وداعاً رفيق الدرب الجسور أبوبكر الأمين

لم يكن هيناً أو سهلاً علينا مجرد هضم خبر رحيل رفيقنا العزيز ابوبكر رغم أننا كنا من المتابعين لظروفه الصحية، وعلى صلة مباشرة به عبر وسائل الاتصال الالكترونية. أذكر على سبيل المثال لا الحصر رده على رسالة بعثت بها اليه السيدة خديجة الرفاعي، حياها وتوجه اليها بالشكر والاحترام وقال لها (قولي لمحمد ماتنسى الذكريات). في حقيقية الامر أن كل من عاشر أبوبكر وتعرف عليه عن قرب لن ينساه وسيظل يذكر تفاصيل العلاقة الكامنه والساكنه في الذهن والوجدان حتى لو شاءت الظروف أن يبتعد عنه سنين طويله ، وهذا ماحدث بالفعل بيننا.
عاش ابوبكر وإندمج في الوسط الشعبي المدنيه والقريه وتشرب بالمثل والتقاليد الشعبيه السمحه والبسيطة والعريقة التي شكلت جزءً هاماً من شخصيته المتسمه بالبساطه والتواضع التي لاتخطئها العين حين نتعرف عليه وتمتد العلاقة بينك وبينه وإن كان خلال فترة قصيرة من الزمن ، تلقى أبوبكر في ذلك التاريخ نظاماً ممنهجاً حتى أكمل مرحلة الدراسة الجامعية بتفوق، وإندمج في محيط الحياة الثقافيه والسياسية والتي كانت تعج بها المدارس والجامعات وشارك في نضالاتها ومعاركها وصار فيما بعد أحد قادتها، عندها تطورت رؤيته السياسية والفكرية عندما إلتحق بالحزب الشيوعي السوداني وصار عضواً في رابطة الطلبة الشيوعيين وأصبح في وقت وجيز أحد القياديين فيها.
علاقتي برفيقنا العزيز نمت وتطورت وتوطدت من خلال المناسبات السياسية والجماهيرية التي كانت تضم عداً قليلاً جداً من الشيوعيين في زمن الحديدية والسريه في التنظيم، تعمقت أواصر الصداقة ببعضنا في الاعتقالات المتكررة التي كان يتعرض لها أبوبكر منذ أن كان طالباً وبعده كذلك في الاعتقال الطويل الذي بالنسبة لي دام 9 سنوات، منها 7 سنات دونما إنقطاع وفي المعتقل لم تكن هناك صلة بيننا.
ماتجدر الاشارة اليه أن أبوبكر كان دائماً مايكون في أحد اللجان المسئولة في تنظيم الحياة السياسية والفكرية والترفيهية والصلة بادارة السجن ، وكانت أهم مسئولية هو تأمين الوثائق والمستندات بين داخل السجن وخارجه ، أذكر ذات مرة كان يجري البحث من قبل بعض الرفاق عن وثيقة أو كلمة ألقيت في إحتفال داخل المعتقل وجاء رده بأن الارشيف تم تأمينه والخروج به.
وهنا لابد لي من ذكر واقعة مهمة، أنه وعقب نجاح إنتفاضة شعبنا في مارس أبريل1985 وعندما إنفتحت أبواب السجون وتقرر خروج كل المعتقلين السياسيين وكان أن فعلوا الا إثنان لم يخرجوا وكانوا هما رفيقانا العزيزين أبوبكر الامين وفوزي أمين وعندها قام العسكري بتبليغ إدارة السجن بأنهما لم يخرجا وعندها جاء مدير سجن كوبر مستفسراً سبب تأخرهما وطبعاً لم يفصحا له بالسبب لكن الامر كان يعود الى أنهما كانا قد أمنا الوثائق في مكان ما وتأخرا في إخراجها ولأي شخص أن يتأمل لحظة إندفاع الناس للخروج من الاعتقال وتنسم الحرية وموقف الرفيقين في أنهما آثرا الخروج وفي معيتهما هذه الوثائق بدلاً عن تركها لتضيع.
والحديث عن مؤهلات الراحل يقودنا الى الكيفية التي إنضم بها للعمل في الميدان متنقلاً بين دار الوثائق المركزية.
