قلق ديسمبر

الجامعة هي المرحلة التي يكتسب فيها الطلاب العلم والمعرفة والمهارات اللازمة التي تؤهلهم لأن يساهموا في تطوير المجتمع، واحدة من تلك المهارات العمل النقابي الذي تتاح لهم ممارسته عبر تكوين الاتحادات الطلابية. ومعلوم أنَّ العمل النقابي هدفه خدمة المواطنين وليس الحكومة كما يحدث اليوم في السودان، وكلما كان المنهج المتبع في طريقة تكوين الاتحادات الطلابية يتبع الطرق القويمة، كلما كان ذلك أنفع للطلاب ومستقبلهم، ولذلك كل البلدان المتحضرة لا تُسيس الاتحادات الطلابية أو تُستغل لخدمة أهداف الأحزاب السياسية الحاكمة أو المعارضة، ولكن هذا يحدث في السودان مما أفرغ الاتحادات الطلابية من كل فائدة، وأضرَّ بالتجربة ضرراً عظيماً وحرم الطلاب من ممارسة نقابية حرة، حتى تحولت الاتحادات إلى أزمة وطن مليئة بالعنف والموت والدم والدموع.
في مثل هذا الشهر من كل عام تنتهي فترة اتحادات الطلاب القديمة ليتم انتخاب أخرى جديدة، ومنذ سنوات طويلة لم تمر الانتخابات بدون عنف في جميع الجامعات إلاَّ من رحم ربي، فقد أصبح الأمرُ واقعاً فرض نفسه خاصة تلك التي تشتد فيها سطوة طلاب المؤتمر الوطني المدعوم من الحكومة، والذين أصبحوا يسيطرون على اتحادات أغلب الجامعات الحكومية بالحق أو بالباطل، وبدعم من إدارات الجامعات أحياناً ما يثير حفيظة الطلاب المنتمين إلى جهات سياسية أخرى فيقع العنف، وليست حوادث السنوات الماضية ببعيدة عن الذاكرة.
في مثل هذا الوقت من كل عام يضع الأهالي أيديهم على قلوبهم ويحبسون أنفاسهم حتى تنتهي الانتخابات، بعض من الجامعت ينجح في تجاوزها وبعض آخر يقع في مطب العنف فيدفع الكثير ويخسر زمناً طويلاً من العام الدراسي لتجاوز آثاره، وكثير من الأهالي أصبح الأمر يرعبهم لدرجة أنَّهم يمنعون أبناءهم من الذهاب إلى الجامعة في هذا الوقت.
تناقشتُ كثيراً مع طلاب ينتمون إلى المؤتمر الوطني لا يملكون أي نوع من الإمكانات التي تؤهلهم لخدمة قضايا الطلاب فبعضهم يعيد أكثر من مرتين، فاكتشفتُ أنَّهم كلهم يعتقدون أنَّ الاتحاد يقدمهم لمناصب سياسية أو على أقل تقدير يضمن لهم العمل في مكان مميز، أي أن تكون ضمن اتحاد طلاب المؤتمر الوطني، فهذه شهادة أهم من شهادة الجامعة، أما إذا كنت رئيس اتحاد فمنصبك جاهز.
كنا نتمنى أن تتوقف وزارة التعيم العالي ومعها الجامعات في الانتخابات، هذا لأنَّ ضررها أصبح أكبر من نفعها، فإما أن تعالج القضية وتبعد الاتحادات رسمياً من السياسة لينتخب الطلاب اتحاداتهم من أجل خدمة قضاياهم فقط، أو أن توقف بالمرة إلى حين أن يكتب الله العافية للبلد.
نتمنى أن يمرُّ شهر ديسمبر على خير في جميع الجامعات الحكومية وتنتهى الانتخابات دون عنف حتى ولو زُوِّرتْ، وليلجأ الطلاب الآخرون إلى الوسائل السلمية، ليعلموا طلاب المؤتمر الوطني دروساً لن يقدمها لهم العنف وسيلة العاجزين.
التيار