ماذا في صُحف الأمس ؟

نحن في حاجة لتنظيف دواخلنا من الكراهية في وجه الاحتقار الذي نواجه . كل المقدمات تقود إلى نتائج ، وكل سبيل يقود آخر المطاف لمرسَى . انحسر شيخٌ في دعوات يرددها دون خوف من جهاز لاقِط يأتي بالغلاظ الشداد ، ليأخذوه في فسحة عذاب لا حدود لها :
“اللهم لا تُسلط علينا منْ لا يخافك ولا يرحمنا ..”
انقضت الأيام ، وتفتحت قرائح الشر أو أزهارها، وتفتقت. وذهب الحصاد بالجميع إلى التصنيع أو التجميع . ورأينا العُلب متراصة في صناديقها تنتظر الضرائب التي تسقط في بئر لا يزوره السيارة ، أو زكاة مسروقة النصاب لتلوث الدّين بمال الكسب الأسود . هذا اللون الأسود هو كساء الظلام ولافتات الظلاميين وبرقع يفرضونه على النساء . لا يبرق الضوء إلا من السكاكين الغادرة.
ماذا في صُحف الأمس ؟:
قال قائل في اللقاء الصحافي المنشور: ( نحن لم نمُد السلاح للحوثيين ، بل مددنا السلاح لعلي صالح ) !
(2)
يظنون أن جهاز أمنهم يعرف دبيب النمل ، ولا يعرف الآخرون عنهم شيئاً : أين يلتقون هم ومتى يفترقون ، أعدادهم وآلياتهم وأسلحتهم !. لم ينقضِ موعد الهدم المؤسس بعد ، فلم تزل فجوات تنتظر الخراب . فمقاولة الهدم لم تكتمل أركانها . وتسليم مشروع الأرض الخراب ،و ركام الأحزان لم يكتمل هشيمها . لم يزل يتنظر المنظمة الإرهابية واجبات مُقدسة ، يُندي لها الجبين !. مكان التاريخ ولقاء النيلين ، كل بلونه المميّز، فسحة رغم الزمان والمكان . كله يصلُح ساعة تجلي للسجود للخالق الذي جعل الطبيعة رائعة، وهزّت الأرض زلزالها ، وانشق النهر من وسط القارة الأفريقية وعبر إلى البحر الأبيض المتوسط مُنحدراً منذ اثني عشر ألف عام . حلاوة تذهب نهية المطاف إلى الملح !. هؤلاء باعوا ملتقى النيلين للقدم الهمجية الاستثمارية : أبراج فشلوا في إقامتها . هؤلاء اغتالوا النيل الأزرق في منطقة الفندق الكبير ، ردموا النهر من أجل أن يكون الطريق اتجاهين !. العالم يدفن البحر ، وهم يدفنون النهر ، وفاض النهر ليكيدهم !!
(3)
ماذا في صحف الأمس ؟:
جمعتُ الأوراق ، وقرأت من صحافة الماضي مسيرة مؤسسة التصنيع الحربي :
يخرج رغيف البارود الإيراني المُسرطَن من فرنه ويذهب بالطائرات إلى دار فور وجبال النوبة والنيل الأزرق . جبال النوبة التي عرفت الهجرات الأولى من شمال السودان القصي إلى جبال النوبة لتحتمي من الإبادة التاريخية الأولى ،ولم تزل مدافن موتاهم بذات البناء الأسطوري النُوبي القديم ، رقصاتهم هيّ ،هيّ ، لغتهم غاب نصفها وبقي الأصل حياً . ها هو الموت يلاحقهم من جديد !.
أما طريق بورتسودان فيسلك رغيف البارود براً إليها . وعند البحر يتخذ سبيله سرباً بالقوارب إلى شواطئ سيناء الخفية ، ثم بالقوافل السيارة بأحمالها ، إلى المُبتغى . ( مصر وأرضٍ مُحاصرة ) ، أو بالقوارب إلى اليمن !. ولهم في إثيوبيا وأريتريا والصومال أيادٍ من رغيف البارود الذي يذهب براً من أجل أهداف المنظمة العالمية !.
