علي عبداللطيف قصة حلم سوداني لم يكتمل (2)

6/ علي عبداللطيف وجمعيةاللواء الأبيض :ــــ

الغضب الذي عم قطاعات واسعة من الشعب السوداني بسبب سفر زعماء السودان من الطائفيين والعشائريين ورجالات الدين بعد إنتصار إنجلترا في الحرب العالمية الأولي الي لندن ومقابلة الملك جورج الخامس في العام 1919، حرك العقل الثوري السوداني في إتجاه إيجاد بدائل لهذه الطبقة الفاسدة ، ولذلك كان صعود جمعية الإتحاد السوداني ومن بعدها جمعية اللواء الأبيض ، نشوء الحركة الوطنية السودانية لا بد ان يؤرخ بميلاد هذه التنظيمات التي تشكلت في عشرينيات القرن الماضي ، إختلفت الروايات في إنتماء علي عبداللطيف الي جمعية الإتحاد السوداني ، هناك من يري أنه لم يكن من أعضاء جمعية الإتحاد السوداني ، قال بذلك سليمان كشة ولكن توجد صعوبة في تقبل هذه الشهادة ، للصراعات الشخصية التي كانت بين الرجلين ، و بعض الروايات التاريخية لمعاصرين لتلك الفترة تؤكد أنه كان عضواً بالإتحاد السوداني ، ان لم يكن قبل تقديمه مقاله الشهير الي جريدة حضارة السودان ، من المؤكد أنه أنتسب إليها بعد هذا المقال ، والمقال الذي كان بوابته في الإنضمام الي النخبة الوطنية حدث في العام 1922 حين قدم الي مكتب صحيفة حضارة السودان ، مقال بعنوان مطالب الأمة السودانية ، الصحيفة لم تنشر المقال ولم تكتفي بذلك بل سربته الي المخابرات الإنجليزية وتعرض بسببه للسجن ، والمقال كان مطلبي أكثر مما يحمل رؤي وأفكار كلية ، كان ينادي بزيادة الوظائف للسودانيين ، و توسيع التعليم ، و إلغاء إحتكار السكر ، و إعادة النظر في مشروع الجزيرة . بعد خروجه من السجن صعد نجمه ، وأرتفعت شعبيته . حدث صراع بين عناصر جمعية الإتحاد السوداني ، و علي أنقاض هذا الصراع تكونت جمعية اللواء الأبيض ، أسباب الصراع كانت متعددة لعل أبرزها كان الإختلاف حول أدوار القوي القبلية والطائفية مقارنة مع القوي الحديثة من ضباط الجيش والأفندية والموظفين ، وسبب أخر يتعلق بالإختلاف بين أيهما الأفضل العمل السري أم العمل العلني والصدام ، إضافة الي قضية أخري متعلقة بالرؤية من وحدة وادي النيل حيث كانت قيادات في الإتحاد السوداني تري أن الوحدة بين السودانيين هي الأهم وليس وحدة وادي النيل .

7/ ثنائية علي عبداللطيف وعبيد حاج الأمين :ـــــ

الروايات التاريخية متناقضة فيما يتعلق بمن هو مؤسس جمعية اللواء الأبيض ، هناك بعض الروايات تقول ان عبيد حاج الأمين كان هو القائد الفعلي للجمعية ، جعفر محمد علي بخيت قال ان اللواء الأبيض تكونت بمبادرة من عبيد حاج الأمين وخرج بها من جمعية الإتحاد السوداني لتكون أكثر ثورية ، مصادر تاريخية أخري تؤكد ان علي عبداللطيف كان القائد الفعلي و أن شخصيته عصية علي الإنقياد ، وعلي العموم فقد كان علي عبداللطيف يملك كاريزما القيادة ، كان مثقفاً كبيراً وشجاعاً ويملك قدرة علي المخاطبة وإثارة العواطف وله قدرة علي الكتابة وكان نهم الاطلاع علي الصحف المصرية، وله وجود مؤثر في القطاعات الأكثر شعبية يومها ، ولعل زعامته ساهمت في استقطابها لصالح القضايا الوطنية ، كذلك له تجربة في العمل المنظم فقد أسس جمعية القبائل السودانية المتحدة ، ولعل الحركة أفتقدته في مظاهرات 1924 فقد كان أكثر ثورية وحماساً ، البعض لا يتصور نجاحاً من خارج الطبقة والنخبة القبلية والعنصرية المؤثرة يومها ، و قصة زعامة علي عبداللطيف لا تتسق مع هذه التصورات ، ولكن الحقيقة ان هذه اللحظة كانت فارقة في التاريخ السوداني ، ولك ان تعلم ان الثنائي الوطني عبيد وعلي ينتميان الي جغرافية منطقة الخندق ، كانت والدة عبيد حاج الأمين تنتمي الي أسرة كبيرة من أسر منطقة الخندق ، وكان والد علي عبداللطيف مملوكاً لرجل من أعيان الخندق ، إختيار علي عبداللطيف قائداً لجمعية اللواء الأبيض كان تجاوزاً لهذا الوضع الإجتماعي المعقد ، ورسم لمعالم مشهد جديد لكن للأسف أجهض قبل ميلاده .

