وكذلك يفعلون

توقيف الأمراء والوزراء السعوديين والتحقيق معهم بشأن تورطهم في بعض قضايا الفساد، ومن قبل اعتقال وزير المالية الأثيوبي، مثل هذه الأحداث – أعني اعتقال المفسدين والتحقيق معهم – وما في حكمها من أحداث في مثل هذه البيئة السياسية التي تضيق فيها هوامش الحريات تعتبر أحداثاً عظيمة ومفارقات أعظم حيث لم يألفها الناس ولم يتعودوا على أن تقوم أنظمة شمولية بتوقيف ومحاسبة المتورطين في قضايا فساد، لذلك يصبح الحدث الأعظم في هذه البلدان هو حادثة الإعتقال والتحقيق مع جهابذة الفساد وليس ما اقترفت أيديهم من جرائم فساد، لأن ارتكاب مثل هذه الجرائم بأنواعها المختلفة أصبح في الأنظمة الشمولية من الأمور العادية جداً والتي لا تثير الانتباه، وقد تصالح معها الجميع بكثرة ما تلوكها الألسن وتتغافل عنها السلطات الحاكمة، وأما الشيء غير العادي هو اعتقال وتوقيف المتورطين في قضايا فساد خاصة إذا كانوا نافذين داخل النظام ..
ولما كانت نظريات الإعلام تلتقي عند نقطة التشويق والإثارة كأبرز عناصر نشر الأخبار والتقارير وقوالب العمل الصحفي الأخرى، كان طبيعيا أن تهتم هي الأخرى بحوادث اعتقال المتورطين في قضايا فساد من رؤوس تلك الأنظمة كعلامة فارقة في خارطة الأحداث الكبيرة في تلك الدول بخلاف الأنظمة الليبرالية التي تبرز حجم الجرم وتأثيره غض النظر عمن ارتكبه سواء أكان رئيساً أو وزيرًا، أو خفيراً فتراهم يقدمون رؤساءهم ووزراءهم في قضايا التحرش الجنسي، واستغلال النفوذ والرشاوى وإن كانت مثقال ذرة، وكأن شيئاً لم يكن، ويكون عندهم الحدث الأبرز هو وقوع الجرم وإضراره بالمصلحة العامة وليس اعتقال مرتكب الجرم ومحاسبته لأن الجميع شعباً وحكومة يعرفون أن من يخطئ سيحاسب مهما علا شأنه، لذلك تكون ردة الفعل عندهم فيما يتعلق بالتوقيف والاعتقال والتحقيق من الأمور العادية والمتوقعة ولا تثير الدهشة في حال ارتكاب الجرم مهما صغر أو كبر، وهو أمر بخلاف ما عليه الحال عندنا في الأنظمة الشمولية التي تدوس على القوانين والدساتير متى ما أرادت وتفصلها حسب مقاسها وما يقتضيه حالها المتقلب يمنة ويسرة، وتعدلها لتستوعب ذلك الحال المتقلب، وهي- أي القوانين – عندها بمثابة آلهة العجوة تعبدها مخلصة لها الدين عندما يتطلب الأمر ذلك وتلتهمها بنهم عندما تجوع…
ثم بقي أن نقول عودتنا الأنظمة الشمولية أن تكون فيها العدالة منتقاة، وأن محاسبة الفاسدين في الغالب لا تكون إلا في إطار تصفية الحسابات وتقديم كباش الفداء وكذلك يفعلون… اللهم هذا قسمي فيما أملك…
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين..
“الصيحة”