مقالات سياسية

أين الحقيقية ؟

خلال العام المنتهي قبل أيام قليلة بدت شمال دارفور أفضل بكثير من السنوات الماضية، فقد بدأت تلتقط أنفاسها بعد مارثون طويل مع التمرد والحروب والصراعات، بدأ منذ العام 2003 خسرت فيه كل شيء واستنزفت السودان، وعليه يفترض أن الحكومة قد اتعظت واستوعبت الدرس بما يجعلها حريصة على المحافظة على الوضع الراهن والاستمرار في دعم الاستقرار حتى تصل دارفور إلى بر الأمان الذي ما زال بعيداً، ولكن يبدو أنها قد نسيت كل تلك الأحداث ومستعدة للدخول في أحداث جديدة على طول، إذ أن الكلام الذي قيل بخصوص جبل عامر جعل السودان كله يحبس أنفاسه في انتظار كارثة جديدة.
الأسبوع الماضي وأمام البرلمان شكت الداخلية من الوضع في جبل عامر و استنجدت بالجيش لفض ما تقول إنها مجموعات مسلحة مدججة بالسلاح وتستقل عربات دفع رباعي وأن الشرطة وحدها لا تستطيع فضهم لتداخل القبائل، وأن عدد الأجانب الموجودون بالجبل يبلغ 3 آلاف تسللوا عبر الحدود، ولكن الهادي آدم عضو البرلمان ونائب الدائرة نفسها قال: إن هناك قبائل من دارفور تمتلك تسليح أقوى من الدولة توجد في جبل عامر، في إشارة واضحة إلى أن الأجانب الذين تقصدهم الداخلية لم يحتلوا المنطقة عنوة ولم يتسللوا إليها عبر الحدود وإنما بمساعدة أهلهم من السودان.
قبل أن يختفي صدى صوت وزير الداخلية من قبة البرلمان جاء الرد من قوات (الدعم السريع) التي قالت لا وجود لأي أجنبي بجبل عامر، وأنها موجودة به مع القوات المسلحة، كما حذَّر مجلس الصحوة بقيادة الشيخ موسى هلال الحكومة من الشروع في أية خطوة غير محسوبة العواقب بمنطقة جبل عامر وقبل التأكد من المعلومات، لأن منطقة جبل عامر ليست حدودية حتى يتسلل إليها الأجانب، حيث تحدها محليتي السريف وسرف عمر من الناحية الغربية وأنه حالياً لا توجد مشاكل ولا مهددات في الجبل الذي يؤمه معدنين من كافة بقاع السودان لكسب الرزق مثله مثل أية منطقة بها تعدين أهلي، إذا في الأمر (إنَّ)، قد يكون هناك أجانب جاءوا خلف الذهب مثلما ذهب خلفه سودانيون إلى النيجر والجزائر وغيرهما، ولم نسمع من هذه الدول أن طلبت من جيشها أن يتدخل وكلما ألقت القبض على معدِّنين سجنتهم ثم أعادتهم إلى بلدانهم.
إن كان الأمر كما وصفته قوات الدعم السريع وبيان مجلس الصحوة فالموضوع لا يحتاج إلى تدخل الجيش وإنما إلى وجود الدولة في دارفور كلها بمؤسساتها وقوانينها ورعايتها، كما يحتاج إلى ما هو أهم وهو مراجعة الحكومة لعلاقتها بالقبائل ونقلها من علاقة حكومة بقبائل إلى علاقة دولة بمواطنين، فهذا أهم من تصفيتها لحسابتها بالقوة وتأديب كل من خالفها، فهناك لا أحد يخاف منها لأنها تمثل نفسها أكثر من كونها تمثل الدولة.
السؤال المهم الذي يطرح نفسه هنا أين الحقيقية ؟ هل فعلاً الوضع في جبل عامر كما وصفته الداخلية أم كما وصفه الآخرون، أم أن الأمر حيلة لتخرج الحكومة الجميع من الجبل لتسيطر عليه وحدها ولم تجد حجة أفضل من طرد الأجانب لتبرير الخطوة ؟. وأي كانت الأسباب فإن استخدام القوة في جبل عامر هو إعادة لسيناريو حرب لم تتعاف منها المنطقة.

التيار

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..