8/ فك الإشتباك بين شعارات وحدة وادي النيل وشعارات الإستقلال :ــــــــ

تستطيع بلا تردد ان تتبين وجه التناقض بين شعار وحدة وادي النيل ، وبين دعوات الإستقلال وخروج المحتل ، وهي الشعارات والأدبيات التي نادت بها جمعية اللواء الابيض ، وتثيرك الدهشة لماذا لم تنادي الحركة الوطنية الوليدة يومها بكل شجاعة بإستقلال السودان الكامل من كل محتليه ، البعض يحاول ان يجد صيغة لهذا التعارض بان الأمر كان مجرد مناورة سياسية للتخلص من الإستعمار الإنجليزي الأشد وطأة ثم التخلص من الوجود المصري وهو الأقل تعقيداً ، ولعلك تجد تباين في المواقف علي هذه التصورات عندما تستعرض بعض الأحداث التاريخية ، القوي الثورية في مفاوضات الإنجليز طالبت بأن يمثل السودان في تلك المفاوضات الجانب المصري ، والقوي التقليدية طالبت بأن يمثل السودان الإستعمار الإنجليزي ، وهذا وجه من التناقض وعدم الموضوعية لا تجد له مثال ، كلاهما لم يكن يتحلي بالشجاعة في ان يطالب بان يمثل السودان أبنائه . أحياناً تجد بعض الدلائل التي تفك هذا الإشتباك وتدحض دعاوي ان الحركة كانت شديدة التمسك بوحدة وادي النيل حين تجد ان دستور اللواء الأبيض ينص علي عدم قبول أي مصري في عضويتها ، وكذلك عندما تنظر في حادثة طباعة كتاب المدائح التي أنشدت في المولد في تلك الايام ، والصراع الذي أشتعل بين سليمان كشة وعلي عبداللطيف ، حول عبارة شعب عربي كريم التي كتبها كشة في مقدمة الكتاب ، و أعتراض عليها علي وطلب منه ان يكتب شعب سوداني كريم ، عندها يمكن ان تري ملامح الميول الإستقلالية والشعور الوطني عند قادة اللواء الأبيض .

9/ تأثر الحركةالوطنية السودانية بالحركة الوطنية المصرية :ـــــــــ

في تلك الفترة التاريخية لم تكن تملك النخبة السودانية ميراث من النضال والوعي كافي للتعامل مع المستعمر ، ولذلك من الطبيعي ان تقتفي الأثر والتقليد عند الجوار ، ومصر كانت الأقرب الي الوجدان السوداني يومها ، ولذلك ستجد تشابه الخطوات التي أتخذتها ثورة 1924 مقارنة بالثورة المصرية في 1919 ، بل حتي المواقف الشخصية ستجد فيها التشابه ، موقف علي عبداللطيف من المفتش الإنجليزي و رفض تحيته هو تكرار ذات ما فعل محمد نجيب في ثورة 1919، تنميط العازة زوجة علي عبداللطيف أم للسودانيين علي نسق صفية زوجة سعد زغلول أم المصريين ، هذه الجزئية فيها خروج عن السياق التقليدي في أدوار المراة ، والعازة يومها ترفع صوتها بالزغاريد للمتظاهرين ، رغم ان الروايات التاريخية تقول ان أم العازة فاطمة هي التي رفعت صوتها بالزغاريد ، كذلك بيت الأمة لسعد زغلول علي نسقه كان بيت علي عبداللطيف الذي ذهب اليه المتظاهرون ورفعوا التحية العسكرية لأسرته ، حتي الشعارات في مظاهرات ثورة 1924 كانت هي ذات شعارات ثورة 1919، يعيش الملك فؤاد ملك مصر والسودان ، يعيش سعد زغلول . ببساطة تستطيع بلا تردد ان تقول ان ثورة 1924 هي نسخة كربونية من ثورة 1919 المصرية ، ولا تستطيع ان تحكم بمعايير العصر الحالي وتوجساته وتقول ان تأثر الوطنية السودانية بالوطنية المصرية كان عيباً من عيوب النخبة الوطنية يومها .

