الانقاذ … خطيئة الشيخ ومفسدة التلاميذ

في حوار له عقب ثورة 25 يناير المصرية مع الاعلامية منى الشاذلي على قناة دريم في برنامج العاشرة مساء اعترف الشيخ حسن الترابي بخطأ تقديراته ومسؤوليته عن انقلاب الثلاثين من يونيو 89 الذي وظف فيه الخديعة والغش السياسي حين قال ذهبت الي السجن حبيسا وذهب البشير الي القصر رئيسا .
غير ان الترابي قال ان تلاميذه استمرأوا السلطة التي هي مجلبة للمفسدة واستحلوا كراسي الحكم رغم انه كان يهدف من وراء الانقلاب الى إعادة التوازن إلى قضية السلطة والثروة في البلاد بل واعادة الديمقراطية عبر الانقلاب عليها .
وأي كانت نوايا الشيخ فان اركان العدل لاتقام على الظلم والإقصاء والتشريد وان الديمقراطية لاتبنى بالقهر وإن صدق في تورط تلاميذه في مفاسد السلطة على نحو غير مسبوق من فئة تتبنى الشعار الاسلامي وتدعي الطهر على نحو اصبح مسرحيا ومثار للسخرية من المجتمع.
بعد اكثر من 20 عاما من عمر مفسدة الانقاذ بدأ البعض من الاسلاميين في تحسس مواقع اقدامهم والنأي عن خطيئة التجربة وجرمها وقد سبقهم إلى ذلك بعض من قيادات وكوادر قيادية شاركت بحماسة في بدايات الانقاذ ومعاركها السياسية والفكرية ضد خصومها السياسيين كتجاني عبدالقادر وحسن مكي وعبدالوهاب الأفندى وابوبكر الشنقيطي والطيب زين العابدين وغيرهم من الكوادر القيادية التي كانت تحلم بمشروع ما وإن كان على انقاض الديمقراطية الوليدة.
ثم لحق بهم آخرون في شكل جماعات منظمة وتيارات صدمت بحجم الفشل والفساد الذي اعترى مفاصل الدولة والسلطة. وبعد ربع قرن من الأخطاء القاتلة اضحت الانقاذ ملاذا آمنا للطفيليين وهواة الفساد والمضاربين بقوت الشعب وعلماء السوء ومليشيات الجنجويد والمتسلطة والمجموعات المسلحة التي ترفع شعار ” المنصب مقابل البندقية ” والمنشقون من احزابهم بحثا عن مكاسب شخصية بتأجير اسماء احزابهم الأم بغية اجماع وهمي يبيعونه للسلطة مقابل دراهم معدودة وغيرهم ممن يعتبرون نتاجا لإفرازات الانظمة الشمولية .
ربع قرن من فشل الاسلاميين في السودان خير شاهد له ما آل إليه حال البلاد اليوم .
ترى ماذا سيكون حال السودان اليوم لو قدر له ان كف الترابي أذاه عنه في ذلك اليوم الانقلابي المشئوم وقدر للمسيرة الديمقراطية ان تمضى بكل اخطائها لدوارات ودوارت تغسل ادرانها وتستشرف مستقبل الديمقراطيات العريقة .
اي جرم ارتكبه الاسلاميون من جماعة الترابي بكل تياراتهم في حق البلاد والعباد واي ثمن يمكن ان يكفروا به عن اخطائهم في حق هذا الوطن .
بعد ربع قرن يتحدث نظام الانقاذ الذي يقول احد قادته الكبار على عثمان محمد طه إنه يتشرف به يتحدث عن الحوار مع القوى السياسية في محاولة جديدة كان يظنها البعض عودة متأخرة للحق الضائع لكنها سرعان ما تكشفت انها مجرد خدعة جديدة لشراء الوقت والتستر على بؤر الفساد الذي فاحت روائحه في اكبر هزيمة نفسية مخلة بالشرف يتلقاها النظام . واي حوار الذي يسجن ويعتقل فيه النظام اصدق محاوريه ويودعهم غرف الحبس فقط لأنهم استنكروا حرق القرى وقتل الابرياء عبر مليشيات الجنجويد التي يستأجرها جهاز الأمن بشهادة قائدها المعروف بحميدتي في حواره التلفزيوني مع قناة بي بي سي البريطانية.
وحميدتي هذا وفق سيرته الذاتية ضرب من قادة الانقاذ المستحدثين من المؤلفة قلوبهم الذين يجدون الشجاعة في قتل الأبرياء وحرق القرى الأمنة في دارفور وجنوب كردفان لكنه لايقوى ان يحرر شبرا من حلايب . ولو كان لحميدتي وقواته ان يثبت حرصه على امن البلاد الوطني لكانت حلايب هي المختبر الحقيقي رغم أن مانرجوه ان تجد الازمة حلا سلميا وفاقيا بين شقيقين لكنها فقط قراءة في التعثر في مفهوم القوة لدى البعض.
