نداء السودان (أم) خذلانه وضياع أمره

د. الوليد آدم مادبو

الجزء الأول (1-2)
إن تضارب الاقوال داخل “نداء السودان” وتضخم الآراء حول الجنائية، هي مجرد ظواهر لصراع عميق يدور علي مستويات الواقع بين القوي التقدمية والقوي الرجعية، صراع يدور بين مجموعات تسعي لخلق مجتمع مغاير تسوده المساواة، الحرية والكرامة الإنسانية، ومجموعات تري في هذا التضامن البشري الهائل مهدداً لمستقبل السودان. ولذا فهي لا تدخر جهداً في الابقاء علي منظومة القيم القديمة تحت ذريعة “التسوية السياسية” اللازمة للحفاظ علي ما بقي من السودان.

ما هو عرضة للخطر اليوم هو بقاء السودان مستنداً علي هذه المرافعات الكاذبة التي لا يحضر فيها الانسان السوداني، الدارفوري خاصة، إلا و “حضوره مرتهن بالنفي”، ثقافته مترعة بالوهم، تراثه متخم بالدجل، وذاكرته التاريخية مفعمة بالانكسار. هلا اصطحب “نداء السودان” معطيات الواقع اليوم وما يحدث في البطانة ونيالا وكسلا والقضارف والميرم وحتي أحياء الخرطوم مثل مايو والسلمة، أم إنه سيستمر في المغالطة وتصور أن أفضل وسيلة لحل المعضلة، معضلة العنصرية المؤسسية، هو تفاديها؟

كاد السودان ان ينقسم علي أسس عرقية بعد أن انقسم علي أسسي جغرافية ومناطقية، لولا أنه لا يمكن إجراء فصل عرقي إلا بإقامة مستوطنات داخل كل حلة أو حليلة يشمل ذلك ود بانقا. يروي أن بعض المتطرفين من أبناء النوبة قالوا يوما للشهيد قرنق في أوج الفتنة التي أشعلتها الطائفية والإمبريالية الإسلامية، “ما دايرين عربي واحد في الجبال.” فرد عليهم بدهائه المعهود وابتسامته الساخرة، “كويس بس طلعوا لي النوبة الساكنين والمشتتين في بقاع السودان الأخرى.” فأسقط في أيديهم ولم ينطقوا بكلمة. لم تكن العنصرية (والعنصرية المضادة) أفة دارفورية وحدها حتي تنتقل الي الشرق أو الوسط، بل كانت وستظل مشكلة سودانية يؤجج لها وجود قيادات تؤمن بالقداسة الدينية والهرمية العرقية تتبعها قيادات تنتهج نهجاً تكتيكيا يعيق إمكانية تحقيق الهدف الاستراتيجي الأعلى متمثلا في العدالة والكرامة الإنسانية دون أدني مساومة.

عوض عن التعويل علي هذا التحالف الهش والذي لم يعد يغض مضاجع “الجداد”، يجب الاسراع بتكوين منصة تشمل جميع القوي الرافضة “للمنظومة” بأسرها، وليس فقط المعادية للنظام، تجميعاً لا يعفيهم عن القيام بمراجعات فكرية لازمة وبلورة رؤي أخلاقية نافذة لا تعني بتصورات “المجتمع الدولي” المتوهم لدور “الشرعية التاريخية”، قدر اعتمادها علي الجيل الجديد في إنزال هذه المفاهيم الي الأرض. يجب أن لا ننطلق من واقع الأزمة السياسية التي نعانيها — والتي أصبحت بمثابة أزمة النفسية، بل أن ننطلق من واقع المستقبل الذي نتصوره للأجيال القادمة.

