الشيوعيون والمزارعون أيهما ربي الآخر؟!

عبد الله الحاج القطيني

(البوليس شابك شيوعية وفاكر نفسو بنبذ فينا)?. (من شعر حميد)

لعل الشاعر حميد حين ردد في شعره:(البوليس شابك شيوعية وفاكر نفسو بنبذ فينا) كان يصوغ حديث عبد الخالق أمام المحكمة شعراً.ذلك الحديث الذي كان ضمن ذلك الدفاع القوي امام المحكمة العسكرية علي عهد الدكتاتورية العسكرية الاولي:

(( انني لم اطرق باب الماركسية جريا وراء نفع شخصي او غرض زائل بل وراء البحث المخلص الامين لوسائل تحرير الوطن من نير المستعمرين والمساهمة في بناء جمهورية سودانية مستقلة حقا ينعم فيها ابناء الشعب بخيرات بلادهم . واليوم عندما انظر من وراء هذه السنوات الطويلة اشعر بالسعادة والفخر بفكر تقبلته مختارا ولمنهج سلكته عن اقتناع تام وارتاع لمجرد التفكير في اني لو لم اكن شيوعيا ماذا اصبح؟).

ولعل العديد من الزملاء قد ارتسمت علي وجوهم ابتسامة حين سمعوا حديث البشير عن تربية الشيوعين ،ورددوا هم كذلك (البوليس شابك شيوعية وفاكر نفسو بنبذ فينا )وتذكر كل واحد منهم كيف توصل للقناعة بان يكون عضواً في الحزب الذي يعرف نفسه بأنه اتحاد اختياري بين مناضلين شرفاء والذي كانوا يعلمون انهم بولوجهم لصفوفه انما يبدأون رحلة طويلة من المعاناة والكثيرون لاشك تذكروا اشعار شيبون :

اختاه ماسجنهم ماقولهم اني شيوعي

فليخسأ الاعداء لو شاءوا رجوعي

يابئس ماطلبوا اذ طلبوا خضوعي

طلبوا محالا دونه نزع الضلوع

تلك الابيات من الشعر التي كان طيب الذكر الحاج عبد الرحمن يهز بها المنابر في ساحة المولد بعطبرة ومن كثرة ترديده واعجابه بتلك الابيات كنا نظنها من شعره الي ان ضمنها في ديوانه ( انا عطبرة) موضحا انها من شعر محمد عبد الرحمن شيبون .

وسرح البعض مع الشاعر الفلسطيني توفيق زياد:

قالوا شيوعيون قلت أجلهم

حمر بعزمهم الشعوب تحرر

قالوا شيوعيون قلت ازاهر باريجهم هذي الدنا تتعطر

إلي أن يقول :

ياواهن القدمين دربك هين

اما انا فدربي اشق واعسر

شتان بينهما فدرب عامر

ترنو له الدنيا ودرب مقفر

الايام بيننا ستريك

من يهوي ومن سيظفر

وقد علمهم الحزب الذي إنضموا إليه : -(ان جماهير شعبنا تسمع الفكرة الشيوعية ولكنها تحكم عليها بمن تعرف من الشيوعين السودانيين لا الشيوعيين السوفيت او الاندونسين مثلا.في مجتمع مثل مجتمعنا يلعب مسلك الافراد من الشيوعيين دوراً كبيراً في تقريب النظرية الشيوعية إلي جماهير الشعب. وعلمهم الحزب كذلك معالجة علاقة وصلة الحزب بالجماهير إستناداً إلي القاعدة الماركسية العامة:-(حيث الجماهير من الجماهير وإليها نتعلم منها ونعلمها).

