تحقيق سوق الله رمى !!

تحقيق : أسماء ميكائيل اسطنبول

تتعدد الأسواق ولكن لكل سوق ميزته وخاصيته، فلهذا السوق ميزات وخاصيات عديدة، ولكن نكتفي بأن نقول يتميز هذا السوق بالأسعار الزهيدة جداً، وكلٌ مسكين وليس فقير، بل كل مسكين يستطيع أن يعيش من هذا السوق سواءً كان يبيع أو يشتري أو لا هذا ولا ذاك، حتى لو لم يكن عندك شئ تستطيع الحصول على شئ، (وهنا لا أقصد السرقة ولا الشحدة)، فهذا السوق يعتبر امتداداً لأسواق أخر من أسواق أحياء جنوب الخرطوم الطرفية كمال قال لي البعض، هو جزء من سوق (قورة) بمنطقة مايو وأسواق أخرى، وهذا السوق ليس سوق متواصل بمعنى يومه واحد فقط من أيام الأسبوع ولديه زمن محدد يفتح فيه ويرحل كل شخص بعد هذا الزمن إلى أسواقهم الأخرى، يقع تقريباً في الوسط ولا يستطيع الشخص الزائر وصف هذا السوق، فكل من سألته أعطاني كذا وصف لهذا السوق، لأنه يقع في مكان غير معروف بالضبط وفي نهاية الأمر وبعد وصف كذا شخص خرجت بخلاصة أنه يقع في منطقة وسط تشمل منطقة الأزهري وتحيط به ترعة الشاحنات ونهاية سوق ستة، وبالنسبة لسكان مايو يقع شمال مستشفى بشائر فهذا وصفه تقريباً.
سبب التسمية
لهذا السوق أسمان أولاً يطلق على هذا السوق سوق (دبي)، وسمي بهذا الاسم لأن كل الأشياء الموجودة فيه مستورد ة من خارج السودان، فلذلك أطلق عليه سكان المنطقة سوق (دبي) وهو الاسم الشائع والمعروف، أما الاسم الثاني لهذا السوق فهو سوق (الله كريم) وسمي بهذا السوق لأن اعتقادهم بالمولى عز وجل كبير، لأن كل شخص لم يكن لديه شئ من أجل أن يطعم أولاده يأتي لهذا السوق وهنا ربنا برزقه عن طريق إيجاد شئ ملقى على الأرض فيتناوله من على الأرض ثم يعرضه للبيع (وليست سرقة أو شحدة ولكن الله رمى ) وكل ذلك يحدث داخل هذا السوق البسيط جداً جداً وقصدت من كلمة بسيط لأن كل شئ فيه بسيط، فهناك أشياء فوق هذا السوق لا قيمة منها ولا يمكن للشخص أن يستعملها ورغم ذلك تجد من يبيعه وهناك من يشتريها ويستعملها.
