مشروعية الوثبة تواجه مراكز القوى وثيقة الحوار.. مخاوف الممانعة الداخلية!

الخرطوم: خالد سعد
يتفق غالبية المحللين على أن تنفيذ توصيات مؤتمر الحوار الوطني، تواجَه بعقبة إشراك الممانعين المعارضين في الخارج، لكن هذه العقبة تبدو سهلة في حال نظرنا إلى عقبات الداخل.
كيف؟
رغم ما يبدو من مواقف متباعدة بين الحكومة وتحالف نداء السودان المعارض، إلا أنهم جميعاً متفقون على (خارطة طريق) للوصول إلى تسوية، وبالتالي تبدو احتمالات توصلهما إلى اتفاق، مسألة وقت، ومرهونة بمدى قدرة الوساطة الإفريقية على دفع الطرفين للانخراط في جولة جديدة.
وبما أن المؤشرات الإقليمية والدولية تظهر ضغوطاً في اتجاه التسوية بين الفرقاء السودانيين، فإن الحكومة تبدو في وضع مريح إذا استمرت في تنفيذ توصيات الحوار على نهجها دون انتظار الممانعين، لكن هذا الوضع لن يستمر طويلاً إذا لم تدفع توصيات الحوار بإصلاحات سياسية جذرية، أقنعت جميع الأطراف بأن تغييرًا حقيقياً يحدث على أرض الواقع.
ويرى كثير من خبراء السياسة، أن المعارضة لا تبدو أحسن حالاً من الحكومة، فالمعارضة الرئيسية التي يمثلها حالياً الصادق المهدي زعيم حزب الأمة، مشغولة بخلافات داخلية، وهي أيضاً غير راغبة في سيناريو التغيير المفاجئ، وتعتقد أن تغييرًا بترتيبات هو أفضل الخيارات، رغم أنها غير متاحة حالياً مع تعثر مفاوضات أديس أبابا.
المعارضة المشاركة في الحوار متشبثة به وتعتبره طوق نجاة لمأزق حدوث التغيير المفاجئ، ويدل ذلك على ضعفها، أولاً، لأنها لا تملك بديلاً، كما يدل أيضاً على مراهنتها على خيار مخرجات الحوار الوطني، وهي تطلب باستمرار دعم مواقفها داخل أروقة الموقعين على وثيقة الحوار لحشد الرأي العام المحلي والعالمي لمخرجات الحوار، كما أنها تريد أن يشكل دعم المعارضة وقادة الرأي والفاعلين سياسياً ورقة ضغط تستخدمه في مواجهة الحزب الحاكم لتنفيذ مخرجات الحوار.
بيد أن ما يؤكد على أن عقبات الداخل أكثر تأثيراً على ممانعة المعارضين، ما يمكن أن يواجه حزب المؤتمر الوطني الحاكم نفسه من مقاومة داخلية رافضة للإصلاحات التي ستقود إليها توصيات الحوار، رغم أن الحزب هو صاحب مبادرة الحوار.
بعض قادة المؤتمر الوطني الذين كانوا من الفاعلين في القرار السياسي صار بعضهم معزولاً أو محبطاً، ويتوقع سيناريوهات أسوأ في حال استمرار الحزب في تنفيذ توصيات الحوار، وينظرون إلى التحولات التي ستفرزها الوثيقة، بأنها ستزيد من التضييق على دورهم السياسي، وهؤلاء مصنفون ضمن الداعين إلى بقاء الوضع كما هو عليه مع إجراء بعض الإصلاحات.
كما يتوقع أن تكون أبرز جبهات الممانعة الداخلية، متمثلة في مراكز القوى الاقتصادية الذي صنعتها هيمنة الحزب على مفاصل الدولة لأكثر من 27 عاماً، والتي قد ترفض المثول لمبدأ المشاركة مع الآخرين المتوافقين على وثيقة الحوار.
وهذه القوى الممانعة لم تك معلنة في نقاشات الحوار الذي كان دائراً بين المشاركين، لأنها تحسن التخفي وراء الأجندة السياسية وأحاديث التوافق، وبعض هذه القوى صنعتها ثمار إنتاج النفط، حيث شهد الاقتصاد السوداني حراكاً لم يشهده من قبل، واستفادت من غالبية هذا الحراك القوى المناصرة للسلطة والقريبة منها.
ولا يحتاج مراقب للنظر لوقت طويل في الدواوين الرسمية، حتى يتكشف له عديد من العطالى المزدحمة بهم المكاتب، وهؤلاء تزعجهم توصية الحوار الوطني الخاصة بمراجعة سياسات وقوانين الخدمة المدنية.
كما سيفقد أصحاب الوظائف المتعددة كثيراً من مزاياهم الاقتصادية، لذلك هم عائق أمام تنفيذ توصيات الحوار.
وستتوقف أعمال سماسرة الاستثمار الأجنبي لأن الضمانة لن تكون الوظائف الرفيعة أو المهارات الشخصية لحماية المستثمرين، بل سيكون الاستقرار السياسي العام والأجهزة الاقتصادية المحترفة التي يديرها الأكفاء، هي الضامن لجذب الاستثمارات في الخرطوم أو الولايات.
ومن القوى المرشحة لمناوأة توصيات الحوار، سماسرة العقوبات الاقتصادية الأمريكية الذين يسترزقون من استمرار العقوبات الأحادية بالعمل كوسطاء بين الشركات العالمية الكبرى وبين الحكومة، هؤلاء أنشأوا شركات حقيقية ووهمية في عواصم الدول للتحايل على الحظر المفروض على السودان وتوفير احتياجات لا فكاك منها بأسعار ليست حقيقية وبوسائل باهظة التكاليف، وفي حال حصلت تسوية سياسية شاملة بتراضٍ وطني واسع ومقنع للمجتمع الدولي، فإن أبرز تجلياته قد تظهر في إنهاء هذه العقوبات غير الأخلاقية التي يتضرر منها المواطنون بينما تتضخم نتيجتها أرصدة الوسطاء.
وهنالك مثال لممانعي الداخل، يقودهم المستفيدون من إبقاء النار مشتعلة من تجار الأسلحة وجنرالات الحرب الذين سيبقون بلا عمل مربح بعد توقف الحرب وحلول السلام.
وهنالك ضرر سيقع أيضاً على الجهات التي أدمنت التمويل من الخارج تحت لافتات المساعدات الإنسانية.
أما الجيش المتواضع المسمى بالبعثة الأفريقية الأممية المختلطة، فالتسوية ستعيده إلى أعقابه، ويمكن بعد ذلك طلب إعادة توجيه أمواله للتنمية بدلاً من تبديد تبرعات أقطار العالم على بعثة فشلت في تحقيق سلامة جنودها، قبل حماية مواطني السودان وحفظ سلامهم.
الواقع أنه لا توجد ضمانات لهبوط ناعم لهذه الفئات الممانعة المؤثرة، لكن المشاركين في وثيقة الحوار يعتقدون أن المشروعية التي حصل عليها رئيس الجمهورية ورئيس المؤتمر الوطني حاسمة لكل مراكز القوى، ويؤكدون على أن الأجواء السياسية التي تصنعها خطوات تطبيق وثيقة الحوار، كفيلة بالضغط على هذه القوى الممانعة لتحجيم نفوذها السياسي والاقتصادي، من أجل المشاركة العادلة للجميع في الموارد الاقتصادية العامة، فالأولوية عند غالبية السودانيين صارت محصورة في (السلام) و(المعاش) قبل “المحاصصة السياسية”.
الصيحة