ناقة الله

قال تعالى في الآية (64) من سورة هود: “وَيَا قَوْمِ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ…”
بلا مقدمات أو تمهيد أعني بـ (ناقة الله) الإدارة العامة للحج والعمرة التي تدير شئون الحج والعمرة عبر وزارة الإرشاد والأوقاف. رأينا في الآية السابقة أن ناقة نبي الله صالح عليه السلام لها مكانة مقدسة لا تنالها الأيدي بالسوء مهما كانت بل المطلوب من الجميع أن يتركوها تأكل في أرض الله ولا يمسوها بسوء. وهذا ينطبق تماما على الإدارة العامة للحج والعمرة فهذه المؤسسة لها مكانة كبيرة ومقدسة من بين كل مؤسسات الدولة السودانية، فهي فوق القانون والمحاسبة والمساءلة، تأكل وتشرب كما تريد وتحج كل عام وتقوم بمناسك العمرة كلما حان وقتها، لدرجة أن الفساد استشرى في جميع مفاصلها حتى (غلبها المشي).
هذه الإدارة الأثمة تعتبر نفسها فوق الشعب والحكومة والبرلمان والمراجع العام وسلطة الصحافة لذلك فهي ترتكب الكثير من المخالفات والتجاوزات لأنها “ناقة الله” الآمنة من المحاكمة والعقاب.
لا تستطيع أي جهة في السودان مهما كان نفوذها أو سطوتها أن تلاحق الفاسدين في هذه الإدارة، لأنها (نقاطة) تدر أرباحا مضمونة كل عام وكل موسم عمرة، وهذا كله على حساب المواطن السوداني وعلى حساب معاناته وجوعه ووجعه وفقره وأزماته ونكباته المتلاحقة والمتسارعة كتسارع انفاسه.
إن أقبح (عمل صالح) تقوم به هذه الناقة هو ما يُعرف بـ (حج المؤسسات) المشكلة الأساسية التي تجعل هذه الإدارة عصية على الحساب لأنها تؤمن حجا (بلوشي) وزيادة عليه عمرة (كاملة الدسم) فسحة ونثريات ومصروف جيب وتسوق وكله على حساب (جيبنا).
إن حج المؤسسات أكبر فرية ووصمة عار في جبين المؤسسة الدينية في السودان، لأنه (حج عنصري) يميز بين (حجاج بيت الله) فهؤلاء يحجون ببلاش، وأولئك يدفعون (دم قلبهم) من أجل أن يحظوا بحجة واحدة أو عمرة في رمضان، أما اصحاب الناقة وأقاربها وأهلها وجيرانهم ومعارفهم وأحبابهم فيحجون (حج الفسحة) فيتفسحون ويأخذون المقابل بل يحظون بامتيازات مالية وخدمية، ولسان حالهم يقول لعباد الله المغلوبين على أمرهم الحج مرة واحدة في العمر لمن استطاع منكم إليه سبيلا.
هل تعلمون أن 40% من الحجاج السودانيين هم من (أهل ناقة الله)، وأنهم يحجون خارج نظام التقديم الإلكتروني، وأن الإدارة أحيانا تبيع فرص الحج لأشخاص لا علاقة لهم بمؤسسات الدولة فضلا عن استئثار موظفين نافذين بالدولة بالحج كل عام بينما نصطف نحن وننتظر لسنوات طويلة من أجل عمرة! وأنهم خلال موسم الحج يقومون باستضافة اقربائهم وأبناء اقربائهم وأصحابهم حيث يتمتعون بخدمات الإقامة والاعاشة مجانا.
ورد اسم الإدارة العامة للحج والعمرة في تقارير المراجع العام لخمسة أعوام (ورا بعض) وذلك لأنها تضخمت وفسدت وأفسدت (قدسية الحج) وجعلته مجرد منفعة فقط تقسمها على منسوبيها وتابعيها ونافذيها ومن ألفت قلوبهم وهم يقرأون قول الله تعالى في الآية (28) من سورة الحج “لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ” وبالتأكيد يقصدون المنافع الدنيوية فقط.
كيف يُعقل أن إدارة صغيرة تتضخم بهذا الشكل؟ لدرجة أن البعثة الإدارية التي تسيرها للحج يبلغ عدد أفرادها (178) فردا يعيشون على (قفانا) مع أن المهام التي يقومون بها ممكن أن يقوم بها بضع أشخاص يخافون الله.
هذه الإدارة عبارة عن منشار تأكل وهي طالعة وهي نازلة، فهي تأكل أموال الدولة سحتا مرة عن طريق السلفيات ومرة عن طريق النثريات ومرة ثالثة عن طريق الحوافز والاستحقاقات والعلاوات، ومرة رابعة من خلال الشركات الوهمية والاختلاسات والرشاوي وفوائض الأرباح المتراكمة، او عن طريق الهدايا والتبرعات واموال الحجيج.
أقول لأولئك الحالمين من البرلمانين أو غيرهم من الوطنين الشرفاء أن هذه الإدارة باقية لا يمكن حلها أو خصخصتها لأنها ببساطة (ناقة الله).
أحمد موسى قريعي
[email][email protected][/email]