آثار فقط (للسوق)
ذهبت إلى هذا السوق مرتين في المرة الأولى كان عن طريق الصدفة من أجل البحث عن أطفال الوزن، فكنت مع رفيقي صاحب الموتر، وقال لي: نذهب خلف الترعة (لوجود الأطفال هناك) وكان هناك كبري أرضي معبراً لهذه الترعة، فوجدنا منعطفاً غريباً ومحازٍ للترعة فأتجهنا شمالاً فوجدت آثار فقط للسوق، وكان المكان هادئ جداً جداً لأنه شبه خالٍ ويكاد لا يأتي إليه أحد، فكان هناك ست أو سبعة أشخاص من الباعة متفرقين هنا وهناك، امرأتان يقمنا ببيع الطعام وواحدة ست شاي وبجوارها بائع خرد من مفكات ومفاتيح وغيرها من أنواع الحديد وصاحب بطيخ وعدد من الأطفال الذين يبحثون من أجل إيجاد الله كريم، فوقف رفيقي صاحب (المتسكل) جوار صاحبة الطعام وكانت أمامها ثلاثة أوانٍ صغيرة (حلل ) وضعتها على صينية طعام كبيرة وكانت هذه الأواني نظيفة جداً (ملمَّعة) فقال لي: هذا هو سوق (دبي) فأصبت بذهول من شدة المفاجأة، وقلت له: هذا هو سوق (دبي) !! سبحان الله، ثم قلت له: سألت عن هذا السوق كذا شخص ولكن لم أجد من يدلني على هذا السوق، فقلت له: رب صدفة خير من ألف ميعاد، لكن الناس ديل وين ؟ فقال لي: أي ناس ؟ قلت له: الباعة والشارين ؟ نحن لكن ماجينا بعد ما السوق انتهى، فوجهت له سؤال آخر وهو السوق بنتهي ؟ سوق (دبي) هذا بشتغل يوم الجمعة فقط من بعد صلاة الصبح مباشرة وبنتهي مع صلاة الجمعة، طيب ما ممكن يواصلوا باقي اليوم ؟ قال لي: الناس ديل عندهم أسوق تانية بذهبوا إليها لأن هذا السوق عبارة عن تجمع من كذا سوق، ولكن أكثرهم من سوق (قورة) و كان رفيقي صاحب المتسكل راكب فوق المتسكل وممسك بالدركسون بينما نزلت من المتسكل ووقفت بجوارها وضعت يدي فوق خصري وكنت أنظر هنا وهناك.
عند ست الشاي
ثم قال لي: يا أستاذة تعالي نشرب قهوة عند ست الشاي، وأشار بيده نحو راكوبتها فقلت له: شكراً الزمن فات قال: لي الزمن فات ولا ماعايزة تشربي، فقلت له: لالا والله.. وفي أثناء حديثي معه نزل من على المتسكل وتحرك نحو ست الشاي فذهبت مسرعة خلفه وكان قد وصل عند ست الشاي والقى التحية ثم حرك اثنين من كراسي البلاستيك (وليست مقاعد ) و جلس على أحدهما ثم القى التحية وجلست على الآخر وكان بيميني أحد الحرفيين الذين يعملون بسوق (ستة) (على حد قوله ) وشمالي رفيقي صاحب المتسكل وبجواره صاحب مفكات ومفاتيح يدعى بولو يجلس على كرسي وأمامه حاجياته افترشها على الأرض وأمامي الخالة ست الشاي وابنتها دعاء، فقال رفيقي: لو سمحتي يا خالة (اتنين) قهوة ولا شنو يا أستاذة ؟ ثم قال: هذه الأستاذة صحفية أتت من أجل الأطفال الذين يقومون بحرق إطارات السيارات، ولكن لم تجدهم، فقالت الخالة: كيفك يابنتي؟ فقلت لها: والله الحمدالله يا خالة، فرد بولو (بائع المفاتيح): الأطفال ديل ما بيجو طوالي، طيب حابه أعرف بعض المعلومات عن هذا السوق (سوق دبي) ففي هذه المرة رد الحرفي: لو عايزة تعرفي تعالي بدري لأن السوق انتهى.
