القطران.. صناعة ريفية تمدنت: من حبيبات الحنظل والبطيخ.. تصنع كريمات الوجه

الخرطوم ? محمد عبد الباقي
صوت بائع الأعشاب يجلجل عبر مكبر الصوت الذي جلبه معه بسبب خلو أطراف العاصمة من الكهرباء والمولدات، يردد: القِطران لتبييض البشرة وتطويل الشعر وعلاج الأمراض المستعصية (الحساسية، القوب، الجرب..الخ)!، لم يُصدق رجل كهل كان يقف على مُقربة منه أذناه، حيث عقدت الدهشة لسانه، لأنه لم يكن يتوقع أن القطران الذي يستخدم في قريته النائية في مسح الإبل والقِرب والسعون يدخل ضمن أدوات التجميل التي تستخدمها حسان الخرطوم! حينها علم السبب الحقيقي لغلاء أسعار القطران وكثرة الطلب عليه من الغرباء الذين يدخلون القرية بين الفينة والأخرى، وجيوبهم مُكتنزة بالأموال بحثاً عنه.
الحبوب مصدره الأول
القطران من الصناعات الشعبية القديمة التي عرفت في المناطق الريفية في أطراف السودان قبل عشرات السنوات، ونجد أنه لا يزال متداولاً هناك، وله الكثير من الاستخدامات التي سوف نتطرق لها لاحقاً.
هكذا ابتدر (محمد إبراهيم الشيخ) الحديث عن القطران، حيث قال: إن القطران يستخلص من عدد من أنواع الحبوب الزيتية كالبطيخ بأنواعه المختلفة والحنظل وحبوب زيتية أخرى. وأضاف (محمد إبراهيم) أن البعض يستخلصه من حبوب البطيخ الملونة لأن الحبوب البيضاء تستخدم في صناعات أخرى تقليدية وحديثة، ولهذا يلجأ الشخص الذي يعمل في صناعة القطران إلى الحبوب الملونة خاصة تلك التي تستخلص من البطيخ الذي يعرف بـ(العَلج)، وهو غذاء مهم للحيوانات خاصة الإبل.
وكذلك يتخلص من حبوب الحنظل المعروف والحُور الذي يشبه الحنظل كثيراً وكل هذه الأنواع تنتج أنواعاً مختلفة من القِطران.
للأغراض الشخصية
في السابق، كان القطران معروفاً في الأرياف لأن السكان في تلك البقاع هم الذين يستخدمونه لكن اليوم أصبح معروفاً حتى في المدن الكبيرة، وكذلك خارج السودان لأن استخداماته تعددت كثيراً بحسب (مصطفى محمد آدم)، الذي قال: كان مواطنو الولايات فقط هم الذين يجيدون صناعته، لكن بعد أن اكتشف الناس فوائده المتعددة لجأ الكثيرون لتعلم صناعته من أجل الكسب المادي لا الحاجة فيه كما كان سكان الأرياف الذين كانوا يصنعونه من أجل استخداماتهم الخاصة لا التجارة فيه.
دهن السعون والقُرب
ويستخدم القطران على حد قول (مصطفى محمد) الذي في أغراض كثيرة منها دهن الأدوات التي يجلب بها سكان الريف الماء كـ(السُعُون والقِرب والسِقَي)، وجميع هذا الأشياء المذكورة تصنع من جلود الأبقار والأغنام، وإذا لم يتم دهنها بالقِطران تتعرض للتلف في وقت وجيز. وكذلك تدهن به بعض الأواني كالقدح وأيضاً يُستخدم في عملية تنجيض سياط العنج وتطلي به سروج الدواب ليمنحها متانة وقوة.
علاج للحساسية والتجميل
فى السابق لم يعرف الناس الفوائد الكثيرة التي توجد في القطران لكن حديثاً تم الالتفات إليه، وبدأ يدخل في علاج عدد من الأمراض، وكذلك دخل في مواد التجميل والزينة كما ذكر (التوم إمام) الذي يعمل تاجر قطران حيث قال: في السابق كان القطران يستخدم في أشياء محددة ومعروفة لكن بعد تطور العلوم وعودة الناس للعلاجات الطبيعية أو المستخلصة من الطبيعة أُكتشفوا أن القطران يعالج الحساسية والبهق والقُوب والجرب، وأيضاً دخل في أدوات ومواد التجميل، إذ صارت الكثير من الفتيات يقبلن على شرائه من الأسواق لأنهن يستخدمنه في تنظيف وتبيض العيون وتفتيح البشرة وتنعيمها ويطيل الشعر ويزيل القشر، ويمنح الشعر سواداً ونضارة، وكذلك يستخدم في الشتاء لمنع تشقق الجسم.
الحنظل الأفضل وحبيبات البطيخ الأعلى سعراً
كغيره من السلع أصبح القطران يباع في عدد من المناطق أشهرها سوق أبوزيد بأم بدة وسوق أم درمان، حيث يباع في هذه الأسواق بالجركانة والرطل والكوز، ولكن ليست له أسعار ثابتة، فدائماً نجد أن أسعاره تتغير في كل يوم بحسب الإقبال والطلب عليه من قبل المشترين الذين تتعدد أغراضهم وحاجتهم له.
أكثر الحبوب التي يستخرج منها القِطران هي حبوب الحنظل والبطيخ. وذكر (مصطفى محمد) أن القطران الذي يستخرج من حبوب الحنظل أجود من الذي يستخدم من حبوب البطيخ
اليوم التالي