مقالات سياسية

تجارب الإتفاقيات والتفاوض في السودان من ١٩٥٨ حتى الان

لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب
لماذا نرفض التفاوض والاتفاق مع جنرالات الطاغية من حيث المبدأ؟
هل حالة مزاجية ام حقيقة واقعية لتجارب مأساوية ؟

محمد حسن العمدة

التجربة الأولى :

الاتفاق الاول بين حزب الامة ممثلا في سكرتيره العام رئيس الوزراء عبد الله خليل و الجنرال ابراهيم عبود وتم تسليم السلطة له في نوفمبر ١٩٥٨ وحسب افادت لقيادات في الحزب ان التسليم تم بعد مهددات و مؤامرات تتم للاتحاد مع مصر وان الاتفاق يقضي باعادة السلطة للمدنيين بعد انتهاء المهددات ! الغريب ان نظام عبود حظي بتأييد السيدين علي الميرغني مرشد الختمية و الاتحاديين و الامام عبد الرحمن المهدي !! … وصدرت القرارات التالية في ١٧-١١-١٩٥٨ :
* حل جميع الأحزاب السياسية.
* منع التجمعات والمواكب والمظاهرات في كل مديريات السودان.
* وقف الصحف حتى صدور أمر آخر من وزير الداخلية..

أرسل الإمام الصديق المهدي مذكرة للفريق عبود فيها المطالب التالية وهي بمثابة الاتفاق الاطاري اليوم لاحظ البنود :
1/ أن تنتهي مهمة الجيش في مباشرة شئون الحكم مشكوراً علي ما أدى فيما يختص بالدفاع عن البلاد متجنبا الدخول في شئون الحكم.
2/ أن يتكون مجلس رأس أعلى من خمسة أعضاء برئاسة، ويتولي هذا المجلس رئاسة الدولة والإشراف على شئون الحكم مؤقتاً.
3/ أن تتألف حكومة من المدنيين لحمل أعباء الحكم في البلاد.
4/ أن يوضع دستور للبلاد.
5/ أن يتم انتخاب هيئة لإقرار الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية.
6/ أن يتم انتخاب هيئة لإقرار الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية في فترة وجيزة لا تزيد عن الزمن الذي يتطلبه إعداد الدستور.
نتيجة تفاوض واتفاق حزب الامة مع العسكر استشهاد اثني عشر انصاري من حزب الامة في احداث المولد ٢١-٨-١٩٦١ بميدان الخليفة وسقوط عدد كبير من الجرحى ( اعادة المجرب في تجربة مسودة المحامين والاتفاق الاطاري)

التجربة الثانية :

الحزب الشيوعي و القوميين العرب مع نميري :
الاتفاق الثاني بين اليسار ( الحزب الشيوعي و القوميين العرب ) في مايو ١٩٦٩ و الجنرالات ممثلين في السفّاح جعفر نميري ، تعددت الروايات حول مشاركة الحزب الشيوعي بقرار حزبي لكن الشاهد فعليا ان عدد كبير من قيادات الحزب لازمت السفاح جعفر نميري في كافة المناسبات وتقلدت مناصب دستورية اذكر منهم معاوية سورج و جوزيف قرنق واحمد سليمان وسمير جرجس و فاروق ابو عيسى وغيرهم ، ومن القوميين العرب بابكر عوض الله الذي كان رئيس القضاة في الفترة الديمقراطية الثانية المنقلب عليها و تم تعيينه رئيس وزراء حكومة السفاح نميري . ايضا من الشواهد ما وثقته ادبيات لشعراء الحزب مثل محجوب شريف الذي انشد يا حارسنا و فارسنا مدحا لنميري و قصيدة انت يا مايو الخلاص وتغنى بهما محمد وردي اضافة الى عضوية الحزب في تنظيم الضباط الاحرار الذي شكل مجلس مايو ومنهم بابكر النور و هاشم العطا وفاروق حمدنالله اضافة لمشاركة قيادات للحزب مثل الشفيع احمد الشيخ لاحتفالات مايو خاصة بالنقابات وكان رئيسا لاتحاد عمال السودان
نتيجة مشاركة الحزب الشيوعي :
او بعض قياداته المدنية مع نميري كانت نتيجتها دامية حيث ابيدت القيادات التاريخية عبد الخالق محجوب والشفيع احمد الشيخ واخرون حكم عليهم النميري بالاعدام بعد انقلاب هاشم العطا فيما سمي بحركة ٧١ التصحيحية . الى جانب الشيوعيين سفك السفاح النميري دماء الانصار في الجزيرة ابا و ودنوباي و اغتال الزعيم اسماعيل الازهري وقتل امام الانصار والعديد من السياسيين