أما الطريق البري لغرب إفريقيا ، فأرض الله واسعة : ليبيا وشرق مصر ومالي ونيجيريا والجزائر وتونس والمغرب . ولإفريقيا الوسطى طريق بريٌ آخر ، منظومة الإرهاب المكتوبة في ” تلمود ” الجماعة .
(4)
قالت أفعالهم : نحن لا نعرف الوطنية . نفرق أعداءنا بالعِرقية ، ودولتنا ” عالمية ” تنظر إلى الخلف بمحبة . الهجرة إلى حُلم الفقهاء الأوائل ، الذين يقولون :
– نريد دولة لا تعرف أين تنفق زكاتها كعهد ابن عبد العزيز ؟!
ماذا في صحف الأمس ؟:
حفاوة بغناء الأقدمين ، وجوائز تُوزع للمقلدين . قالوا :
– لا نريد إلا أغاني الزمن القديم إن كان الغناء يشغل الناس ، فقد وَصَل الأقدمون لسقف الفرح . ونحن نُبشّر بالمواضي من كل شيء . وحدها التقنية الرقمية نحبُ عصرها . نراقب كل الهواتف ، وتأتينا بالخبر اليقين . نعرف التصنُت وأدواته . نُحيط بالكون الداخلي ونعرف التفاصيل، ولكن فورة الجمهرة خرجت من حساباتها المُقدّرة والمضبوطة. علينا أن نجتث مصادر نموها . والرصاص الحي أخاف المتظاهرين !.
(5)
ماذا في صحف الأمس ؟:
السيول والأمطار . مجاري الأمطار . مجاري الصرف الصحي . الكهرباء والمياه … ، كلها خدمات لا تهم دولتنا ، فالحضارة لمن يدفع ثمنها . ونحن نأخذ فقط الضرائب والزكاة .
الاستثمار هو الاسم الحركي لمؤسسة سرقة مال ومجهود الآخرين ، حتى يفرون من البلد فرارهم من ” الإيبولا ” أو ” الجزام ” .
قال قائلهم : لدينا الصحافة ” الأمنية ” التي تُنسى الأحداث وهموم العامة . نريد صحافة تتحدث عن مصائب الآخرين . فنحن لم نتأثر بالأزمة العالمية التي مرت ولم نتأثر بثورات الشعوب التي انفجرت من حولنا . خطوط السكك الحديدية كافرة ، حديدها لمصانع سيخ التسليح ! . مشروع الجزيرة هو مشروع لتوفير خامات المصانع الكافرة ، فليتوقف ، ولتتفرق المبيدات في الحقول اليابسة ، طعاماً للماعز !.
(6)
ماذا في صحف الأمس ؟:
الصحافيون محبوسون ، من كثرة الممنوعات المكتوبة .الصحافة الإلكترونية يلاحقونها بفيروسات التعطيل والتخريب ، لأن الرأي أصبح حقاً مُباحاً ، يملأ السماوات في بُرهة . كل الممنوع مرغوب و موجود و متوفر بالمجان في الصحافة الإلكترونية والمدونات ، وفي الأجهزة الذكية .
ماذا في صحف الأمس ؟:
بعد الطبعة الأولى عند الفجر ، يُصادر الأمن الصحيفة ، بلا تعويض . يُسجن الكاتب ورئيس التحرير، ويقولون لدينا حرية الكلمة ! . أصحاب المناصب العامة يكرهون الصحافة والصحافيين ، ولا يحبون اللقاءات ، لأن التصريح يفضي للتوبيخ . وهم لا يحبون من يُعرِّض مصالحهم للخطر .
لجان الحوار : جلابيب تذهب وجلابيب تعود ، لا حساب للوقت فالوقت في مصلحة صاحب السلطة . بمرور الزمان يموت الحوار ، ويصرّون عليه وهو مُسجى في فراش الموت .
عبد الله الشقليني
15 أكتوبر 2014
[email][email protected][/email]