أطفال يلعبون القمار
وفي أثناء جلوسنا فجأة شد انتباهي مجموعة من الأطفال يجلسون على البعد وكانت بجوارهم امرأة تتجول هنا وهناك (كأنها ألفة فصل ) فقلت لهم: هذه المرأة ماذا تفعل مع هؤلاء الأطفال؟ فضحك بولو صاحب المفكات والحرفي ثم قال الحرفي: هذه المرأة تبيع مديدة دخن، وقال بولو: والأطفال ديل بلعبو قمار وبطريقة غير إرادية صرخت يلعبوا قمار .. ثم أصدر كل الحضور “الحولي” ضحكة قوية، فقلت لهم: كيف يعني أطفال صغار بلعبو قمار؟ وقالت دعاء بنت الخالة: والله الكلام دا صاح، فنهضت مسرعة نحو هؤلاء الأطفال الذين يفترشون الأرض (أردت أن أشاهد ما سمعت بعيني) فوجدتهم منهمكون جداً وكل تركيزهم على الأرض وعندما اقتربت منهم شعر بي البعض وبطريقة سريعة نهض جزء منهم محاولاً الهرولة فقلت لهم: مالكم يا شباب – (هم أطفال أكبرهم قد يكون عمره ثماني سنوات ) -جاريين ؟ أنا عايزة أسألكم فقلت لهم: الأطفال البحرقو العجل وين ؟ فرد جزء منهم: ماعارفين ورجع بعضهم يفترش الأرض مرة أخرى بعدما اطمأنوا لي، وظل البعض منهم يتجادل مع بعضهم البعض ويتصارعون في أيادي بعض، وعندما نظرت إلى أياديهم وجدت كل طفل يحمل في يده جنيه فقط، فالقيت نظرة عليهم مرة أخرى ونظرت حولهم وجدت آثار حريق فرجعت مسرعة مرة أخرى نحو الخالة ست الشاي وكانت القهوة قد جهزت فقالت: اتفضلي القهوة فقلت لها: شكراً يا خالة أنا لم أتناول وجبة الإفطار ، فقالت: أنتِ ضيفتنا، فسألتها: يا خالة الأطفال ديل أهلهم وين وماعارفنهم بتعلموا في لعب القمار ؟ فرد الحرفي الأطفال ديل بيجو يتجولو داخل السوق وإذا وجدو شيئاً للبيع يبيعوه ثم يجلسوا نهاية السوق إلى لعب القمار ؟ طيب عرفتي كيف دا لعب قمار ؟ ما شاهدتي القروش البلعبو بيها، فقلت لها: هذه مشكلة كبيرة طيب ما في شخص داخل هذا السوق يمنعهم ؟ وقبل أن يرد سمعتهم يتجاروا يمين وشمال فقلت لهم: الكشة جات ؟ فقال الحرفي كشة شنو ؟ دا بتاع النفايات طردهم، فقال بولو (بائع المفكات): شاهدتي جري الأطفال بالطريق دا.. وأشار بيده خلف راكوبة الخالة ست الشاي فقلت لهم هم خايفين قال تتخيلي كل الجري هذا فوق قزاز مكسَّر، فقلت له: كيف الكلام دا، ثم أضاف: ورغم كل هذا الجري وهم حفاية ورغم ذلك لم يصب واحد فيهم، فقلت له: حرام عليهم القزاز المكسور من المفترض يوضع بعيداً عن الطريق، فقال بولو: من الذي وضعه ؟ ثم قال: أنتِ عارفة قصة هذا القزاز المكسور!! فقلت له: وهل له قصة ؟ فقال: نعم هو وقصة الحريق الهناك ثم أشار نحو مكان الأطفال الذين كانوا يلعبون فقلت له: بالضبط وكنت أريد أن أسأل عن هذا الحريق.
قصة قزاز وحريق
ثم بدأ يسرد قصة القزاز المكسور قائلاً: أنت عارفه يا أستاذة القزاز المكسور دا في بائع يأتي كل يوم جمعة وهو يحمل على كتفه كمية من فتايل الريحة الخالية وبأشكال وأنوع مختلف ويفترشه للبيع فيصادف منذا الصباح وحتى نهاية السوق لم يبع شيئاً فعند نهاية السوق وكل شخص يذهب يقوم بجمع الفتايل مرة أخرى ويكسرها جميعاً، سألته: لماذا ؟ قال :حتى لا يأتي شخص آخر ويستفيد منها وفي كل جمعة تقريباً يقوم بذات الفعل وكان يسرد في هذه القصة والكل يضحك، فقلت له: وقصة الحريق؟ قال: قصة الحريق.. فقطعت حديثنا المرأة التي كانت تتجول بين الأطفال، وقالت: تشربو مديدة ؟ فقلت لها: شكراً، أما رفيقي (صاحب المتسكل ) قال: نعم أنا أريد، فسألها: الكورة بي كم ؟ فقالت: بخمسة جنيهات فسكبت له فسألتها: أنتِ جيتي متأخرة ؟ قالت: نعم ولكن الحمدالله انتهت.. فرجعت مرة أخرى إلى قصص بولو وقلت له: أكمل لنا قصة الحريق؟ فقال: قصة الحريق أقرب من قصة القزاز أيضاً هناك بائع ملابس يأتي أيضاً إلى السوق من أجل بيعها وإذا لم تبع عند نهاية اليوم يجمعها ثم يحرق الملابس وينتظرها إلى أن تتحرق جميعاً حتى لا يجدها شخص آخر ويستفيد منها، ثم يأتي الأسبوع القادم بملابس أخرى، وأثار الحريق التي تجدينها هنا وهناك داخل هذا السوق نتيجة لحرق هذه الملابس، وأيضاً القزاز المكسَّر الذي تجديه متناثراً هنا وهناك أيضاً سببه التكسير العشوائي الذي يتم، فبعد سماعي لهذه القصة قلت لهم: هذا فهم عجيب!! يعني ضر وحسادة ! حتى لا يستفيد الغير، فقال بولو: أكيد، فسألته إذا جئت يوم الجمعة (الجاية) بلقاهم؟ قال: أنتِ وحظك، فقلت لصديقي صاحب المتسكل: فلنذهب.
