نيفاشا.. عريانٌ يرقصُ في الشمسْ!!

نيفاشا منطقة تعرف بها معنى الفقر الحقيقي الناس هنا يكابدون حياة الشظف والعوز بضراوة فائقة وتئن صرخات أهلها بآلام مُوجعة حَدّ اللامبالاة بما هو قادمٌ.. عشرة آلاف أسرة تعيس في أدنى دركات الفقر.. فما بين سلب للأراضي، وانعدام للأمن والخدمات الصحية ظل هؤلاء الناس يلعنون اليوم الذي أوقعهم في بلد كهذا.. فيقع العبء على عاتقهم دون أدنى خدمات إنسانية مثل الماء والكهرباء، تذمر أهلها مما تقوم به اللجان وتماطل المحلية ووزارة التخطيط الولائية التي لم تُحرِّك ساكناً لحلحلة مشاكلهم، مُوجِّهين تساؤلاتهم للجهات المختصة بعد الوعود التي أُطلقت الى متى سيظل هذا الوضع؟!
تحقيق: حفيظة جمعة

الطريق إلى نيفاشا
بدأت رحلت مُرهقة جداً للوصول إلى منطقة نيفاشا والتي استغرقت معي ساعات من بحري إلى سوق ليبيا حتى وصلت الى نهاية الموقف بعد ذلك اتجهت صوب مُواصلات نيفاشا فاستقليت بصاً من بصات الوالي ومنها استمر المشوار لمدة ساعة ونصف.. مررنا بمنطقة الإسكان ودار السلام والحلة الجديدة وسجن الهدى، وفور وصولنا الى منطقة نيفاشا انحرف البص عن الزلط إلى الردمية وهي عِبَارة عن أزِقَة ضَيِّقة مع انّ البص حجمه كبيرٌ والمرور بتلك الأزقة بالنسبة له خطير جداً، حيث المرور بشوارع ضَيِّقة وغير مُخطّطة وتوجد بها تعرجات كثيرة وكثافة الغبار التي تحجب الرؤى جراء الردمية، فنظرت الى ساعة هاتفي فكان مضى من الوقت ساعة كاملة منذ خروجي من سوق ليبيا ولايزال البص يمر بهذه الشوارع الضيِّقة، إلاّ أنّ السائقين تعوّدوا أن يعبروا من خلالها، فكانت تجلس بالقرب مني امرأة، سلمتُ عليها وبدأنا نتجاذب أطراف الحَديث فَأخبرتها بأنّ هذه المرة الأولى التي أحضر الى هذه المنطقة وأريد الوصول الى آخر محطة، فقالت: “تقصدين محطة بوب” أنا كذلك، نحن على وشك الوصول الى سوق نيفاشا.. كنت أظن أن الناس يلجأون إلى سوق ليبيا للتسوق.. فأخبرتني: لا بالعكس توجد سوقان بنيفاشا وسوق ود الرهد وهو عبارة عن سوق صغير لبعض النساء لبيع الخضار وكل المستلزمات الصغيرة المتوفرة والمطلوبة لدى الناس، فعلاً مررنا بتلك الأسواق وأشارت لي عن مكانها. عندما اقتربنا من آخر المحطة أخبرتني بأننا سوف ننزل هنا، فنزلت وقابلت الشخص الذي كان بانتظاري في المحطة.

غرف مهجورة أصبحت أوكاراً
وفي أثناء مسيرنا لحظت شكل المباني عبارة عن غرف كثيرة مُوزّعة في كل مكان على العراء، إلا القليل من المنازل المسوّرة بالجالوص، وأخرى مهدمة ليس فيها من يسكنها فكان المكان مُخيفاً من قلة الناس وشكل الغرف الكثيرة مثل أوكار الجريمة.. سألتُ مرافقي أين أصحاب هذه الغرف؟ قال لي: بعضهم يأتي من فترة الى فترة، وآخرون لا يحضرون وتوجد أسر مستقرة منذ سنوات، وأضاف: نحن نعاني من هذه الغرف لأنها اصبحت وكراً للحرامية والسكارى حتى مجموعات “النقروز” أحياناً تتخذ منها سكناً.. التقيت ببعض سكان المنطقة الذين تئن شكواهم ومعاناتهم بالمواجع؛ فتحدثت لي امرأة ثلاثينية عن حجم المعاناة التي يواجهونها منذ أن سكنوا منطقة نيفاشا وهي تقول لي أكثر من خمس سنوات اخذت قطعة أرض حيازة حتى الآن لم نستطع الاستقرار وطلبت منا اللجان دفع رسوم القرعة الذي أرهقنا فكل مرة ندخل القرعة من غير فائدة، وحتى المحلية ووزارة التخطيط العمراني لم يحرّكوا ساكناً لأهل المنطقة، وأضافت: توجد مشاكل بين المواطنين خاصةً في تداخل الأراضي مع بعضها احياناً تصل الى الاشتباك ونعاني من ضغط اللجنة التي تطلب مائة جنيه لسحب القرعة.. فنحن ناس غلابة نبحث عن حق الأكل والشرب خاصةً شح المياه الغالية.

