مقالات سياسية

الدكتاتورية الدينية والديموقراطية العلمانية

لعلكم لاحظتم اننى بدات عدة مقالات فى شئون الدين والاقتصاد والفلسفة ، ولكنى عندما اشاهد اخبار السودان فى الصباح ، وهى لاتخرج عن موت الناس بالسيف وبغيره كثير مما لم يخطر ببال الشاعر ، لان الاساليب التى اخترعت فى عهد الانقاذ للقتل لم يكن ، ولن يكن لها مثيل فى التاريخ القديم من لدن ابناء ابونا آدم وحتى هتلر . ويخطر ببالى دائما سؤال : كيف ينام هؤلاء الناس ، الذين بدون شك يقرأون القرآن قبل النوم ويتحصنون بكل ما يحفظون من آيات وأحاديث وغير ذلك من اختراعاتهم ” الدينية ” ؟!
الاجابة لاتخرج عن جملة واحدة ، لانه لايمكن ان يكون هناك تفسيرا دينيا او دنيويا يبرر مايفعله هؤلاء ، أردت ان أقول البشر ولكنى أحجمت ، ثم ينامون ويأكلون ويشربون ، بل ويبررون ?دينيا- مايفعلون من خطايا . التفسير الوحيد الذى يفسر هذا موجود فى اصل ايديولوجيتهم الدينية : لانهم يدعون الى تطبيق ” شرع الله ” ، فانهم معصومون من الخطا ، واذا أخطاوا فلا حساب . هذا مايعتقده جميع الاخوان المسلمين وكل من خرج من عباءتهم من كل حدب ولون . فبعد كل الذى حدث ويحدث يخرج علينا السيد عتبانى بالقول : انه يأمل فى وحدة غير الاسلاميين مع الاسلاميين ، وان الانسان لايستتطيع ان يخرج مما خلق منه : طينا أو صلصالا . وقبلها اعترف الريس يوما ما بانه لا امل لهم فى مغفرة الله الذى حرم قتل النفس ! وهكذا يعود هؤلاء مرة تلو ألاخرى الى الاطمئنان الايديولوجى ، بانهم يفعلون مايفعلون من اجل تطبيق شرع الله ؟!
لم يتساءل السيد عتبانى ،وهو على معرفة بكل ما ارتكب من جرائم، هل قتل البشر اثناء التعذيب او بالسرطان الذى استشرى لدفن نفايات أخذ احدهم ثمنه ، او تحت سيارات الحكومة ، أو من افراد الجيش الرسمى ، وليس الجنجويدى ، او بعد الاغتصاب ، أو لسرقة مالدى المقتول فى دارفور التى تنعم بالسلام ” بمعدلات لاتشهدها البلدان المجاورة !” أو كما قال السيد وزير الخارجية ؟! لم يتساءل هل هذا من الدين فى شئ ، حتى يدعو غير الاسلاميين الى التوحد معهم ؟!
ولم يتساءل السيد الرئيس ، وهو الذى وافق على تصفية بقية جماعتهم الذين عادوا بعد محاولة اغتيال حسنى مبارك ، وهو الذى يعلم مايفعله “ابنه ” فى الناس وبنات الناس ، وهو الذى يعلم مافعله ويفعله جنجويده فى كل جهة مروا عليها مرورا ، وهو الذى يعلم ، بل ويخطط مع الذين يريدون اغتيال ثروة نخيل الشمال ، لاخلاء المنطقة لمشروع ال200 مليون نخلة .. الخ ممالا يحصى ولايعد ؟! لم يتساءل عن النصوص التى تبيح مثل هذه الافعال !
هؤلاء لا يتساءلون عن مثل هذه الامور ” التافهة ” فهى لاتؤثر على علاقتهم بالله ! فتلك مضمونة طالما اننا نطبق الشريعة ؟! ونحن نطبقها بشهادة الامريكان : أليس السبب الرئيس للمقاطعة الاقتصادية هو غضبهم من تطبيقنا للشريعة ؟! أما مااتفقنا عليه معهم من محاربة الارهاب والهجرة غير الشرعية ..الخ فهو مجرد ” كوموفلاج ” من جانبنا طبعا! ولكن الشريعة تظل قائمة !؟ يمكن ان يسميها المعارضون الموتورون : شريعة الغاب ، ولكن الاهنا يعلم نوايانا الحقة لتطبيق الشريعة حين يرضى الامريكان ، على طريقة (…. رجل يكتم ايمانه ) بتلك التفسيرات والتأويلات التى تناسب الحال . وهذا موضوع لابد من الرجوع اليه: هل كل ماجاء فى القرآن من آيات تقرر اشياء تاريخية مثل ” حاربوا مايلونكم من الكفار ” هى ملزمة للمسلم على الرغم من تغير الزمان والمكان والتطور الهائل الذى حدث فى الدنيا وفى العقل البشرى ؟! وهل نحن ملزمون بانشاء سوق نخاسة حتى يتيسر تطبيق آيات ماملكت ايمانكم ؟! هل يعقل ان نسعى الى ذلك فى زمن حقوق الانسان التى حث عليها القرآن فى آيات كثيرة أخرى ؟! باختصار : هل نستعمل العقل فقط فى مافيه منفعة شخصية لنا اولجماعتنا ، ثم ننكر على الآخرين أى تأويل يحاول ان يلحقنا بالتقدم والتطور الذى هو من أصل ديننا ؟!