الحراك الذي يسود بين بعض المنتسبين للتيار الاسلامي من مرجعية اخوانية يفسر بوضوح حجم الفشل الذي يعانيه هذا التيار وحجم ماتسبب به فيه من دمار للبلاد وجرائم وانتهاكات توثقها المؤسسات الدولية وهذا مايدفع للقول إنه وبرغم الخطوات الجريئة التي خطاها تيار الاصلاح الان بقيادة د غازي صلاح الدين إلا اني اخشى ما اخشاه ان ينزلق التيار مرة اخرى الي عشة الحنين بين الاسلاميين في ضوء مايحيط بالمنطقة ومايجري تحديدا مايحدث في مصر من تحولات ليست هي باي حال في صالح الاسلاميين بمشاعر اخوانية . ولعل صمت الترابي المحير الذي تناولته الصحف وانزلاق المؤتمر الشعبي مرة اخرى إلى ” العشة القديمة “بتراجعه عن مواقفه السابقة التي اطلقها من منصة المعارضة مايشير إلى ان هناك اجندة خفيه لاتتسق مع المصلحة الوطنية وتطلعات الجماهير بقدرما انها ترتبط باجندة ايديولوجية . إلا ان هذه الأجندة ستكون خصما عليهم لا اضافة لهم.
كانت مبادرة الحوار التي اختلف الناس حول صدقيتها هي آخر قشة يمكن ان يتعلق بها النظام في ضوء تاريخه المفعم بالفشل والانهيارات الأمنية والاقتصادية والسياسية والعزلة الخارجية والفوضى الاجتماعية والحروب الداخلية وتناسل الطفيليين وسطوة الفساد وشرعنة مليشيات القتل وانتقاص السيادة الوطنية وغياب الدولة .
إلا ان هذه المبادرة وباجماع المراقبين تودع الان غرفة الانعاش بايداع داعية الحوار والسلام الامام الصادق المهدي غرفة المعتقل وفي ظل غياب الثقة وتضارب ماتبقى من اجنحة متصارعة داخل النظام يحركها المعزلون من قيادات المؤتمر الوطني من خارج اروقة الحكم عبر حواريهم داخل السلطة بين راغب في حوار يستظل به من المحاسبة ورافض للحوار رغبة في استمرار الهيمنة ودفع البلاد نحو التمزق حماية لسلطانه ومكاسبه لآخر لحظة على نحو مافعل انصار الرئيس مبارك والرئيس بن على والقذافي وبشار ولكنهم كما يقول المثل المصري ” دبور زن على خراب عشه ” لأن النصر دائما مايكون للشعوب في نهاية المطاف .
مجرد تساؤلات يرددها البعض بين الامل والاحباط :
هل يستعيد القضاء السوداني هيبته وينتفض انتصارا للعدل ودولة القانون محاربة للفساد بعيدا عن مهادنة السلطة وسلاح الترغيب والترهيب؟
هل تحافظ القوات المسلحة وقوات الشرطة السودانية على هيبتها وشموخها وانتمائها للوطن والشعب برفض الاستهداف الممنهج وفرض المليشيات على مسارها الذي يشل ارادتها ويعطل دورها ؟
هل تبقي الصحافة السودانية على جذوة من الاتقاد رغم التهديد والوعيد الذي يلاحق الصحفيين واهل الراي ؟
(ترى ماذا سيكون حال السودان اليوم لو قدر له ان كف الترابي أذاه عنه في ذلك اليوم الانقلابي المشئوم وقدر للمسيرة الديمقراطية ان تمضى)
وهل يدرك الجبهجية ان الانقلاب المشئوم قد دمر التنظيم الاسلامي نفسه.؟ ضم التنظيم اكبر قدر من الخريجين, مما يجعله قابلا للتطور الفكري وللعب دور ومساهمات ارقى من هذا الذى جري. كانوا فى حاجة ماسة للديمقراطية. الديمقراطية ضرورية للجميع عدا القلة من عناصر الجبهة الذين اضحوا مليارديرات.لقد افضى هذا باذكيائهم للتلفيق وضعف الدفوع, وهم تحت وطأ عار الانقلاب وجرائمه.
ولكن الانقلاب ليس الجريرة الاولى التى انفرد بها الترابي, التى حجبت عن مثقفيه حق التداول والقرار.ذلك عندمااستقوى وقوى الطفيليين مطلع الثمانينيات.لقد تحول لحزب الطفيلية بحق وحقيقة. ولازال العقل الطفيلي هو المحرك المسيطر.
لولا تشوهات التنظيم لألقى بثقله لترسيخ الديمقراطية بدلا من ضجيج الفوضى الذى ما كان ليهدأ. ولترسخت الديمقراطية.
خسائر فى كل الاتجاهات.
ام ترى ان الفناء جنيني فى خلايا الفكرة ؟
طالما افتقدنا قلمك الشفيف بالله عليك انر ظلام الصحف الالكترونية و انشر التحليل الصادق الموضوعي