كان ذلك دأب المفكرين بعد الثورة الفرنسية والتي عاش الشعب بعدها في متاهة دامت 80 عاماً. ولو أنهم توانوا وتهاونوا أو تحالفوا مع الطاغوت لم يكن شأنهم اليوم شأن الشعوب المتحضرة والأبية، بل المعتزة بإرثها وحاضرها والرامية إلي تحصين مستقبلها. انظر حساسية الفرنسيين اليوم تجاه قضية تتعلق بتهمة ضرب الحرس الشخصي لماكرون لاحد المتظاهرين، وتبلد حس النخب المركزية عندنا تجاه “مشروع الإبادة الجماعية” (وإقالة السكان الأصليين عن موطنهم وإهانتهم)، الذي لم تستنكف منه الدولة ولن تسعي لإيقافه حتي يستحيل السودان الي دمار، وما تجربة رواندا أو زنجبار منا ببعيد.

إن من يرتضي قيادة شخصية رجعية، فإنه إنما يسعي لتحسين شروط العبودية ويقنن لا شعورياً وتلقائياً لدونية عرقية، ومن يسعي لاستثمار محنة أهله متعللاً بضيق العيش ونفاد السبل، فإنما يتغوط علي أرثه النضالي ويتبول علي ميثاقه الوطني، ذاك الذي أبرمه مع الرفاق — الذين باتوا رفات. ليس المشكل مشكل برامج وبيانات ومغالطات في شأن الجنائية، بل المشكل مشكل مبادئ ومرافعات وإبقاء علي رمزية نضالية تسمو فوق الدَنِية ولا تعلو علي الرعية. هذا إن أردنا تشييد السودان علي أسس ديمقراطية وعلمية. هاتان الخصلتان اللتان لا تتمشيا، بل تتعارضا مع مفهوم الحاكمية — النسخة الصارخة للديمقراطية الدينية — الذي يقر مبدأ الإسقاط للحلول ولا يعول علي التجريبية التي تجعل الأنسان يفهم الدين وفق ما تملي علي إنسانيته (تأملات في القراءة الإنسانية للدين، محمد مجتهد شبستري).

أقدر صعوبة اختيار قيادة حيوية من بينكم لأنكم جربتم وفشلتم وكنتم في الخرطوم تختالون والشعب يرقبكم. بيد أن أسلوبكم هذا يعبر عن حيرة وعدم ثقة في النفس أكثر مما يعبر عن بسالة ونضج فكري. كيف يمكن لجماعة انتدبت شخصا لقياداتها أن تقول أن تصريحه يمثل وجهة نظره ولا يمثل وجهة نظر المجموعة؟ هل كان يمكن لمارتن لوثر كنج أن يقبل إمرة زعيم من زعماء البيض المهوسين والمؤمنين بأفة النقاء العرقي أو أن ينتدبه متحدثا باسم الجماعة ثم لا يلبث أن يعقد مؤتمراً صحفياً في كل مرة مفنداً لأقواله ونافياً لهلوسته؟ أؤكد لك أن الأخير لو عرضت عليه الأمارة فلن يقبلها اتساقا مع ذاته المجرمة ومبادئه المنحرفة. هكذا هم مبدئيين حتي في إنحرافهم!

هذا الأمر يجوز في شأن السياسات وليس المبادئ، هذه ليس إشكالية فكرية هذه ضبابية أخلاقية. رفض مانديلا “عنصرية البيض” وهو داخل السجن ورفض “عنصرية السود” المضادة وهو خارج السجن وأيقن بأنه ما لم يتخلص من الغضب فإنه سيظل أسيرا وسجيناً. خرج مانديلا من السجن وهو يحس “أنه أكثر اخضرارا من البحر” و”أكثر فتوة من النهار” (اذا جاز لنا استعارة العبارة من أدونيس)، ولسان حاله يقول:

أخلق أرضاً تثور معي وتخون
أخلق أرضاً تجسستها بعروقي
ورسمت سماوتها برعدي
وزينتها ببروقي،
حدها صاعق وموج
ورايتها الجفون.

