سد النهضة ? هل يغش الأوربيون أثيوبيا ؟

د.م. أحمد إبراهيم الحاج

1. كتبت من قبل في هذا الموقع عن سد النهضة في عمومياته دون الخوض في تفاصيل التصميم . لم أتطرق لجوانب تصميم السد وعوامل سلامته – رغم أهميتها القصوى المعلومة للجميع – لأنها ليست في مجال إختصاصي. ولم أتطرق لجوانب كمية الطاقة التي يمكن أن ينتجها السد أوعدد وانتاجية التيربينات التي يجب تركيبها فيه – رغم أن هذه الأمور هي من صميم مجال تخصصي ? لأنني حينها لم يكن لي أي إهتمام بها لأنها أساسا تهم أثيوبيا حصريا ، ولا تهم السودان في شيئ ، ولأثيوبيا إختصاصيوها الرموقين في هذا المجال.

2. لكن مؤخرا ، انتابني فضول أن أنظر في مقدارين: (أ) كمية الطاقة الكهربائية السنوية من محطة السد التي يقول بها مصممو المحطة ، و(ب) سعة القدرة التوليدية التي قرروها للمحطة ؛ ومقارنة الكميتين مع ما أفادت به حساباتي المبنية على معلومات السد التي أوردها المصممون أنفسهم في تقريرهم الرسمي وبنوا عليها حساباتهم ذاتها. وكانت المفاجأة أنهم ، أي المصممون ، يقولون :

(أ) أن أثيوبيا ستحصل على طاقة كهربائية مقدارها 15692 قيقا واط في العام . في حين يقول الحساب أنها سوف تحصل على أقل من 13000 قيقا واط في العام لا أكثر . فتقديرات (أو إدعاءات) المصممين تفوق قول الحساب البسيط بحوالي 21 % ، وهي نسبة ليست قليلة.

(ب) أن تشتري أثيوبيا وتركب 16 (ست عشرة) تيربينة . في حين يقول الحساب أنها تحتاج 12 (إثنتا عشرة) تيربينة أو أقل . لقد ضخم المصممون عدد التيربينات المطلوبة بحوالي 33 % أو أكثر.. مع العلم بأن قيمة التيربينة الواحدة والتي تنتج 375 ميقا واط ، بمولدها ومعداتها الأخرى ومتطلبات تركيبها ، تقدر بمئات وليس عشرات الملايين من الدولارات . فالتيربينة الواحدة مشروع قائم بذاته تقريبا ، يوظف له عشرات الفنيين شهورا عددا في البلد الصانع. بالإضافة لتكاليف قطع الغيار والصيانة لعشرات العقود من السنين .
ولا تفسير لزيادة التيربينات غير قصد زيادة مبيعات ومكاسب الشركات ؛ لأن التفسير الآخر – أن يعمل التوليد لمدة ستة ساعات فقط في اليوم طيلة أيام السنة ويوقف بقية ساعات اليوم – لا يتناسب مع متطلبات منطقة نامية تتوسع في استخدامات الكهرباء 24/7، نعم بزروة ، ولكن في حدود 50% من الإستهلاك الكلي ؛ فليس كل الإستهلاك زروة 100% .

3. وماذا يضير السودان من كل هذا؟ لا شيئ البتة في الظاهر! لكن في الجوهر لا يستبعد أن يكون سلوك مصممي المحطة هذا نذير باحتمال إنتشار عدم أمانة الشركات في كل مرافق السد الأخرى في مقابل ثقة أثيوبيا في أمانتهم … فيكبرون فوائدهم من المشروع على حسابها. وعليه ، يجب ألا نطمئن نحن ولا أثيوبيا لأمانتهم فيما يخص عوامل السلامة في بناء السد . هذا هو الأمر الذي دفعني لكتابة هذه السطور.

4. حوالي عام 2008 أعلنت الإنقاذ للناس عدد تيربينات سد مروي العشرة ، وسعة قدرتها التوليدية 1250 ميقا واط ، وفاخرت بها الأمم قبيل وأثناء تركيبها. وشاع الحديث عن بدء التحضير لتصدير فائض كهرباء السد لدول الجوار . وكان “الرد بالسد” شعار المرحلة. حينها كتبت مبينا بالحساب حقيقة الطاقة التي يمكن أن ينتجها سد مروي ، وأن السد سوف لن يحل مشكلة نقص الكهرباء في السودان ، دعك عن أي فائض منه ، باعتبار أنهم ضخموا إنتاجه وقللوا طلب السودانيين من الكهرباء. لكن حكومة الإنقاذ سفهت ما قال به الحساب ولم تعره أي اهتمام . وما استبانت الإنقاذ الأمر إلا ضحى الغد . وأعيد النصح هذه المرة بشأن سد النهضة ، لكنه في أمر أكثر خطورة مما كان عليه الحال في سد مروي !