وفي الحقيقة ايهما ربي الاخر : المزارعون ام الشيوعيون ؟

في ذلك الدفاع الذي ساعود إليه مراراً بقول الاستاذ عبد الخالق عن فترة وجوده في عطبرة ابان معارك عمال السكة حديد في سبيل انتزاع هيئة شؤون العمال :-

((فقد عشت فترة في مدينة عطبرة خلال ذلك العام 1947وعاصرت تكوين اول منظمة نقابية سودانية ((هي هيئة شؤون عمال السكة حديد))وكانت تلك بحق فترة عزيزة في حياتي لن أنساها فقد عرفت فيها عن كثب إستقامة وشرف ورجولة عمال السودان ولمست بيدي حيوية الطبقة العاملة السودانية وقوتها وانها الطبقة الوحيدة التي تحمل بين يديها مستقبل السودان الزاهر)).

اذكر قبل حوالي 3 اسابيع تقريبا ان طلبت مني صحفية شابة كانت ضمن وفد صحفي زار مدينة عطبرة ?طلبت مني انها تريد مني أن اذهب معها لزيارة منزل الشفيع أحمد الشيخ فاوضحت لها ان الشقيع ليس له منزل في عطبرة لان اسرته تقيم في مدينة شندي وقد جاءت به الي عطبرة ظروف العمل وقلت لها انني ساذهب معها الي منزل في حي المربعات كان يسكن فيه 15 شيوعيا من بينهم الشفيع والحاج عبد الرحمن وقاسم ومحمد عثمان جمعة وهاشم السعيد وعبد الله عبيد وكان البعض يسمي ذلك البيت (بالكريملين) وكان ملاصقا بالضبط للمنزل الذي كان مقراً لهيئة شؤون العمال في بداية تأسيسها )).

اختلط هؤلاء الشيوعيون بالعمال وتعلموا منهم قيم الزهد والتجرد ونكران الذات ورددوا معهم مدائح حاج الماحي :-

نعم نعم القام منسرق

زار محمد خير الخلق

اختلطو بالعمال وبتوجيه من الحزب كانوا يكتبون لهم خطاباتهم المرفق معها المصاريف المقتطعة من مرتباتهم الي اسرهم في اقاصي الشمالية ((ومرسل لكم مبلغ كذا جنيه ارجو الافادة باستلامها)).

وحينما ترد أسر العمال علي تلك الخطابات يأتون بها للشيوعيين ليقرأوا لهم تلك الخطابات المشتملة علي (اننا قد حلينا دين فلان والعضمين الروكة انزرعن وراشد حالف مايطهر الا ابوه وعمتو يحضروا)).

وهكذا تعرف الشيوعيون علي هموم العمال بهذا الالتصاق الحميم بهم وليس نقلا عن الكتب والنصوص الماركسية ((قال جرجس قال لوقا قال مرقص))علي حد تعبير جميل لنجيب سرور.

والذي فعله الشيوعيون في عطبرة قاموا به في الجزيرة ذلك الالتصاق الحميم بالمزارعين ولذلك حين ذهب طيب الذكر حامد الانصاري في طواف حزبي إلي الجزيرة قدم حاج الخير له نفسه بقوله : ((انا حاج الخير امام المسجد ومأذون المنطقة والمسؤول السياسي للحزب)).

فأيهما ربي الآخر المزارعون أم الشيوعيون؟

الذي فعله الشيوعيون وهو مالم تغفره لهم البرجوازية هو إنهم بصروا المزارعين بحقوقهم وبضرورة ان ينظموا انفسهم والا يستجدوا حقوقهم وانما عليهم ان ينتزعوها انتزاعاً وهو ماعبر عنه حميد فيما بعد:-

حقا تحرسو ولابيجيك

حقك تلاوي وتقلعو

فقامت إتحادات المزارعين وإنعقدت جمعياتهم العمومية وقامت جمعياتهم التعاونية .

ولذلك في عام 1956م إمتنع مزارعو جودة عن تسليم المحصول حتي يتأكد مندوبوهم من الحسابات التي يشكون في وجود تلاعب فيها وتحقيق مطالبهم بوصفهم شركاء في المشروع مما قاد إلي إصطدامهم بالشرطة التي جمعت مائتين منهم وحجزوا في عنبر ضيق مقفول فاختنقوا وماتوا ، وكان ذلك بحق فضيحة ومأساة ان يحدث ذلك في عهد أول حكومة وطنيه بعد الإستقلال وقد تم إعتقال حسن الطاهر زروق والوسيله وغيرهم من الشيوعيين لتضامنهم مع المزارعين.