ذبح الحمير
وقبل أن نتحرك جاء صاحب متسكل آخر وكان يقود مسرعاً فصاح له بولو بصوت عالٍ جداً: يا آدم يا آدم حمير فالتفت آدم نحونا ثم هدَّن السرعة وأدار المتسكل وسرعان ما جاء فكان شاباً وسيماً يرتدي جلابية لونها بيجي، فقال له بولو: سلَّم على الأستاذة فقال: يا مرحب يا أستاذة، فقال له بولو: الأستاذة “جات” تعمل شغل عن ذبح الحمير، فرد قائلاً: يا أستاذة دا كلام فارق الحمار بي كم ؟ عشان ما الناس تذبحه هذه منافسة غير شريفة بين جهات معينة تريد أن تنهي اللحمة، فلذلك قالت: هناك جماعة بتذبح حمير، وبذات الطريقة التي حدثت للدجاج، فسألته يعني الشئ الذي حدث عبارة عن فبركة، قال: نعم.. ثم قال: وفبركة منظمة، ثم قال: عن أذنكم عندي زول عايز أحصله، فقلت له: تفضل ثم واصل بولو هذا أكبر تاجر حمير وإذا لم تقولي آدم حمير لا يعرف شخص. فاستودعت الخالة وبنتها وشكرتهما على القهوة وقلت لبولو والحرفي: إن شاء الله نشوفكم الجمعة القادمة، وتركت ست المديدة تغسل في أوانيها وتحركنا.

زيارة للمرة الثانية
فبعد أسبوع ذهبت للمرة الثانية لهذا السوق فتحركت منذ الصباح الباكر وارتديت عباءة وفنلة من البرد وحملت كيساً أسود وضعت عليه التلفون والجزلان ومعهما الكاميرا (وجهزتها وقمت بغطائها بكيس أسود اللون) ثم تحركت نحو المواصلات وكانت الساعة تشير إلى السادسة والنصف صباحاً وركبت مواصلات الصحافة زلط وكان الشارع شبه خالٍ من الناس إلا عدد قليل متفرق هنا وهناك مما جعل العربة تسير بسرعة إلى أن وصلت نهاية الصحافة زلط بسرعة فائقة وبعدها ركبت مواصلات الشاحنات وكانت هايسات صغيرة وعندما أخذت الهايس اللفة أشَّرت للسائق ثم سألته: ألم تصل السوق ؟ قال لا فنزلت وحاولت المشي بأرجلي فكانت المسافة بعيدة جداً من الزلط حتى السوق، البرد كان شديداً فوقفت دقائق عسى ولعلي أن تأتي عربة، وبعد دقائق جاءت ركشة فأشَّرت لها وكانت تحمل رجلين وامرأة فركب بجوار السائق فسألت السائق : واصل السوق؟ فقال: قريب منه والركاب صامتون من شدة البرد لم تسمع شيئاً سوى صوت العربات البعيدة والشجر، لأن المسافة التي قطعتها الركشة كانت عبارة عن مساحة خالية من المباني وعبارة عن ميادين كبيرة وواسعة وبعد نصف ساعة تقريباً وصلت إلى الكبري الأرضي، فقلت لصاحب الركشة: أريد أن أنزل هنا، فوقف ودفعت له عشرة جنيهات ثم توجهت نحو المنعطف الغريب ولكن كان الوضع غير، فأول شئ شاهدت بعد المنعطف بقليل مجموعة من الحمير وجمع غفير من الناس وعربات كارو وبكاسي ولوري ودفار وكان هناك ضجيج رهيب فقلت في سري: هذا هو سوق الحمير الذي ذكره آدم حمير ولم أتوقف وواصلت مسيرتي نحو السوق.