المصيبة ان هذا الامر من فهم الدين بالمقاس المطلوب ، لا ينطبق على الجماعة فقط ، وانما على العديد من السلفيين الذين يتمسكون بالتفسيرات السلفية للنصوص ، فى نفس الوقت الذى يتهمون فيه كل من يحاول ان يجد تأويلا يتماشى مع التطور الذى حدث بأمر وبأذن الله ، بانم مارق ومرتد .. الخ وينسون قوله تعالى ( سيريكم آياته فى الآفاق وفى انفسكم حتى يتبين لكم انه الحق ….). كيف سيحدث هذا اذا لم نعترف بماتوصل اليه العلم من كروية الارض ، ومن ان قوله تعالى لفرعون ( سننجيك ببدنك لتكون آية ..) لتصبح سببا فى ان ينضم الى صفوف الاسلام عالم وجراح فرنسى كبير ، أو ان يقول عالم آخر بان وصف تطور الجنين فى البطن فى القرآن لايمكن ان يكون قد أتى الى من اله عالم ..الخ .
المعركة التى يجب ان تدور وتعم العالم الاسلامى هى بين العقل والنقل . ان محاربة داعش وكل الافكار المماثلة ، وابعاد الشباب من الالحاد ، لايمكن ان تتم الااذا اصبحت هذه هى معركة الكل الكبرى . ولكن هل من الممكن ان يحدث هذا تحت نظام ديكتاتورى ،و خصوصا ديكتاتورى دينى يكمم الافواه بتفسيرات أكل عليها الدهر وشرب ، وليس من أجل أعلاء كلمة الدين ، كما يدعون ، وانما لاعلاء مصالحهم الفردية والجماعية ؟! لم يعد الامر يحتاج الى ادلة نظرية ، فالادلة العملية ” على قفا من يشيل ” !
هنا نأتى للجانب الآخر من المسالة : هذه المعركة لايمكن ان تتم بحيث تصل الى أهدافها المصيرية والضرورية الاتحت نظام ديموقراطى علمانى ، نعم : ديموقراطى علمانى وليس نظاما شوريا شكليا لايستشار فيه أحد غير الزوجة ” والابن ” ، او كما قال! وقبل ان اواصل فى هذا الجانب أريد ان أقرر بكل وضوح ، ان عهود المسلمين النيرة التى يتغنى بها الكل ، لم تكن كذلك الا لانه كان فيها شئ من الديموقراطية وخصوصا فى عهد عمر الذى قبل من المرأة رأيها وسط الناس ، بل واثنى عليها بقوله :أخطأ عمر وصدقت أمرأة ، وظل يستمع الى المرأة التى قالت له : اتق الله ياعمر ، بدون مقاطعة ، وعندما اعترض أحدهم على اهدار وقت أمير المؤمنين فى السماع الى هذه المراة ، رد عليه : هذه المرأة التى استمع اليها سبحانه من فوق سبع سموات ( قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها … ) الايستمع اليها عمر؟! وهو ايضا الذى قال ان امره كحاكم ان يقيم العدل ،أما العلاقة مع الله فهى شان كل مسلم فرد ! المطلوب ديموقراطية بمعناها العلمانى البرجوازى : يتم فيها الفصل بين السلطات بمايؤدى الى عدالة كاملة بين المؤسسات والافراد . ويصبح من حق أى أحد ان يقول مايشاء حول أى أمر ، ويصبح من حق أى أحد ان يرد بمايشاء ويعلم . فاذا كان سبحانه قد قال :( من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )، فهل أكثر من ذلك حرية ؟ والحقيقة ان الايمان والكفر بدون مشيئة لايمكن ان يعتبر ايمانا أو كفرا حقيقيا : ( الا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان .. ) فى حالة الكفر ، أى فعل ذلك بدون ارادة ومشيئة منه ، أما الايمان فهو على القول الثابت : ماوقر فى القلب وصدقه العمل . لم يكن القول وصدقه الناس او حتى الرسول (ًص) ، بمايدل على انه شان بين الله وعبده ليس الا .
بدون الديموقراطية واتاحة كل الحريات وعلى راسها حرية الحديث ، سيظل المتشككون فى كل الامور : بمافى ذلك الوجود الالهى وكافة أمور الدين يعتقد بها فى الخفاء : فهل الافضل ذلك ام اتاحة الفرصة لهؤلاء للتعبير عما يعتقدون ، ثم الرد عليهم بمايقنع ، فهكذا يفعل القرآن ويفعل الرسول . ولايمكن ان يمانع فى مثل هذا الامر غير الذين لايجدون مايردون به على هؤلاء غير الشتائم والتهديد ، كما فعل مؤخرا الخال الرئاسى مع الصحفية المحترمة .
ولنا عودة لهذا الامر المصيرى الضرورى للحياة ومابعدها !

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..