حرام أن يبيع المسلم على بيع أخيه
أثناء حديثي مع تلك المرأة الثلاثينية قام رجل بمقاطعتنا قائلاً: لم اتوقع ان اجد منزلي مسحوباً باسم شخص آخر وليس أنا فقط، بل هناك الكثير من المُواطنين مر بهم هذا الموقف حتى الآن لم تُحرِّك المحلية ولا الوزارة شكوانا.. طالبنا بمركز صحي وليس لدينا بسط أمن شامل غير تلك الخيمة الوحيدة التي توجد في السوق وليس لدينا مركز صحي حقيقي مؤهل بالأجهزة الحديثة فالحالات الحرجة تُرحّل لمستشفى أمدرمان، هنالك مواطنون لديهم أكثر من 10 سنوات في ظل هذه المعناة القاسية وتحت ظل سكوت المحلية، ولم تهتم الدولة بحالنا هذا.

الماء الماء الماء
ويضيف رجل آخر: “يا بتي نحن كل مرة نطالب اللجنة للنظر في أمرنا من حجم المُعاناة خَاصّةً شح المياه والعطش، أما الكهرباء فهي بالنسبة لنا أملٌ كبيرٌ، ونحن ناس مَساكين وبسيطين لا نَستطيع حل هذه المَشاكل اذا لم تقف الدولة الى جانبنا”.. يوجد الكثير من المُواطنين أكملوا أقساطهم المالية وطلبت منهم اللجنة بأن يقوموا بتكسير منازلهم لترحيلهم الى منطقة مخططة حتى تفاجأنا بأنه لاتوجد أية منطقة مخططة وهم الآن مواجهون بالعراء، وبصراحة موضوع القرعة مرهقٌ ومُكلِّفٌ، بالنسبة لنا كانت هذه إحدى شكاوى مواطني نيفاشا وهي بالأصل دار السلام.. عندها أخذني مرافقي وتوجّهنا صوب المدرسة وعندما وصلنا لم أكُ أتوقّع أن أجد المدرسة بذلك المنظر المريع، حيث كانت عبارة عن منزل مبني من الجالوص بابها مُحطّم، فصولها غير مكتملة، وبعض الفصول عبارة عن مظلة وهذه كانت مدرسة الأولاد كان هذا شكلها من الخارج لأنها مغلقة فترة الإجازة فأخبرني أحد أولياء الأمور أن المدرسة ينقصها معلمون، يوجد فقط ثلاثة معلمين لخمسة فصول دراسية.