لا تقاس نجاحات الشعوب بمعاناة أبطالها، إنما بالأمل الذي تبعثه تلك التضحيات في نفوس أبنائها. كي يتحقق لدينا “الإقلاع الحضاري الشامل”، يجب علينا أن نحمي ماضينا من النقل، حاضرنا من الاستعارة، ومستقبلنا من وهم “العقد الاجتماعي” الذي تفرضه إرادة القوي الاجتماعية المسيطرة والمهيمنة، في هذه الحالة “الجلاد” الذي تسبب — متنكراً تارة باسم الليبرالية ومستتراً تارة اخري باسم الدين — في كافة الهزائم التي لحقت بنا. علينا أن نأخذ قضيتنا بأيدينا وألا نسمح للأنبياء الكذبة بالمتاجرة فينا. ما الذي يمنعنا وقد بدأت ملامح السودان الجديد تتشكل في الأفق — وليس العريض أو نحوه من الإفك اللغوي الذي يفتقر إلي أي مضامين فكرية؟ يطمئننا الفيلسوف المغاربي العظيم، المهدي المنجرة، الي أن “عبقرية الابداع الانساني أبانت طيلة المراحل التاريخية، بأنها قادرة علي قهر كل أشكال التسلط كيفما كان قدرها” (قيمة القيم، المهدي المنجرة، ص:116).

إن الهزيمة المعنوية التي أصابتنا جميعاً من جراء الخيبات المتتالية هي التي تمنعنا من التنسيق الحيوي بين كآفة قوي الريف السوداني، كما التبعيض والتخذيل الذي تتسبب فيها القوي الرجعية معتمدة علي إعلام المركز ودعوماته المتواصلة. الأدهى من ذلك كله تسيب الإنسان السوداني، نخبه خاصة، واعتماده عبر التاريخ علي مخارجة غيبية أو ما ورائية لم تجر عليه غير الوبال، غير أبه بضرورة التخطيط، المثابرة والتدقيق. ليس أدل من تداول الناس، عوامهم ونخبهم، لتفاصيل “الحل المصري” وزيارة العميل المزدوج الي أرض الخرطوم في زيارة خاطفة يطمئن فيها أولياءه إلي تمكنه من محاصرة “الكيزان” وهو إنما يريد أن يؤكد علي سلامة عرشه وضمان تدفق السيولة والحصص إلي بطانته. باختصار، الوضع يمكن ان يوصف بأنه “مأساة جنرالات خائفين في شمال الوادي وجنوبه” وليس مفاكرة في الشأن الجيو استراتيجي تعني بمستقبل شعوب وادي النيل!

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. ليوقد كل منا شمعة بدﻻ عن لعن الظﻼم !
    أنسخ هذا وأرسله الى دائرة معارفك في الواتساب
    وأسالهم أن يمرروها لمعارفهم ? وهكذا ?
    ???????????????????
    1. العصيان المدني المفتوح حتى سقوط النظام هو الحل

    2. على المغتربين دعم العصيان ماديا بسلاح سوداني أصيل هو ” النفير ” ، وذلك بتوفير الضروريات الحياتية 1‏) للأسرة الممتدة و 2 ‏) لغير المقتدرين في الحي الذي يسكنونه . وللمقتدرين جدا منهم التبرع في صندوق قومي لتمويل العصيان المدني.

    3. على كل أحزاب وقوى المعارضة الشريفة أصدار بيانات تتعهد فيها بان كل من يتم فصله بسبب مشاركته في عصيان السودان المدني المفتوح ستتم أعادته الى منصبه بأثر رجعي بمجرد سقوط نظام النازية المتأسلمة .

    4. يجب أن نفعل كلنا كل ما نستطيع لهزيمة ذريعة ورهان النظام الذي يقول :” ديل عمرهم ما حيثوروا ﻻنهم خايفين من الرفد وقطع الرزق والجوع العطش والفلس !”