5. ما يجب على السودان القيام به الآن:
أ – العمل بتضامن قوي مع الأثيوبيين على إيفاء كل عوامل السلامة حقوقها الكاملة ؛ فأثيوبيا لا يقل إهتمامها بسلامة سدها من إهتمام السودان به. وأن يقنع السودان أثيوبيا بإشراكه لتدقيق التصميم ومراقبة التنفيذ، حتى ولو يتولى السودان دفع تكاليف المهمة ثمنا لإبداء الرأي والإطمئنان . وألا تكتفي الدولتان أبدا بما تفعله الشركات المنفذة وتلك التي تراقبها من دول جوارها مهما كانت سمعتهما العالمية .

ب – ألا يطمئن السودان على أن ما سيتعاقد على شرائه من طاقة من سد النهضة سيستلمه كاملا دون نقيصة ويبني آمالا على ذلك… بل عليه أن يتحسب لنقص مقدر في الكمية التي سيتعاقد على شرائها .. وأن يقوم باعداد خططه ليس فقط للطواري ، ولكن لإمدادات وطنية تتنامى لتواكب الطلب المتنامي .

6. أما أثيوبيا ، فالأسطر أعلاه مقتطفة من مقال مهني بالإنجليزي ، هدفت منه المساهمة مع خبرائها المرموقين عند إتخاذهم القرار فيما يختص بكمية الطاقة المتاحة وعدد التيربينات المطلوبة من النوع الذي اختاروه. فأثيوبيا ، جارتنا التي تشاركنا الجزور وتبادلنا الود بأكثر منه ، تستحق منا التبرع بأكثر من رأي متواضع .

————————————-
* دكتوراة هندسة ميكانيكية ? تطبيقي ميكانيكا الموائع ? إنجلترا، 1979. تصميم واختيار التيربينات المائية من ضمن تخصصه ؛ من المؤيدين لقيام سد النهضة الأثيوبي .

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. دكتور/ مهندس / احمد ابراهيم الحاج
    لك التحية والتقدير والاحترام اعاد الله غربتك في ظل حكومة ديمقراطية رشيدة تحترم علماء شعبها ورأيهم في شأن كل يرفع نهضة الوطن وتطوره فالوطن يحتاج امثالكم لتضعوا خبراتكم لخدمة الوطن وانسانه

  2. يجب ان نعتبر انفسنا شركاء في هذا السد لمصلحة السودان و علينا التصرف كما يفعل الشركاء
    من الاهتمام بجميع التفاصيل و ابداء النصح لاثيوبيا ومصر

  3. كما ذكرت سابقا بأن هنالك علماء ومختصين لم يدلو بارائهم بعد في هذا المشروع الضخم وهذا مثال ادعو جميع الخبراء السودانيين لان يوضحوا الحقائق ولاتتركو الامرالي انصاف المتعلمين الذين زجت بهم الانقاذ في كل المرافق الحيويه لكي يفتو بغير علم وتكون الطامه علي حاج احمد المسكين هذا كلام علمي رصين ويجب علي الحكومه الانتتباه والاستماع الي خبراء السودان المنتشرين في جميع انحاء العالم كل في تخصصة ل واسال الله ان يعين البلاد والتحية لك ايها العالم المغوار

  4. عزيزي الدكتور مهندس أحمد ابراهيم الحاج
    تحياتي
    شكرا لك على هذا المقال المهني والذي يضيف لذاكرتي مواقف مهنية عديدة ممتازة لمهندسين سودانيين في مجالات الري والميكانيكا والكهرباء والهندسة الزراعية والهندسة المدنية منذ أن قرأت قبل أكثر من أربعين عاما رأي السودان كما خطه مهندسو الري السودانيون عن مفاوضات مياه النيل عام 1956 وحتى اشتراكي في لجان مع مهندسين لدراسة جدوى بعض المشاريع، بصراحة انتم فخر لنا وللسودان.

  5. هدفت منه المساهمة مع خبرائها المرموقين عند إتخاذهم القرار فيما يختص بكمية الطاقة المتاحة وعدد التيربينات المطلوبة من النوع الذي اختاروه………..عالم فعلا وشيم العلماء التواضع

    يادكتور عايزين مقال عن سد مروي ويكون بشفافية شديدة عايزين نعرف هل كان ليهو لازمة وهل حقيقة طلع ماسورة ؟؟؟ برضو عايزين نقرأ ليك رؤي حول مستقبل مشاريع الطاقة في السودان وهل ممكن تنفيذ سدود اخري تكفي احتياج السودان وما نكون تحت رحمة احد لا اثيوبيا ولا غيرها؟؟؟
    لكم التحايا والود

  6. عفوا ، تصحيح: سقطت مرتين سهوا كلمة ” -ساعة ” عند ترجمة وحدات مقدار الطاقة .
    الصحيح هو : 15692 قيقا واط – ساعة في العام ، و 13000 قيقا واط ? ساعة في العام .

