فليبدأ بنفسه.. البنك المركزي

منتصف العام الماضي كنت أعلق على رسالة تلقيتها من الدكتور أحمد البدوي رئيس شعبة الصناعات الدوائية باتحاد أصحاب العمل.. فكتبت يومها في هذه المساحة.. (كان من أهم ما قاله دكتور البدوي في رسالته تلك.. أنه صحيح أن الصناعات الدوائية الوطنية تحصل فقط على ثلث المخصص من العملات الصعبة لقطاع الدواء.. ولكنها تستحوذ على نحو خمسة وستين في المئة من السوق المحلي.. أي أن الصناعة الدوائية الوطنية تغطي ثلثي احتياجات السوق المحلي من الأدوية بثلث العملة الصعبة المخصصة للقطاع.. وهذا يعني أن الاستيراد الذي يستحوذ على ثلثي حجم العملة الصعبة يغطي فقط ثلث احتياجات السوق المحلي.. فيا لها من قسمة ضيزى.. وأنا أتأمل في هذا المشهد عادت بي الذاكرة إلى نحو عامين.. حين تكشفت معلومات تؤكد أنه وفي ذلك العام فإن نحو أربعين في المائة من العملات الصعبة المخصصة للدواء قد ذهبت لاستيراد مستحضرات تجميل.. أي نعم.. وإن شئت الدقة.. فقل مواد غير الأدوية.. والمواطن يستقطع من قوت يومه.. والدولة تستقطع من مواردها الشحيحة أيضا.. بدعوى استيراد أدوية.. لينتهي المشهد في نهايته باستجلاب مستحضرات تجميل..!)
إذن.. الشاهد أن قضية سوء استخدام العملات الصعبة المخصصة لاستيراد الدواء.. أو سوء توظيف هذه الموارد على قلتها وشحها.. ليس أمرا جديدا.. ولا مفاجئا؟.. وحين أشير في العام 2015 إلى نحو عامين قبل ذلك.. فهذا يعني أنني كنت أتحدث عن وقائع تعود إلى العام 2013.. والمؤكد كذلك أن إثارة الأمر.. أو كشف النقاب عنه في العام 2013.. يعني أن الموضوع كان سائدا قبل ذلك بكثير.. فهذا منطق الأشياء..!
السؤال الذي يفرض نفسه.. لماذا كل هذه الضجة الآن..؟ أو بالأحرى.. لماذا لم تثار كل هذه الضجة إلا الآن.. إذا كان الموضوع قد طرح بقوة.. ولعدة مرات من قبل.. نتابع الآن بنك السودان المركزي وهو يرفع عقيرته مهددا شركات الأدوية ومتوعدا لها بالويل والثبور وعظائم الأمور.. ولكن بنك السودان المركزي ينسى أو يتناسى أن شركات الأدوية هذه لم تلبس طاقية إخفاء ثم تسللت إلى خزائن الدولة.. تخمش ما تيسر لها من العملات الصعبة.. وبنك السودان المركزي الذي يلاحق الشركات الآن.. يعلم قبل غيره أن شركات الأدوية وحدها ما كان بمقدورها أن تفعل شيئا.. إن لم تجد العون والدعم والسند من جهات عديدة.. في الدولة.. وداخل مؤسساتها.. بنك السودان المركزي الذي يتحدث الآن.. وباستحياء.. عن ملايين الدولارات التي تسربت وذهبت إلى غير وجهتها الصحيحة.. يستحي من أن يكشف عن الرقم الحقيقي.. الذي استغله تجار الدواء وسربوه من خزائن الدولة رغم أنف اقتصادها المتهالك.. ثمة من يتحدث عن رقم تجاوز حاجز الخمسين مليون دولار.. وهذا هو المرصود والمكتشف.. فدائما.. ما خفي أعظم..!
إذن.. إن كانت ثمة مسؤولية.. وإن كانت ثمة مساءلة.. وإن كانت ثمة محاسبة.. فحري ببنك السودان المركزي أن يبدأ بنفسه.. وأجدر بالدولة أن تبدأ بمؤسساتها.. وهذا ليس دفاعا عن شركات الأدوية التي استغلت ضعف الرقابة.. أو ضعف الضمائر.. ولا ندري بأيهما نجزم.. بل على الدولة أن تقتص لشعبها عن كل دولار ذهب إلى غير موضعه الصحيح بضعفيه.. ولكن قبل ذلك على الدولة أن تبدأ بنفسها

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. تناول موضوعي ، لأمر هام
    لعلك لاحظت بأن بنك السودان أصبح يمارس أعملاً ليست من صميم إختصاصاته مثلاً وحدة التمويل الأصغر ! كان في وسع البنك المركزي أن يوزع هذه الأموال في شكل دوار علي البنوك المختلفة وفقاً لآدائها و لمعايير يُحددها تتناسب و سياساته في وضع تلك الأموال في خدمة صغار المنتجين و الخريجين و لكنه باشر عملاً تنفيذياً شابته كثير من المشاكل ، بل شبهات الفساد و قد ألممت ببعضعا من تقرير لتلك الوحدة ! يمكن أن أرسله إليك. لعل القراء يلخصونه إن كان موجوداً لدي بعضهم
    مع تحياتي

  2. أخي البرق
    أتيتُ بالجديد و أشرت إلي وقعة محددة و هو تقرير لوحدة التمويل الأصغر – ففيها فساد ظاهر.هل قرأت التقرير ؟ الوحدة في ذلك الوقت كانت تديرها سيدة إسمها هبة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..