    5. اﻷجدى للمبادرين بالمحاولة تلو اﻷخرى لتوحيد العمل المعارض اﻹنضمام الى مبادرات سابقة اكثر إحتوائية، آخرها ما ورد بتفصيل في معرض المداخلات على مقال عبد الواحد محمد نور هذا في الراكوبة قبل أسبوع

    https://www.alrakoba.net/news-action-show-id-304648.htm

    تجد تحت المقال أدناه خطوات التنفيذ المحكم للعصيان.

    https://www.alrakoba.net/articles-action-show-id-89127.htm

  2. السودان بلد متعدد القبائل وولائه للقبيلة قبل الوطن. توجد ١٦٠ قبيلة في دارفور وحدها. قيادة السودان بمختلف أعراقه ولغاتة والتحديات الإقتصادية والتنموية والتعصب القبلي تتطلب قيادة حديدية فريدة من نوعها. ليبيا كمثال: القزافي كان بدوي وقاد بلده المتعدد القبائل بدبلوماسية برغم أخطائه وفر لشعبه العيش الكريم وأسس مشروع زراعي في الصحراء أبهر الغرب. لا توجد عدالة كاملة ولا مساواة كاملة على كوكب الأرض في أي بلدٍ كان. على القائد المنتظّر العمل بكل وسعه للم شمل السودان وإعادته لعجلة التنمية من جديد.

  3. نعم د. مادبو الصغير بن الدكتور الكبير بن الناظر ولكن يا ليتهم يفقهون ولو بعد حين.ورششششهم رشاهم البلا
    ودمتم

  4. ليوقد كل منا شمعة بدﻻ عن لعن الظﻼم !
    أنسخ هذا وأرسله الى دائرة معارفك في الواتساب
    وأسالهم أن يمرروها لمعارفهم ? وهكذا ?
    ???????????????????
    1. العصيان المدني المفتوح حتى سقوط النظام هو الحل

    2. على المغتربين دعم العصيان ماديا بسلاح سوداني أصيل هو ” النفير ” ، وذلك بتوفير الضروريات الحياتية 1‏) للأسرة الممتدة و 2 ‏) لغير المقتدرين في الحي الذي يسكنونه . وللمقتدرين جدا منهم التبرع في صندوق قومي لتمويل العصيان المدني.

    3. على كل أحزاب وقوى المعارضة الشريفة أصدار بيانات تتعهد فيها بان كل من يتم فصله بسبب مشاركته في عصيان السودان المدني المفتوح ستتم أعادته الى منصبه بأثر رجعي بمجرد سقوط نظام النازية المتأسلمة .

    4. يجب أن نفعل كلنا كل ما نستطيع لهزيمة ذريعة ورهان النظام الذي يقول :” ديل عمرهم ما حيثوروا ﻻنهم خايفين من الرفد وقطع الرزق والجوع العطش والفلس !”

    5. اﻷجدى للمبادرين بالمحاولة تلو اﻷخرى لتوحيد العمل المعارض اﻹنضمام الى مبادرات سابقة اكثر إحتوائية، آخرها ما ورد بتفصيل في معرض المداخلات على مقال عبد الواحد محمد نور هذا في الراكوبة قبل أسبوع

    https://www.alrakoba.net/news-action-show-id-304648.htm

    تجد تحت المقال أدناه خطوات التنفيذ المحكم للعصيان.

    https://www.alrakoba.net/articles-action-show-id-89127.htm

  5. السودان بلد متعدد القبائل وولائه للقبيلة قبل الوطن. توجد ١٦٠ قبيلة في دارفور وحدها. قيادة السودان بمختلف أعراقه ولغاتة والتحديات الإقتصادية والتنموية والتعصب القبلي تتطلب قيادة حديدية فريدة من نوعها. ليبيا كمثال: القزافي كان بدوي وقاد بلده المتعدد القبائل بدبلوماسية برغم أخطائه وفر لشعبه العيش الكريم وأسس مشروع زراعي في الصحراء أبهر الغرب. لا توجد عدالة كاملة ولا مساواة كاملة على كوكب الأرض في أي بلدٍ كان. على القائد المنتظّر العمل بكل وسعه للم شمل السودان وإعادته لعجلة التنمية من جديد.

  6. نعم د. مادبو الصغير بن الدكتور الكبير بن الناظر ولكن يا ليتهم يفقهون ولو بعد حين.ورششششهم رشاهم البلا
    ودمتم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..