فأجبتها انه ما غابات بس وانه فيه اي شيء بس لإعلامنا دور كبير جدا في الحكاية دي لانه ما بيسلط الضوء الا على اسوأ مناظر نحن بنخجل منها مع ان كل القنوات في العالم بيتعكس دائما اجمل المناظر لان الاعلام هو واجهة الدولة البينتمي ليها وللأسف الاعلام السوداني ما بيقدر الشيء ده.
    اما بالنسبة لمصر فخليك انت منهم لان دي نظرتهم لينا وما حتتغير بسبب تعاليهم وغطرستهم علينا واخلاقهم اللي ما بتشبه اخلاق الاحرار، ونحن علينا اننا نعاملهم بالمثل والمفروض اننا نستعيد حلايب وشلاتين وابو رماد والحوض النوبي وكل اراضينا اللي احتلوها وانتزعوها مننا ونسبوها لدولتهم زورا وكذبا لان ده واجبنا ككل واذا حكومتنا سكتت على احتلالهم لأراضينا نحن ما مفروض نسكت على المهزلة دي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..