التجربة الثالثة :

اتفاقية اديس ابابا ١٩٧٢
في اديس ابابا مارس ١٩٧٢ وقعت حركة انانيا بقيادة جوزيف لاقو اتفاقية للسلام مع نظام ٢٥ مايو جعفر نميري بمبادرة من مجلس الكنائس العالمي و اصبح لاقو نائبا للنميري بموجب الاتفاقية
نتيجة الاتفاقية :
انتهت بعودة الحرب مرة اخرى بقيادة الدكتور جون قرنق في ١٨ مايو ١٩٨٣ بمدينتي بور والبيبور حينما تمردت الكتيبة ١٠٥ التابعة للفرقة الاولى باقليم جونقلي لتعود البلاد مرة اخرى للحرب الاهلية بسبب تدخل الديكتاتور نميري في الحكم الذاتي الذي نصت عليه الاتفاقية

التجربة الرابعة :

في السابع من يوليو ١٩٧٧ بمدينة بورتسودان وقع كل من الصادق المهدي والنميري ما عرف بالمصالحة الوطنية بعد معركة حركة محمد نور سعد ١٩٧٦ الدامية داخل ام درمان وكان ان شارك حزب الامة النميري في حكومته و مجلس شعبه ( البرلمان ) ، وشارك معهم و حسن عبد الله الترابي جبهة الميثاق الاسلامي

نتيجة المصالحة الوطنية :
لم تستمر الاتفاقية طويلا اذ حالا ما تنكر النميري للاتفاقية و خرج المهدي واستمر الترابي في مشاركته الحكم ونكل النميري بالمهدي كما نكل من قبله بالحزب الشيوعي

التجربة الخامسة :

الشريف الهندي و نظام الاسلاميين
في ١٩٩٦ اطلق الامين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي الشريف زين العابدين الهندي من مقر اقامته بدمشق مبادرة كان من عرابها احمد البلال و التجاني محمد ابراهيم عاد بموجبها الى الخرطوم وبرفقته كل من مضوي الترابي وصديق الهندي ومنشقا عن حزبه الاتحادي الديمقراطي و مبشرا باتفاق مصالحة مع نظام الترابي – البشير نظام الاسلامويين في الخرطوم وانخرط فيما عرف بدستور التوالي السياسي ١٩٩٨

نتيجة اتفاق الهندي انتهى الامر بالهندي الى العودة مرة اخرى للمهجر و تنكر له نظام الاسلامويون وفرق رهطه و قام بشراء كامل طاقمه

التجربة السادسة :

الحركة الشعبية – جون قرنق والامة
نشأ تحالف بين حزب الامة القومي بقيادة الصادق المهدي و الحركة الشعبية لتحرير السودان في اديس ابابا ١٩٩٠ و انضمت بموجبه الحركة الشعبية للتجمع الوطني الديمقراطي بعد تعديل ميثاق التجمع الوطني الذي رفضه حزب البعث واعلن خروجه من التجمع بسبب ذلك .. متن الحزب علاقته بالحركة الشعبية داخل التحالف اكثر واكثر و عقد مؤتمر نيروبي ١٩٩٣ و من ثم وقعت اتفاقية شقدوم ١٩٩٤ و توج كل ذلك بمؤتمر القضايا المصيرية باسمرا ١٩٩٥ الا ان العلاقة لم تستمر بين المتحالفين اذ اشتعلت الصراعات بين الامة والحركة الشعبية الى ان ادت للخروج الكبير في ٢٠٠٠٠ بعد سجالات وحرب رسائل بين الزعيمين المهدي و قرنق حول الحوار مع نظام المؤتمر الوطني
نتيجة تحالف الامة و الحركة الشعبية تمزيق التجمع الوطني الديمقراطي و وفاته
في الرابع من رمضان ١٩٩٩ دوى زلزال عنيف هز اركان نظام الطغاة الترابي – البشير وانقسم الى عدد من الاحزاب والتيارات منهيا حلفا قويا بين المدنيين في شخص الترابي شيخ الحركة الاسلامية و راعي ومرشد النظام الاسلاموي في السودان

التجربة السابعة :

وفي عام 2000 قاد مبارك الفاضل انشقاقا ضد حزبه، فترأس الحزب الجديد الذي أصبح يحمل اسم “حزب الأمة الإصلاح والتجديد ثم دخل في شراكة مع حزب المؤتمر الوطني نظام الاسلامويون ، وعينه عمر الضلالي مساعدا بين عامي 2002 و2004، لكنه أقيل من منصبه، بعد رحلته الى الولايات المتحدة الامريكية التي رفضها نظام عمر الضلالي . ثم اعتقل عام 2007 بتهمة تدبير محاولة انقلابية
نتيجة اتفاق الاصلاح والتجديد :
وبعد ان فعل نظام الاسلامويون فعلته التي فعلها مع الشريف الهندي و قام بشراء عدد مقدر من قيادات الاصلاح والتجديد وقسم الحزب الى مجموعة احزاب تكاد لا تحصى !!