  7. عزيزى دكتور-مهندس احمد ابراهيم الحاج
    لك التحية

    بما انك متخصص فى تصميم التوربينات لى سؤال: هل يمكن تصميم توربينات من النوع الذى يسمى Bulb -Type units بقدرات كبيرة لتحل محل ال Vertical type…..النوع الاول هذا يرقد افقيا على سطح الماء الداخل على البوابة ويسمح بتخفيض ارتفاع حائط الخزان بحوالى 20% وبنفس المستوى ينخفض حجم البحيرة …فى السبعينات كانت تنتج وحدات من هذا النوع ذات قدرات صغيرة …لكن التكنلوجيا تقدمت فاذا نجح المصممون فى تصميم تربينات ذات قدرات كبيرة من هذا النوع يمكن تفادى الخطر الذى يتحدث عنه المصريون ونخشاه نحن…..

  8. دكتور مهندس أحمد إبراهيم الحاج: المقال أكثر من رائع ؛ علمي وموضوعي ؛ ما قل ودل ؛ كما يسهل غلى غير المتخصص فهمه. نطمع في المزيد حول ذات الموضوع ، وياحبذا لو كان بعنوان لماذا تؤيدون قيام سد النهضة ؟ أو ماهي الجدوى الإقتصادية والإجتماعية لإنشائه لدولتي إثيوبيا والسودان ؟ شكراً جزيلاً.

  9. لا اعتقد ان الزيادة في عدد التربينات تخفى على المختصين في هذا الشأن و بالتالي هذا لا يعتبر غشا لانه امر واضح لاي مختص
    و اعتقد ان مجالات الغش اعقد من هذا بكثير و هناك طرق اسهل للاوربيين مثل تجارة الاسلحة

    اما سد مروي فالحكومة السودانية هي التي غشت نفسها و مواطنيها

  10. علاقة علوم التوربينات شنو بالجيلوجيا؟؟ موضوع سلامة السد قضية جيلوجيا وهندسة البناء الذي يمكنه ان يصمد اما الحجم الهائل للمياه خلفه والذي يمكن ان يغرق السودان في حالة اي اخطاء هندسية او عدم دراسة طبيعة الارض المقامة عليه انتهي
    توربينات وميغاواطات دي فلسفة خريجي الانقاذ درجات علمية اصحابها مافكو الخط
    قال اطلعت على الدراسات قال ربما تعني الدراسات التي سربتها مصر لتفضح الدراسات الاثيوبية الاولي والتي لاتسو الحبر الكتبت به
    اختشوا

  11. الاربيون بدو في التخلي عن انتاج الكهرباء بالطاقه النوويه وانحنا لسه بنفكر في السدود المشكله انحنا عندنا كل عوامل الرفاهيه للشعب السوداني والحكومه من مسكت بتفكر في صراعاته الداخليه والخارجيه وم فكرو يوم كيف يخلو الشعب يستفيد من الموارد دي انحنا عندنا كل انواع الطاقه البديله ( الطاقه الشمسيه _ عندنا نهرين _ غير الموارد الزراعيه والحيوانيه والبشريه وغيرها)

  12. كلامك جيد جزاك الله خير علي التوضيح
    كونك مع قيام السد يجعلنا نثق في كلامك
    لان هناك بعض المختصيين يمهدون لتملص البشير عن تاييده للسد بغش الشعب السوداني وتخويفه من السد
    نحن مع السد

  13. الأخ الدكتور ، لك تحياتي على الكلام العلمي لكن ما أعيبه عليك هو تذييل مقالك بالقول ( من المؤيدين لسد النهضة ) إن الرأي العلمي لا يعيبه إن كنت مؤيدا أو معارضا إذا كانت المعارضة أو التأييد مبني على حجج دامغة أو معقولة وأعتقد أنك وضعت في الحسبان آراء الكثير من المهرجين الذين يهاجمون كل من يعترض على سد النهضة وذلك لا يليق بالعلماء .. لا تخش ” قوات درع الراكوبة” الذين يعتقدون أنها منبر فقط لما يروق لهم من رأي وإن كان فاسدا .. الراكوبة موقع ديمقراطي تتيح لجلسائها الرأي الحر وليس لهؤلاء منع الرأي الآخر .. وأنا من المعترضين على سد النهضة .. ولمؤيديه كل الحق شريطة في ذلك أن نبني حججنا على قاعدة من النقاش العلمي بقياس سلبيات السد وإيجابياته .. راجع مقالنا على الراكوبة ” سد النكسة أم سد النهضة ؟”

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..