الدعوة إلى (الفضيلة) طريق المستبد إلى الرذيلة

الأخلاق (الفاضلة) عنوان فضفاض (لا) يتفق عليه البشر أبداً، وإن كانوا يدورون حوله ولكنهم لا يلامسونه أبداً، يقاربونه حين يتحركون عفوياً في إطار المفاهيم الكبرى، ويجانبونه حين يقصدونه عبر أنماط سلوكية محنطة، لأنهم حين يفرضون أنماطهم السلوكية (الفاضلة بفهمهم) يكونون قد أعلنوا أنفسهم تلقائياً وكهنوتياً أنهم النموذج والقمة والتجسيد السامي للقيم الدينية دون غيرهم، وهكذا تنشأ الظاهرة الفرعونية (مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ)، في مقابل ما يُفهم من الآية الكريمة (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ).
اللسان (وهو اللغة في السياق القرآني) ليس قاصراً على عمليات التواصل، فاللُّغة تمثل وجود المجتمع نفسه في شكل (Software)، فهي تحوي القيم والرموز والتاريخ والخبرات والأشواق والثقافات والايديولوجيات ومصادر الخوف والأمن إضافة إلى المنتجات الحضارية المادية في مستوياتها المفاهيمية، بينما (الألوان) هي التمثلات المادية (Hardware)لهذ (اللسان) بكل ما يحتوي، إضافة إلى لون وشكل وبنية حامل اللغة من ناحية المظهر الخارجي (Morphology).
مفهوم الفضيلة (يتلون) عندما نَعْبُر به من (مجال لساني) إلى آخر، قيم مثل (الكرم والشرف)، تترأس قيم المجتمعات البدوية (المتوحشة)، فالمبالغة في الكرم نتيجة منطقية لقسوة الجوع في البادية، والمبالغة في الذود عن الشرف نتيجة منطقية للخوف من سبي النساء، فكل قيمة ترتفع وتهبط في سلم القيم بحسب الحاجة والخدمة التي تؤديها.
لذلك تهبط قيم الكرم والشرف إلى أدنى سلم القيم في بعض الشعوب، مفسحةً المجال لقيم فاضلة أخرى أكثر (فردانية) مثل (العمل وتحقيق الذات)، لذلك يجد المسؤول الياباني على سبيل المثال قيمة الشرف في العمل وليس في (المرأة)، لأن المرأة بحسب ثقافته كائن له ذات قادره على حماية نفسها، لذلك فهو يفضل الانتحار على أن يواجه المجتمع في قضية (فساد) مالي أو إداري.
بينما المسلم العربي (تحديداً) في قضايا (الشرف) يفضل القتل وليس الانتحار لأنه أناني ومنافق وجبان لا يقوى على الانتحار، بينما هو نفسه في المجتمع (الشريف جداً) يصبح من (الصفوة والنخبة) إذا ما كان مسؤولاً فاسداً أو سارقاً أو مغتصباً لأعراض وأموال المجتمع (الشريف جداً)، والمجتمع لا يجد غضاضة في أن يحترمه ويقدسه ويقدمه ويفخر به ولا ينزعنَّ يداً عن طاعة، طالما بقي على رأس سلطة الفساد، بل يحرِّم أي خروج أو حتى الكلام عن جرائمه، في حالة نفاق وعُهر اخلاقي عجيبين، ثم نخرج (مخلصين جداً) في مظاهرات يموت فيها نصفنا وتنفجر فيها حلاقيم النصف الآخر لمنع المرأة من الخروج (سافرة الرأس).
عندما تتصدى (جماعة) لتقديم الفضيلة في شكل أنماط سلوكية، فإن هذه الجماعة تستبطن في أعماقها إحساساً بالتفوق، وبالتالي قدراتها ومزاياها الشخصية الراقية ستعلو تلقائيا على كل من سواها، فتصبح هي (الصفوة والنخبة وطبقة العلماء) مقابل (العامة ورجل الشارع، واصحاب البدع)، هذا الاحساس بالتفوق (المرضي) أفرز طائفة الأشراف وآل البيوتات ودعاة الحركات (نسوية وتقدمية وتحريرية وانسانية وحقوقية)، الذين يخرجون في مظاهرات يموت فيها النصف وتنفجر فيها حلاقيم النصف الآخر لدعوة المرأة للخروج (سافرة الرأس).
الفضيلة إن لم تكن (جاذبة) وعن إختيار حر خالٍ من إكراهات الجوع والعوز والفقر، فهي ليست فضيلة وإنما هي وسيلة المستبد إلى الرذيلة، لأنها تفضي إلى خلق مجتمع ينافق نفسه (يدعو إلى الشيء ويفعل ضده)……………….
صديق النعمة الطيب
[email][email protected][/email]