التجربة الثامنة :

وقع التجمع الوطني الديمقراطي اتفاقية القاهرة في ٢٠٠٥ بعد توقيع اتفاقية نيفاشا بين الحركة الشعبية لتحرير السودان و نظام عمر الضلالي وبموجب الاتفاق شاركت احزاب التجمع ومنها الحزب الشيوعي بقيادة محمد ابراهيم نقد والاتحادي الديمقراطي بقيادة الميرغني في نظام عمر الضلالي عبر مؤسساته التشريعية والتنفيذية
كانت النتيجة انفصال الجنوب و خروج الحزب الشيوعي من البرلمان و استمرار مشاركة الحزب الاتحادي حتى سقوط النظام في ابريل ٢٠١٩

التجربة التاسعة :

ثورة ديسمبر العظيمة
بعد بيان ابنعوف الذي زعمت فيه اللجنة الأمنية لنظام عمر الضلالي انحيازها للثورة انخرطت قوى الحرية والتغيير في مفاوضات مكثفة مع المكون العسكري اللجنة الامنية و كانت اثناء المفاوضات تتم اغتيالات للشهداء ومداهمات عسكرية وامنية لميادين الاعتصامات بمختلف المدن السودانية بلغت قمتها في اشنع جريمة تاريخية فض الاعتصامات و ارتكاب #مجزرة_القيادة_العامة بتخطيط و تنفيذ و اشراف ذات اللجنة الامنية المفاوضة و امام مراى ومسمع من القيادة العامة للجيش السوداني راح ضحية المجزرة والتنكيل الذي استمر الى ما بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٩ الاف الثوار و منهم مفقودون حتى الان

بعد هدير الثوار في ٣٠ يونيو ادعى الانقلابيين تراجعهم و رغبتهم في الحوار ولم تخب قوى الحرية والتغيير ظنهم فانخرطت في مفاوضات ادت الى اتفاقية الوثيقة الدستورية
اثناء فترة حكم الوثيقة تدخلت اللجنة الامنية في كامل ملفات الفترة الانتقالية ثم بعد ان مهدت الطريق لنفسها انقضت بشراسة في انقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١ و لم تتعظ من انقلابها في مجازر فض الاعتصامات وارتكبت المزيد من المجازر وسفكت الدماء بدون رحمة و انتهك العرض والشرف و لا يزال الانقلاب مستمرا

نتيجة التفاوض والاتفاق :
الاف الشهداء والمصابين و المفقودين
تدهور الاوضاع الاقتصادية والتعليمية والصحية والامنية
تفخيخ البلاد وتلغيمها باتفاقية استسلام جوبا
الانقضاض علي الفترة الانتقالية
سوء العلاقة مع المجتمع الدولي
المزيد من الشهداء والمصابين والمفقودين و استمرار انتهاك الاعراض والشرف
استمرار الحرب الاهلية في كثير من المناطق
عودة الحركة الاسلاموية لمؤسسات الدولة الامنية و المدنية
انتكاسة تنفيذ الاحكام القضائية الصادرة ضد من ارتبكوا جرائم القتل
استعادة الاموال المنهوبة من الدولة لصالح الاسلاميين التي اعادتها لجنة ازالة التمكين
ورغم كل هذا التاريخ الطويل من غدر بعض جنرالات العسكر و تنكيلهم وخيانتهم للعهد لا حياة لمن تنادي
و تمضي بعض الاحزاب بكل سذاجة ان احسنا الظن لإعادة ذات التجارب الدموية من جديد والاسوء من ذلك توقيع الكثير من الوثائق التي تمنح المجرمين الحصانة والافلات من العقاب
٢٧ فبراير ٢٠٢٣

الحلقة القادمة عن العمل المسلح ما بين الواقع و الاعتبار
#حل_المليشيات
#لاحوار_لاشراكة_لاشرعية
#الردة_مستحيلة
#لاتفاوض_لامشاركة_لاشرعية
#العسكر_للثكنات
#الجنجويد_يتحل
#اتحدوا_يا_ثوار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..