ربما كانت لحمة محمَّرة
وفي طريقي شاهدت كمية رهيبة جداً من القطع والملابس المتسخة موضوعة على الأرض كأنها نفايات وبجوارها امرأتان تبيعان الشاي ولم أتوقف، وكلما توغلت إلى الداخل وجدت المزيد من الأشياء فلاحظت شيئاً غريباً معظم الموجودين داخل هذا السوق – سواءً كان باعة أو زبائن – من العنصر الرجالي، ولاحظت عدد النساء قليل جداً يكاد يعد على الأصابع، ولكن معظمهن بائعات طعام، فكانت كل امرأة تضع أمامها صينية كبيرة وفوقها أواني (حلة) شبه فاتحة (تكشف عنها الغطاءة من أجل اختيار البائع ) فواحدة وضعت عليها سلطة أسود (بازنجان) بالدكوة سلطة طماطم بالدكوة أيضاً وواحدة وضعت عليها بطاطس مغلي (مثل الكباب ولكن بدون لحمة) ووجدت أيضاً رجلاً يقف على تربيزة كبيرة وبها أقاشي وكمونية (أحشاء الخراف ) يقوم بشيها ولم استطع السؤال عن سعرها نسبة لإزدحام الشباب حوله وبجواره رجل يجلس على الأرض وأمامه صاج تحمير، فعندما نظرت إليه وجدت الصاج خالٍ ورغم ذلك كان يجلس أمام هذا الصاج اثنان من الأطفال وكل واحد يحمل في يده رغيفة ويمسح على بقية الزيت الموجود على ذاك الصاج ويأكل (فقلت ربما كانت لحمة محمَّرة ).
كثافة عالية من الرجال
فكلما توغلت إلى داخل السوق شاهدت الكثير والمثير، ولكن حقيقة هناك أشياء معروضة من أجل البيع، ولكن لم أعرفها وكنت أتحدث مع نفسي وأسألها: ما هذه الأشياء؟ ولكن لم أجد إجابة، والسؤال عنها كان صعب جداً، وهناك أشياء مثل ألعاب الأطفال المنتهية (مكسَّرة ولا تصلح للعب ) ولا تستحق العرض من أجل البيع وكانت تباع، فهذا السوق به كثافة عالية جداً من الرجال كباراً وصغاراً وكنت أتحرك بصعوبة من كثرة الرجال فوجدت أحد الباعة يعرض كمية من القماش المقطع أجزاء أجزاء فوقفت عنده ورفعت قطعتين وسألته عن سعرهما فقال القطعة بأربعة، فقلت له: باهظة فبعد مجادلة أخذت منه قطعتين بـ 7جنيهات، وكل قطعة بها متر، فقال لي: هذه القماش جديدة وليست قديمة، ولكن يأتي عن طريق بورتسودان فيدخل الماء ويصير بهذه الطريقة فتحركت منه قليلاً فوجدت شاباً يعرض برتمان قزاز (قزاز مربة كبير وصغير) فذهبت نحوه وسألته عن السعر، فقال: الجوز بـ500 قرش فجلست على الأرض ووضعت تلك الأكياس من يدي فاخترت ثماني قزاز برتمان أو مربة (خالي بالطبع ولكنه متسخ ) ودفعت جنيهان وكلما ذهبت إلى الداخل وجدت المثير، فشاهدت كمية رهيبة من ريموت التلفزيون أشكالاً وأنواعاً وبأحجام مختلفة وكان حولها تجمع رهيب من الأطفال والشباب فكل واحد كان يحاول إيجاد ريموت ذات فائدة فسألت أحدهما سعر الرموت بي كم ؟ فقال: ليست للبيع كل شخص يختار وإذا وجدت شئ فيهو فائدة خذيه وممكن تبيعيه (هنا الله كريم ) فقلت له: إذاً سوف اختار فانحنيت نحو الريموتات المبعثرة على الأرض ربما لم يحالفني الحظ، ولكن لم أجد شيئاً ذا فائدة فشاهدت من الجانب الآخر كمية من الأحذية وكانت كل واحدة بشكل (كل فردة من بلد) وتحتاج إلى زمن من أجل العثور على رفيقتها (فهذه التي يقال عليها أيضاً الله كريم )، فاكتفيت بالنظر وحاولت الخروج من السوق، وقبل أن أصل إلى المواصلات حاولت النظر إلى الصور الموجودة بالكاميرا للتأكيد من غير أن يراني أحد، ولكن الكاميرا خذلتني ولم تصوِّر كل الصور فرجعت مرة أخرى إلى داخل السوق.
صاحب الكلاب
وفي أثناء دخولي إلى بداية السوق مرة أخرى كان أمامي رجل كبير في السن ربما سبعين عاماً وكان يحمل فوق ظهره أكياساً وخلفه خمسة كلاب يتجولون حوله (كأنهم يفسحون له الطريق ) فوقفت أنظر لهذا المشهد وحاولت تصويره عبر الهاتف، ولكن لم أستطع فبعد عناء استطاع أن يصل الرجل إلى مكان كان يجلس عليه بعض الشباب فوضع هذه الأكياس عن كتفه وكل كلب أخذ مكانه وكأنهم حراس فضكت (وقلت: من الذي يشتري منه وحوله خمسة كلاب ). فحاولت تصوير المشاهد مرة أخرى ولم أستطع فشاهدت أشياءً لم أرها من قبل فوجدت مجموعة من الكيبورت (لوحات مفاتيح االكمبيوترات) تباع بخمسة جنيهات، وأيضاً هناك آخر يفترش كميات من الوسادات (المخدات) المتسخة فسألته: الواحد بي كم؟ ولكن لم يجبني أحد فذهبت قليلاً شاهدت شاباً يجلس على متسكل وممسك بقبضة الدركسون وكانت عليه لوحة ذات لون برتقالي ولكن لم يضع عليها أي نوع من الكتابة وكان ينظر للمارة يميناً وشمالاً فذهبت قليلاً منه فوجدت رجل كبير يفترش اثنان فقط من الأحذية المستعملة ولكنها بحالة جيدة فسألته.. فقال الواحد بـ12 جنيهاً وفي أثناء قياسي لهذه الأحذية كنت أتجادل معه في السعر، وفجأة سألته عن الناس البتأتي بالملابس من الخارج،فضحك وقال لي: صلي الصبح حاضر وتعالي وبعد نصف ساعة إذا لم تأت تجدي كل شئ انتهى.. فقلت: آخر حاجة اشترى منك هذا الحذاء بي كم ؟ قال: عشرة جنيه فدفعت العشرة.