وقد كتب صلاح احمد ابراهيم من الشعر اروعه عن تلك المأساة الدامية:-

لو انهم

حزمة جرجير يعد كي يباع

لخدم الافرنج في المدينة الكبيرة

ماسلخت بشرتهم اشعة الظهيرة

وبان فيها الاصفرار والزبول

بل وضعوا في الظل في حصيرة

وبللت شفاهم رشاشة صغيرة

وقبلت خدودهم رطوبة الانداء

والبهجة النضيرة

لو انهم فراخ

يصنع من اوراكها الحساء

لنزلاء الفندق الكبير

لوضعوا في قفص لايمنع الهواء

وقدم الحبّ لهم والماء

لو انهم ????..

ماتركوا ظماء

ماتركوا يصادمون بعضهم لنفس الهواء

وهم يجرجرون فوق جثث الصحاب الخطوة العشواء

والعرق المنتن والصراخ والاعياء

ماتركوا جياع

ثلاثة تباع

في كتمة الانفاس في مرارة الأوجاع

لوانهم?????.

لكنهم رعاع

من الرزيقات

من الحسينات

من المساليت

نعم ?. رعاع

من الحثالات التي في القاع

من الذين انغرست في قلبهم براثن الاقطاع

وسملت عيونهم مراود الخداع

اخيرا ولكي اوضح كيف يربي الشيوعيون عضويتهم اذكر ان طلاب الثانويات في ثمانينات القرن الماضي كانوا حينما يكتبون طلبات العضوية للحزب الشيوعي كانوا ليبداونها بالفقرة التالية من دفاع عبد الخالق :-

((لقد رأيت ومازلت اري ان الانسان حينما يتوصل الي سر الكلمة المكتوبة يضع اقدامه في طريق شاق تحفه المسؤوليات الإجتماعية وخاصة في بلد مثل السودان تتفشي فيه الامية فان الامانة التي يتحملها المتعلم تنوء تحتها الجبال ، فعليه ان يعد نفسه لتحملها ويسعي ويجاهد نفسه لكي يصبح صالحاً لإحتمال المسؤولية الاجتماعية أمام مواطنيه ، فهو رائد والرائد لايكذب أهله ،المتعلم الذي يضع نفسه في قفص عليه قضبان من المصالح الشخصية والتعصب الفردي عضو مشلول يتهرب من المسؤولية ويعض اليد التي طالما أسدت إليه الجميل )).

وأخيرا جداً :-

أولئك ابائي فجئني بمثلهم

اذا جمعتنا ياجرير المجامع.

الميدان

تعليق واحد

  1. لو قيل لي ياشيوعي اليوم لشعرت بالفخر والاعتزاز .. بالرغم من عدم انتمائي لهذا الحزب العملاق ..
    فمن لايتمني ان يكون تربية حزب اخرج عمالقة في اي مجال .. عبدالخالق .. قاسم امين .. الشفيع . عزالدين علي عامر .. نقد .. جوزيف قرنق .. فاروق حمدنالله .. حميد .. محجوب شريف .. مصطفي سيد احمد .. الخاتم عدلان .. فاطمة احمد ابراهيم .. والقائمة تطول
    وماشين في السكه نمد من سيرتكم للجاين
    حزب لايخرج الا الدرر هو جدير بالفخر
    حزب يرفد الوطن بالوطنيين والوطنيه جدير بالاحترام
    وحارنك نحن ودارنك المامن شعبنا مامنك
    والتحية للحزب الشيوعي العملاق
    وعاش نضال الشعب السوداني

  2. ،المتعلم الذي يضع نفسه في قفص عليه قضبان من المصالح الشخصية والتعصب الفردي عضو مشلول يتهرب من المسؤولية ويعض اليد التي طالما أسدت إليه الجميل )).

