(كيزان) أوروبا

في الأسبوع الأخير من شهر فبراير الماضي ألغت مرشحة اليمين الفرنسي للرئاسة، مارين لوبان لقاء كان من المفترض أن يتم بينها ومفتي لبنان، خلال زيارتها البلاد.. البروتوكول في لبنان يفرض على النساء تغطية الرأس عند لقاء المفتي، لكن لوبان رفضت- بشدة- وحجتها أنها لم تضع غطاء الرأس حتى عند لقاء شيخ الأزهر.. في النهاية اعتذرت وبلّغت مرافقيها أن ينقلوا تحاياها إلى المفتي.

قبل يومين كانت محكمة العدل الأوروبية تؤيد باتجاه آخر بروتوكول المفتي، المحكمة قررت تأييد منع ارتداء الرموز والألبسة الدينية، ويشمل ذلك الحجاب في أماكن العمل.. وأصبح للشركات والمؤسسات حق كامل في فرض لباس محدد، ومنع آخر، وهذا وفقا للقانون.

المشهد يعيد إلى الأذهان حادثة رجال الشرطة، وهم يجبرون- بالقوة- إحدى النساء على نزع ملابس بحر (إسلامية) في أعقاب الحملة على ما يُعرف بـ (البوركيني) في الشواطئ الفرنسية.

ذلك المشهد، وهذه القرارات التي صدرت من محكمة العدل الأوروبية ردة كبرى تجتاح أوروبا.. كنا نعتقد، ولا نزال أن هذا الهوس لا يُمكن أن يحدث إلا في بلادنا.. أن تكون ملابس النساء مرتبطة بالأمن القومي، وحفظ العقيدة.

صعود اليمين في بعض دول أوروبا- صحيح- هو نتاج صعود التيارات المتطرفة في العالم الإسلامي، لكن لن يكون التطرف المضاد ترياقا للتطرف، هذا إن لم يعزز تمدده.

ليس بعيداً أن تفوز لوبان بانتخابات الرئاسة المزمع إجراؤها في أبريل؛ فقد تقدمت في الانتخابات الإقليمية.. مارين تتجاوز ترمب في حملتها الانتخابية، ويبدو دونالد ترمب متسامحاً مقارنة بما تخطط له زعيمة الجبهة الوطنية، مارين صاحبة مقولة “لن نرحب بالمزيد من الناس.. انتهى، لقد اكتفينا”، إذا ما فازت ستحوّل فرنسا إلى غرفة صغيرة مغلقة.

هذا التصاعد للخطاب الشعبوي، والقاعدة العريضة لمقبوليته، والتصفيق له يرتد بأوروبا إلى عهد سحيق، ليس المؤسف- فقط- في أن المسلمين هم من يقع عليهم الضرر الأكبر؛ ما قد يجعل الإسلام فاصلاً حقيقياً في حياة الملايين، وليس في تنامي حدة خطاب الكراهية المتصاعد والذي- ربما- يقود إلى أن يبقى كل في بلده.

المؤسف- أن الأنموذج الذي يجذب ويحج إليه كل العالم بمختلف دياناته وأعراقه وثقافاته يتهدم بأيدي الذين صنعوه وأسسوه، ومكثوا فيه قرونا.. وكي يُعاد بناء ما هدمته الكراهية يحتاج إلى ذات القرون.

سيبقى- بالنسبة إلينا- أن الأنظمة التي ترعى الكراهية تفرض أنماطا محددة، فُرضت علينا فرضا، أما في أوروبا والولايات المتحدة فقد اختاروها بمحض إرادتهم.

التيار

تعليق واحد

  1. العالم يسير نحو الهرمنة Harmonizing السعى حثيث لالغاء او تقليل الفوارق الثقافية و الدينية و ما نجده فى كثير من المؤسسات من رفض للرموز الدينية كالحجاب و الصليب و غيرها.. انظرى الى الاعلام.. قلل و بصورة كبيرة او فلنقل ساهم الى حد كبير فى نشر ثقافة عالمية موحدة بدءا من الازياء و مرورا بكثير غيرها.. هل الأمر طبيعى؟

  2. مفتى لبنان شخصيا لم يرغب فى لقاء مارى لوبان لانها رمز للتطرف ولم تات الى لبنان الا لتقول عكس ذلك .
    الشعب الفرنسى وبرغم ما يبدو من ملامح ردة ظاهرة الا انه ابعد الشعوب عن التطرف والسير الى الوراء وانى متاكد ان لوبان لن يختارها هذا الشعب الذى علم الشعوب الثورات رييسة له ولو بعد وقتت طويل .

  3. هذا رائع.
    الكراهية سواءً فُرِضت أو أُخْتيرت ليست طريقة مستقيمة.الأولى إختيار الحب بدل الكراهية.

  4. الأحزاب الليبرالية و التقدمية في أوروبا أجبرت على مزايدات اليمين المتطرف حتى لا تفقد ناخبيها!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..