جزاء سنمار
بعد أن استمعت إلى حديثهم، عندها طلبت من مرافقي ان يدلني الى مكان اللجنة الشعبية، فقال لي: “اركبي مواصلات سوق ليبيا وانزلي في السوق وهناك اسألي من واحد اسمه آدم حامد وهو رئيس اللجنة الشعبية”.. فور وصولي وجدت صاحب ركشة فسألته عن مكان اللجنة الشعبية، فوصف لي الطريق وطلب مني أن أشقه عبر السوق وإذا سألت اي شخص سيوصلني الى مكان اللجنة، فعلاً ذهبت بذلك المكان حتى وجدت المكان الذي وُصف لي بالضبط، وبعد أن وصلت طرقت الباب، خرج لي طفل صغير سألته عن صاحب المنزل فخرج رجل عرّفته بنفسي وهويتي وأخبرته بأنني أبحث عن آدم حامد.. فقال: أنا هو بعينه، و طلب مني الدخول فوجدت مقر اللجنة بسيطاً لا يفرق كثيراً عن المنازل الأخرى باستثناء انه مقر اللجنة الشعبية.. بعد ذلك عرّفته بنفسي وسبب مجئ فرحب بي مرةً أخرى، فحدثني بكل صراحة و قال لي فعلاً يوجد الكثير من المشاكل التي تُواجه المواطنين منها أن الأشخاص الذين يقومون بإجراء القرعة من المفترض ان يستلموا الايصال المالي والشخص الذي لم يجد رقمه فهو الذي لم يدفع حتى الآن، لأن الإيصال تطالب به المحلية، لأن التوريد يكون عبرها وليس الوزارة، ويضيف مُحَدِّثي: نجد بعض الناس امتنعوا عن القرعة لأنها ليست مثل القرعة السابقة التي يسلم فيها المواطن قطعة الأرض التي تتبع له ويقوم بتسليم المبلغ بنفسه للوزارة وبذلك يعلم من نفسه أنه قام بسحب القرعة في اى مربع، اما اذا لم يسدد المبلغ أيضاً يقوم بالبناء الى حين السداد، لكن الآن الوضع اختلف، حيث أصبح توريد المبلغ عشوائياً من غير أن يعي المواطن هو في اي مربع وهذا الأمر مسؤولية المحلية والآن يتم سحب القرعة لمربع 63 اكتشفنا انه يتبع لدار السلام وهذا الحديث علمناه من الوزارة، وهناك ورق الإيصال الإلكتروني مكتوب بدار السلام الحلة الجديدة وبعض المُواطنين دفعوا أموالهم ولكنهم لا يعلمون لأي مربع يتبعون وهم يجهلون عن مكان الخرطة ومكان القطعة.. أما بالنسبة للخدمات اذا لم تخطط نيفاشا بطريقة حضارية وهذا ما قالته الجهات المختصة، فلن تدخلها الخدمات، حتى الآن توجد بها مدرسة حكومية مصدقة (مدرسة نيفاشا) وتوجد بها ثلاث آبار ارتوازية وتوجد بعض المراكز التعليمية الخاصة ومركز صحي واحد فقط.
نيفاشا اسمها الحقيقي دار السلام
ويضيف محمد آدم: وأريد أن أخبرك بأنّ اسم نيفاشا اسمها الحقيقي (دار السلام)، وقال لي أنا كنت رئيس اللجنة سابقاً ولكن المحلية أخلت مسؤوليتي لأنني كنت املك أموال المُواطنين وقمت باستغلالها من أجل الصالح العام.. عندما سألته ماذا فعلت بها؟ قال لي بنيت منها المركز الصحي وحفرت الآبار الثلاث ومدرسة نيفاشا الأساسية ومنها تجهيزات زيارات المُعتمد الذي حضر ثلاث مرات.. وعندما جاء وقت الحساب أخبرتهم بهذه الأعمال التي قُمت بها وبعدها اللجان، ولكن المُشكلة فيما يخص الآبار كنت استغل كرت الضمان وشهادة الإنشاء لأنّ الفاتورة (بتاخد معي القيمة المضافة)، فالمحلية وجدت هذه الفرصة عندها تم إدخالي السجن لمدة شهرين وعشرة أيام ودفعت كفالة وخرجت بعدها وجاءت براءتي وعندها تخليت عن اللجنة الشعبية.
لجنة التسيير تستغل ضعف المواطن
ولا يزال الرئيس السابق للجنة الشعبية مواصلاً سرده حيث أضاف: ولأنّ لجنة التسيير التي لم تقدم للمواطنين اية خدمة، فأنا أجد اللجنة استغلت ضعف المواطن بأخذ 200 جنيه منهم وأنا قمت بالاحتجاج على ذلك لأنّ المواطنين بسطاء حتى أدخلتهم الحراسة وبعد ذلك تم تخفيض المبلغ لـ 100 جنيه ومازلت معترضاً لأن هؤلاء المواطنين غلابة لا حول ولا قوة لهم.. بصراحة لا أجد أي مبرر للمواطن أن يدفع 100 جنيه مقابل ورقة واحدة للجنة الشعبية للقرعة ويوجد بعض المواطنين لم يستلموا إيصالهم المالي وهم دفعوا 3700 جنيه، كما ان اللجنة لم تكن منظمة وعادلة في ترقيم المنازل وأنا أجد المحلية انها مُساندة وهي ضد المواطن دون أن تراعي لهم وتعلم أن اللجنة الديوانية تقوم بعمل عشوائي حيث توجد بعض الأحياء لم تُرَقَّم حتى الآن، ورُقِّمت للذين حضروا في الآخر وتركت الأوائل مثل الحي الجنوبي والحي الأوسط حوالي 800 وحي الجوامعة 450 منزلاً لم يخطط، كما يوجد أكثر من 25 شكوى في نيابة الأراضي لأن هنالك بيوتاً رُقِّمت لآخرين وقطع اخرى خالية وهي من المشاكل التي يعاني منها المواطن ولابد للمواطنين ان يفتحوا بلاغات للنيابة.. ويضيف الآن لدينا مشكلة ان بعض الجهات طالبت أن تكون نيفاشا خطة إسكانية وهي أساساً قرية مساحاتها كبيرة وتستطيع ان تستقبل مواطنين آخرين ويوجد فيها حوالي 10,000 أسرة هم المستقرون خلاف الذين يأتون من فترة الى اخرى، وقامت نيفاشا منذ العام 2004 وكانت خالية من الجريمة تماماً، أما الآن اصبحت وكراً للجريمة خاصة شكوى السرقات وسرقة الموبايلات، وتوجد خيمة واحدة فقط كقسم شرطة لحماية المواطن وهي موقعها هنا في السوق بعد أن انتهيت من حديث رئيس اللجنة سابقاً سألته كي يوصف لي مكان اللجنة التسييرية.. تفاجأت بأنها دون مقر ولم استطع الحصول على أرقام تلفونات، وُصف لي منزلاً يقع شرق السوق، عندما ذهبت وطرقت المنزل وجدت أنه ليس مقر لجنة، بل منزل لأسرة فقط، واستمر تجوالي للبحث عن اللجنة الأخرى لأكثر من نصف ساعة ولم أستطع الوصول لأية معلومة فوجدت الزمن قد تأخر، والشمس على وشك الغروب عندها رجعت الى السوق واستقليت حافلات سوق ليبيا مرةً أخرى من أجل العودة!!
فإلى أين المصير يا نيفاشا؟!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..