    ياسلام هذا القول يذكرني بسبدرات
    عندما كان في مدني الثانوية وعامل فيها شيوعي كبير كان يتهرب من توزيع منشور في المدينة لان العملية فيها قبض وسجون
    اتمني يطلع سبدرات علي ما كتبت

  3. هذا الكلام لا يفهمه من أراد أن يشتم المزارعين بالشيوعيين،،، كذلك لا ننسى دور الاتحاديين وطيب الذكر الشريف حسين الهندي الذي أحبه المزارعون ،،، وقد حكى لي الوالد رحمه الله أنه في الديمقراطية الأكتوبرية عندما ترشح الحاج مضوي ضد الدكتور حسن الترابي وقد كان آنذاك قادما جديد لنج من السوربون ،، أقام الدكتور الترابي ندوته في المسعودية وتحدث للناس حديث الاشواق فبكى من بكى وطرب من طرب من اسلوب الدكتور،، وكان الشريف حسين الهندي قد جاء بعربته وركنها بعيداً عن مكان الندوة ووقف يستمع لما يقوله الدكتور ثم رجع قافلاً الى بري،، ثم عقد الاتحاديون ندوتهم الانتخابية في ذات المكان بحضور الشريف حسين فتحدث لأهل الدائرة وجلهم مزارعين عن الزراعة والانتاج وهموم المزارع فطرب الناس للحديث الواقعي الحياتي وعندما انتهت الندوة وركب الشريف عربته هجم عليها المزارعون وحملوها عن الارض وهم يهتفون،، وفاز الحاج مضوي على الدكتور الترابي ،، وعندما دقت بغ بن في البي بي سي لنشرة الاخبار قال المذيع: إنتخابات السودان رجل القراشات يفوز على الدكتور ) وقد كان المرحوم الحاج مضوي صاحب ورشة في السجانة ،،،

    ومع احترامنا لخيارات الناس الا ان الاحزاب العقائدية هي التي عرقلت المسيرة الديمقراطية ولا ننكر أن فيها قامات تؤمن بالحقوق والعدالة والمساواة ولكن أخطأوا الطريق السياسي الموصل الى هذه القيم،،،

  4. (البوليس شابك شيوعية وفاكر نفسو بنبذ فينا)?.

    ومن حرّر البوليس من قبضة الاستعمار ومنحه حقوقه الإنسانيّة والماديّة
    أليس الشيوعيون هم من فعلوا ذلك عام1954 بإضراب البوليس المعجزة
    إضراب قاده الشيوعي الشاب ،العريف / عثمان عبدالرحيم أبو القاسم ورفاقة
    ومن حرّر البوليس من ذلك الزي (اللبس) القصير ورفع شأنه ومنحه مكانته وطوّره
    أليس هو الثوريّ الشهيد الرائد / فاروق حمدالله
    يشهد الله أنّني لست ولم أكن شيوعيّايوما، لكني عاشرتهم وشاركتهم الكفاح والنضال
    منذ نهاية الخمسينات فلم أر لهم أطماعا وأهدافا غير أمانيهم لرفعة الوطن والمواطن

  5. “البوليس شابك شيوعية وفاكر نفسو بنبذ فينا”
    والله نبذك نبذ ما خل ليك حاجة

  6. التحيه لكل مناضلي بلدي ووطنييها . التحيه للشرفاء من الشيوعيين والديمقراطيين والوطنيين . من احزاب الامه والاتحادي وكل الاحزاب السودانيه والنقبات .

  7. ‎الشوعين هم الشرف والدين والوطنية والانسانية وعكسهم تماما الاخوان الكيزان جميعهم من مات او حي منهم كما ارجو ان نفرق بين الاسلام والاسلامين ‎

  8. على ذكر البوليس فى كسلا كان عندنا المرحوم الامين مخمد حمد كان يعمل فى شرطة كسلا وكان كادر شيوعى علنى كان على قدر كبير من الشجاعة وقدر واسع من الثقافة ما زاد حيرة خصومه
    انه كان مواظبا على صلواته فى جامع الترعة بطريقة مذهلة وكان مصداما ومنافحا عن الحزب
    وافكار الحزب بطريقة مدهشة كان انسانا رائعا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..