بين القذافي .. والمتعافي !!

معادلات
علي يس
بين القذافي .. والمتعافي !!

? ولو أن مزارعاً من مزارعي الجزيرة ، أو مزارعي مشروع الرهد ، أو مزارعي أي صقعٍ من أصقاع هذا السودان المترامي ، قرأ إفادات السيد المتعافي ، في الحوار الذي أجراهُ معهُ الأخ الزميل الأستاذ ضياء الدين بلال رئيس تحرير الزميلة السوداني ، فلا أشُكُّ في أن أوَّل ما يُمكِنُ أن يرد إلى خاطره ، خطابات القذافي الأخيرة !!..
? و دعنا ? قبل أن نقارن بين الخطابين ، خطاب القذافي و خطاب المتعافي ? دعنا نفترض ، جدلاً و خيالاً محضاً ، أن مزارعي السودان خرجُوا في انتفاضة تنادي برحيل المتعافي (أقول جدلاً و خيالاً محضاً أيها الناس ، حتى لا يخرُجُ من يتهمنا بالتحريض على الثورة ضد المتعافي ) .. سوف يترتب على هذه الإنتفاضة الزراعية الخيالية ، مظاهرةٌ أُخرى بلا شك ، فالسيد المتعافي لن يعدم بين عمال مزارعه و مزارع أقاربه و مزارع “أصدقائه” عدداً لا بأس به ، يستطيعُ حشدهُم في مظاهرةٍ مضادة ، تُنادي بتأييد وبقاء المتعافي (تماماً كما تمكن القذافي من قبل من إخراج تظاهرةٍ من مؤيديه والمنادين ببقائه ، وكما سبق أيضاً أن خرجت تظاهرة “أحباب” حسني مبارك ). و أظُنُّ أن هذا يمكن أن يكون دليلاً مادياً على أن للمتعافي بين الناس مؤيدين وأنصارا..
? القذافي دعا جماهير الشعب الليبي إلى الخروج و قطع رؤوس المخربين (و المخربون هؤلاء كانُوا في الواقع هُم الشعب الليبي ذاته ، بينما كان “الشعب الليبي” الذي استنصر به القذافي هُو مجموعات من المرتزقة الأفارقة!!).. أما المتعافي فإنهُ لم يتوجه بالدعوة المباشرة إلى جماهير المزارعين المتمرغين في نعمة وزارته و أفضالها عليهم ، لم يدعُهُم إلى الخروج للإقتصاص من الصحافيين “المُغرضين” الذين يستقون معلوماتهم من الحقل ، ومن مزارعين هُم ، بالقطع ، غير أولئك المزارعين الذين تحدث المتعافي عن رضائهم و اقتناعهم بتجاربه .. المتعافي فقط قرر بعض ما يعتبرهُ حقائق “على الأرض” ، مؤكداً أن (الشراكة بين القطاع العام والخاص أثبتت تخفيض التكلفة على المزارع والدولة ، و زيادة إنتاج المزارعين ).. و مؤكداً في موضع آخر أن التجربة برغم كونها في بداياتها إلا أنها أنجبت نتائج “مقنعة للمزارعين”.. حقيقةً لا أدري أين يمكننا أن نجد هؤلاء المزارعين الذين يعترفون بأن إنتاجهم زاد ، أو أولئك المزارعين الذين أعلنوا عن اقتناعهم بتجربة المتعافي ، اللهم إلا إذا اعتبرنا بحديث القذافي عن أن الشعب الليبي هانيء و مستقر ، ولا توجد تظاهرات ولا يوجد قتل للمتظاهرين !!..
? و السيد المتعافي ، الذي قال عنهُ الزميل ضياء الدين بلال في مقدمة حواره ، أنهُ لن يوفيه الوصف إن اكتفى بالقول أنه رجُلٌ “مثير للجدل” هو في الحقيقة ، وكما قال ضياء الدين ، أبعد كثيراً من مجرد كونه مثيراً للجدل ، و هُو الرجُلُ الذي كتبت عنهُ آلاف الصفحات في الصحف إبَّان تقلده أعباء ولاية الخرطوم ، تحدثوا عن الطرق التي أنشأها في العاصمة (ليس كما يتحدث عنها هو الآن بفخرٍ مستفز) ، تحدثوا عن التجاوزات التي حملت الولاية على إعادة بناء معظم تلك الطرق المسفلتة التي لم تصمد لأشهر معدودات !! تحدثُوا عن أعماله الخاصة و أعمال أقربائه التي ما تركت لهُ مجالاً لرعاية الشأن العام إلا من خلال “الاستثمار” المثمر .. تحدثُوا عن مئات القضايا ، حديثاً ليس فيه مدح للمتعافي ، لو افترضنا جدلاً و خيالاً ، أنَّهُ كلُّهُ كلام فارغ و أنه كله حديث مغرضين أصحاب ثأرات مع المتعافي ، لو افترضنا ذلك وهو مستحيل ، فإنهُ كان يكفي مجرد ذلك القيل والقال ، لكي يُقال للمتعافي “تصحبك السلامة ، تفرغ لأعمالك الخاصة و حقق ما شئت فيها من نجاحات” ثم يُخلَى سبيلُهُ مصحوباً بالدعوات الطيبات.. لقد ظنَّ الكثيرون أن إبعاد المتعافي عن ولاية الخرطوم و إسناد وزارة الزراعة إليه نوع من العقاب (فالناسُ تعودُوا من حكومتنا هذه أن تُبعد كل من تُثار حولهُ الشبهات في موقعٍ ما ، إلى موقعٍ آخر ، غالباً ما يكون أخطر ).. و نحنُ نتحدث عن الجمهورية الإسلامية الثانية ، كنا نتمنَّى أن نرجع إلى سُنَّة النبي الكريم عليه وعلى آله صلوات الله وسلامه ، وسُنَّة الراشدين من خلفائه ، الذين كان مُجرَّد إثارة أدنَى شُبهةٍ حول أحد ولاتهم أمراً كافياً لعزلهم ، و ما أظنُّ أن المتعافي أو غيرهُ في زماننا هذا أكرم مقاماً أو أنظف يداً و قلباً من أبي هريرة رضي الله عنهُ ، الذي عزلَهُ عُمر رضي الله عنهُ عن ولاية البحرين لمجرد أنَّ مالهُ زاد دراهم عدَّها الخليفة عُمر “شبهةً” تؤدي إلى عزل واليه ، و ما ثبت قطُّ أن أبا هريرة جنَى أمواله تلك بطرق غير مشروعة ، ولا ثبت أنَّهُ أوقع عطاءات إعمار ولاية البحرين الإسلامية على أشقائه أو محسوبيه!!

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..