الزوال بين سُخفِ الأرض وسُخف مَن عليها

الزوال بين سُخفِ الأرض وسُخف مَن عليها
حين دوى صوت القطار برأسي خرجت خلسة ولم أستأذن سوى القليل من الماشية التي كانت لا تنام.
ميدل ايست أونلاين
بقلم: قيس مجيد المولى
بدأت أثني على وساوسي
إلى الآن لم أعلق على شيء ولا متى أفتح وصية الموت لأن رغبتي أن لا تمر الأرض بمفرداتي، ولأجل ذلك رفعت أرجل الطاولة ووضعتها على مربعات معدنية، لكنني رغم ذلك بدأت أشعر أن هناك تواصلا ما بين المرسل والمرسل اليه، وعممت ذلك الفعل الذي أجريته والطاولة، على ما في بيتي من أثاث بما في ذلك سرير نومي.
وتهيأ لي أني ابتعدت والتماس مع الجزء من المكان الذي هيأته الأرض لي، سواء في طريقي أو عملي أو مناسباتي، ومع السماء كي أبتعد عنها قليلاً اكتفيت بإدامة رأسي في قبعتي المكسيكية والتي سبق واشتريتها من رجل مكسيكي في محطة بلغراد، وحينها تهيأت لي الفرصة أن أراقص بها الغجريات قبل أن أصل ترستا، وأشم ظهور بغالهن وحاجاتهن في خيّمهن، وقد استطاب لي المقام وإياهن بعد أن نفخن بوجهي في مزاميرهن، الأمر الذي جعلني أمقت الأرض بعد أن كنت أتحاشاها، وأمنت بالفراغ اللاوجودي وبأحلام الباطن وبتلاشي الضفاف الذي يعقب كل مد.
ولكن حين دوى صوت القطار برأسي خرجت خلسة ولم أستأذن سوى القليل من الماشية التي كانت لا تنام وبدأت أثني على وساوسي وأستخدم العنيد والضال منها ضمن صيغ تشفعية لا لإيواء السديم من الأشياء بل الضبابي منها، وكان إن عرضت على مخيلتي العديد من العروض ولم أفلح بتمييز ماهو مغرٍ منها، وناورت وأنا في الطريق للتخلص من كل شيء كي أكون جاهزا للإستماع الى الوصية التي أعادت ذاكرتي قراءتها عليّ، ووجدت المنتظرين نياما على المساند الخشيبة وتحت أقدامهم الأرضَ التي أجبرتهم الوقوف عليها.
كانت الإشارات تأتي من ساعة جدارية، ومن صافرة مناوب ليلي يتفحص قضبان سكك الحديد، ومن قوس من الأضوية يحيط بمسمى المحطة وتحته شرح مختصر لتاريخها.
للحظة حين نهضوا ونهض الفجر قلت لربما تذكروني حين ودعت مواشيهم وحاضرت ونفسي صامتا، حاضرت عن تاريخ الغجر وأنسابهم ومواشيهم وهواياتهم غير التقليدية وكم من فتياتهم أصبحن فيما بعد زوجات أو جواري لنبلاء وكم منهن تكلمن الإسبانية والإيطالية والفرنسية في طاقة حسية فائقة، وقد تصورت أن المصابيح المعلقة في السماء ما هي إلا شكل من أشكال الخديعة كي لا يستفرد الليل بالوجود، ولم أكن بحالٍ لأتذاكر والأمثال التي قيل عنها بأنها أمثال رائعة والحقتُ المعنى الجزئي فيما بقي من قبعتي المكسيكية وأنا أتابع:
نظرات الكلب المربوط الى جوار سرير ماركيز
وأشم بارود ليلة الإعدام
وكذلك أشم الدم الذي سال من ديك شتاينبك
وأقبل القدمين، قدمي هاشمية محمد صالح قبل أن تغادر الحياة بلحظات، لأرى في نفس تلك اللحظة والدموع تأخذ مجراها من عيني نحو الأرض، أن سخف الكون قائمٌ الى الزوال وسخف من عليها، آنذاك عصرت عيني لأحصي ما تبقى من الشرار بعد أن صمت الوهج اللاوجودي وتناثرت مرآة العائلة، ولم يكن الموت إلا وصية قرئت ونحن أحياء عشرات المرات إن بقي أبيقور أو تعلق هرقل الجبار بقوته وهز أعمدة الأولمبيك، فلابد أن يسمع الجميع حفيف الصوت الذي يؤذن بالرحيل.