وقفة غير مريحة
فلاحظت في أثناء قياسي للحذاء كان هناك شاب يرتدي سيوتر وكاب ونظارة سوداء، وكلما وقفت بجانب بائع كان يقف خلفي (رغم أنني كنت حذرة جداً في أثناء تصويري بالهاتف) فلم أعيره اهتمام وكنت أظنه بائع مثلي، ولكن في هذه المرة كانت وقفته غير مريحة فأخذت الحذاء وحاولت الخروج مسرعة من السوق وفي أثناء خروجي باتجاه آخر سمعت أصوات عالية جداً يبدو أنها ميكرفونات ولكن لم تكن واضحة فذهبت خلف هذه الأصوات فوجدت ثلاث عربات بوكسي وأمجاد وعربة مثل التيكو والثلاث مغطيات بكميات رهيبة من الورق فعرفت أنهم بائعو أعشاب فاستعجلت الخروج حتى اصطدمت ببائع بطيخ فاعتذرت له وسألته: الواحدة بي كم؟ فقال: بخمسة جنيه، فقلت له: صغيرة جداً قال: خذيها بأربعة، وكنت في عجلى من أمري خوفاً من ذاك الشخص، فقلت له: ثلاثة جنيهات فقط، دفعت الثلاثة جنيهات ثم قال لي: أنتِ طماعة، فقلت له: أصلاً حجمها صغير ولولا تأخيري لأخذتها منك بجنيهين فأطلق ضحكة ثم أسرعت نحو الشارع (ولكن بعد عناء ) نسبة لكثرة الناس، فعندما ابتعدت قليلاً نظرت خلفي فوجدت ذاك الشاب يقف وكان يضع كلتا يديه أمام بطنه فأسرعت أكثر (وكل خوفي كان على الصور ) إلى أن مررت بمكان الحمير ثم استوقفت ركشة حتى أخرج إلى الزلط الرئيس .

التيار

تعليق واحد

  1. اجتهدت لأعرف المغزى من هذا الموضوع هل هو أدب الرمز؟؟ أدب اللامعقول؟؟ أم ماذا؟؟

    اقتباس:
    “فلاحظت في أثناء قياسي للحذاء كان هناك شاب يرتدي سيوتر وكاب ونظارة سوداء، وكلما وقفت بجانب بائع كان يقف خلفي (رغم أنني كنت حذرة جداً في أثناء تصويري بالهاتف) فلم أعيره اهتمام وكنت أظنه بائع مثلي، ولكن في هذه المرة كانت وقفته غير مريحة فأخذت الحذاء وحاولت الخروج مسرعة من السوق”
    المرة دي ربنا سترك ولو كررتي الزيارة مرة تانية يحتمل حدوث ما لا يحمد عقباه ولا عذر لمن أنذر

  2. يا استاذة ربنا يحفظك انت نشطة وتتحسسين واقع مجتمعات لتنقليها لمن لا يعرفها ولكن اعملى حسابك فانت دائما تختارين المناطق الخطر وتتعدين الخطوط الحمراء ودائما تكونين وحدك والزمن ايضا صعب . كنا مجموعة زملاء وزميلات مكونين جمعية لمحاربة الدجل وكشف الدجالين ولكننا كنا لا نتحرك وحدنا مع انه زمننا كان جميل وامن وامان ومن بين الزملاء كانوا هناك اثنان اخوة زميلة دفعتنا وشقيقها قدامنا بدفعة . وكما نصحك ود الدكيم احذرى واخرجى فى مجموعات من الزملاء ممن يكون لهم نفس الاهتمام وانت من تحقيقك السابق عن منازل الرزيلة تاكدى اصبحتى مرصودة ومعروفة ربنا يحفظك

  3. يا استاذة ربنا يحفظك انت نشطة وتتحسسين واقع مجتمعات لتنقليها لمن لا يعرفها ولكن اعملى حسابك فانت دائما تختارين المناطق الخطر وتتعدين الخطوط الحمراء ودائما تكونين وحدك والزمن ايضا صعب . كنا مجموعة زملاء وزميلات مكونين جمعية لمحاربة الدجل وكشف الدجالين ولكننا كنا لا نتحرك وحدنا مع انه زمننا كان جميل وامن وامان ومن بين الزملاء كانوا هناك اثنان اخوة زميلة دفعتنا وشقيقها قدامنا بدفعة . وكما نصحك ود الدكيم احذرى واخرجى فى مجموعات من الزملاء ممن يكون لهم نفس الاهتمام وانت من تحقيقك السابق عن منازل الرزيلة تاكدى اصبحتى مرصودة ومعروفة ربنا يحفظك

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..