قيادة الحزب الشيوعي طلبت من مدير دار الوثائق المحترم الراحل محمد ابراهيم ابوسليم إخلاء سبيل ابوبكر لان الحزب يريده العمل في الصحيفة الحزبية ،وإتفق ابوسليم وتحدث عن أداء ابوبكر في الفترة التي قضاها في الدار ذاكراً أثره البائن ولمساته الماثله أمامهم في دار الوثائق وإمكانياته العاليه وطريقته المميزة في البحث والتدقيق عن الحقائق وهو مايعرف بالوثائق والتوثيق ، وقوله بأنه كان يرى في فقيدنا العزيز مديراً ناجحاً للدار.
إنضم ابوبكر الى صحيفة الميدان ، وأصبح في فترة وجيزة أحد محرريها الاساسيين الى جانب رئيس تحريرها الرفيق التجاني الطيب وسكرتير تحريرها مكي عبدالقادر وعبدالرحمن أحمد. الاداء الصحفي والتميز الملحوظ له وجمعه للمعلومات من مصادرها ومن ثم الشروع في كتابة التقارير وتميز بالدقة والصرامة فيها ، لذلك كان يخرج من مكاتب الصحيفة متوجهاً صوب البرلمان لمتابعة جلساته، ثم يذهب الى المنطقة الصناعية وغيرها من أماكن التجمعات متابعاً لاحوال العمال ، كما كان يذهب بصورة دائمة حيث تجمعات الطلاب والشباب والنساء وغيرها للاطلاع والوقوف على الكثير من القضايا وطرح تصوراته ، كما كان يشارك بعدة أراء ومقترحات لتطوير الاداء الصحفي لجريدة الميدان ورفع مستواها، وأرجو أن يطلع القارئ على النعي الذي كتبه الاساتذة عبدالجبار عبدالله وبشرى الفاضل وطارق الشيخ، وللأسف نشبت خلافات في إطار هيئة التحرير أدت الى فقدان الصحيفة أحد من قامت على أكتافهم الصحيفة عقب إنتفاضة مارس ابريل 1985 والذي كرس جهده ووقته مساهماً فيها وقد كان من أحد كوادرها المؤهلة فكرياً ومهنياً وأخلاقياًوإخلاصاً للقضية التي كرس جل سنوات عمره النضر وقدم التضحيات الجسام في سبيل الحزب والشعب والوطن.
أكثر ماشرح الصدر وأراح القلوب هو أن الرفاق والمعارف تنادوا وهبوا هبة رجل واحد لتنظيم حملة قوية تهدف لجمع الامكانات اللازمة والمطلوبة والاسراع بسفره للعلاج في الخارج، بدايىة الحملة كانت الى جانب الاسراع بالسفر هي إرسال التقارير بالحالة الصحية وعرضها على الاخوة الاطباء السودانيين وبصورة دقيقة الى جانب ذلك طلب منا النظر في إمكانية حضوره للعلاج في العاصمة التشيكية براغ ، وقد قمنا بما يمكن من تسهيل العقبات والتي بموجبها يحصل على الفيزا . وأخيراً تم تسفيره للعلاج والذي بكل كل أسف لم ينجح نتيجة لقصرالزمن وإنتشار المرض وأخيراً إنتقل الى دار الخلود حيث فاضت روحه في مدينة حيدر أباد وبدأت عملية نقل الجثمان وإنتشر الخبر بسرعة البرق وبدأت إجراءات إستقبال الجثمان ونقله الى مثواه الاخير الى قرية القلقالة، وكان بهو مطار الخرطوم مكاناً لتلقي العزاء بين الاصدقاء والرفاق والاهل والمعارف من الحزانى والمكلومين وإنتقل المعزون في رفقة الجثمان الى القلقاله.
عزائي موصول الى والدته المكلومه ولشقيقته ولأشقائه وأصدقائه ورفاقه وأهله
د. محمد مراد
براغ

تعليق واحد

  1. يا زوزو ليس كل مايعرف (بضم الياء وفتح الراء) يقال … خليك امين زي ابوبكر الامين وتحدث فقط في حدود الحاجه … واترك ما تبقى فالدرب طويل وقليل الماء هذا الناس في حوجة اليه ….. مع تقديري

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..