10/ رد الفعل السوداني علي التخاذل المصري في ثورة 1924 :ــــ

رد الفعل المصري علي المواقف الشجاعة والنبيلة التي قدمها أبطال ثورة 1924 تجاه الفرقة المصرية في السودان كان مخزياً ، في نوفمبر 1924 حينما رفضت الفرقة المصرية أوامر الإنسحاب من السودان ، حوصرت في مقراتها من قبل الجيش الإنجليزي ، عندها تحركت فرقة سودانية لفك الحصار ، وحدثت معركة كبيرة دمرت فيها كل القوة السودانية ، لم تتحرك القوات المصرية لنجدة القوات السودانية التي سعت الي فك حصارها ، بل غادرت القوات المصرية ولم تدفن بعد جثث القوات السودانية ، كذلك موقف الفرقة المصرية من حصار سجن كوبر وضرب السجناء كان مخزياً جدا لم تستجيب لرسائل الإستغاثة ، كذلك ما حدث في عطبرة حين تعاونت الفرقة المصرية مع الجيش الإنجليزي لضرب الثوار ، كذلك في تلودي بجبال النوبة حين صدر الأمر بإخلاء القوات المصرية من السودان ورفض الضباط المصريين تنفيذ الأوامر جردهم الإنجليز من أسلحتهم ، تصدت القوات السودانية وأحتلت المدينة لأيام تضامناً مع القوات المصرية . مع نهاية ثورة 1924 والخزلان الذي وجدته الطليعة الوطنية السودانية ، أخذت شعارات وحدة وادي النيل في التراجع و أشتعلت مشاعر الغضب تجاه الجيش المصري والوطنية المصرية ، ورسمت هذه الأحداث معالم مسار جديد للعلاقات بين السودان ومصر ، تصوري أنه ما يزال يحكم العلاقة بين البلدين.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. (((لماذا لم تنادي الحركة الوطنية الوليدة يومها بكل شجاعة بإستقلال السودان الكامل من كل محتليه ، البعض يحاول ان يجد صيغة لهذا التعارض بان الأمر كان مجرد مناورة سياسية للتخلص من الإستعمار الإنجليزي الأشد وطأة ثم التخلص من الوجود المصري وهو الأقل تعقيداً))

    كلامك دا بكضبوا وجود أمثال مصراويين الهوى مع العرق التركي زي سليمان كشة وقريبه صالح عبد القادر الذين احتفظا بعلاقاتهما المصرية الشخصية بالمصاهرة حتى بعد استقلال السودان هذا فضلا عن اختلافهما البين مع علي عبد اللطيف السوداني الصرف

  2. (((لماذا لم تنادي الحركة الوطنية الوليدة يومها بكل شجاعة بإستقلال السودان الكامل من كل محتليه ، البعض يحاول ان يجد صيغة لهذا التعارض بان الأمر كان مجرد مناورة سياسية للتخلص من الإستعمار الإنجليزي الأشد وطأة ثم التخلص من الوجود المصري وهو الأقل تعقيداً))

    كلامك دا بكضبوا وجود أمثال مصراويين الهوى مع العرق التركي زي سليمان كشة وقريبه صالح عبد القادر الذين احتفظا بعلاقاتهما المصرية الشخصية بالمصاهرة حتى بعد استقلال السودان هذا فضلا عن اختلافهما البين مع علي عبد اللطيف السوداني الصرف

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..