نظرة خاطفة لاوضاع حقوق الإنسان في يومها العالمي

العاشر من كانون الاول/ ديسمبر 1948م صاغة ممثلون من مختلف الخلفيات القانونية والثقافية من كل انحاء العالم الاعلان العالمي لحقوق الانسان، ويحتفل بهذا اليوم باعتباره يوم حقوق الانسان. وقبل اكثر من 24 عاما عين مجلس حقوق الانسان مقرر خاص لحقوق الانسان في السودان وتم تغيره مؤخرا بالخبير المستقل لحقوق الانسان، وحالياً يشغل هذا المنصب اريستيد نونوسي، بنبيني الجنسية، ومن ضمن مهام الخبير المستقل تقييم جهود الحكومة السودانية للأيفاء بالتزاماتها الدولية الخاصة باوضاع حقوق الانسان في السودان ومتابعة تنفيذ التوصيات الصادرة من آليات حقوق الانسان.
جدد مجلس حقوق الانسان للخبير المستقل أريستيد نونوسي في آخر دورة للمجلس سبتمبر 2017م، ويعمل الخبير المستقل وفقاً للاجراءات الخاصة لمجلس حقوق الانسان، ويعتبر احد اليات التقصي والمراقبة المستقلة التي يستخدمها مجلس حقوق الانسان عند تناول اوضاع وقضايا الحقوق المدنية والسياسية في السودان، ويعمل الخبير المستقل الحالي تحت البند العاشر الخاص بتقديم العون الفني والتقني وبناء القدرات لتحسين اوضاع حقوق الانسان، وتم منحه صلاحيات من البند الرابع الخاص بمراقبة وتقييم والتحقيق وكتابة التقارير عن اوضاع حقوق الانسان بهدف تقديم توصيات بشأن المساعدة التقنية.
في آخر زيارة للخبير المستقل أريستيد نونوسي للسودان 9 – 22 فبراير 2017م التقى مع الجهات المعنية المتمثلة في منظمات حقوق الإنسان وبعض النازحين في دارفور، هيئات الامم المتحدة، شخصات معارضة ومسؤولين في الدولة بما فيهم نائب الرئيس السوداني بكري حسن صالح، وناقش معهم الخطوات المتخذة من قبل السلطات لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في السودان. وابدى أريستيد نونوسي قلقه على اوضاع الحقوق المدنية والسياسية في السودان، وفي مؤتمر صحفي بعد انتهاء زيارته قال انه قلق على اوضاع حقوق الإنسان في السودان وان هنالك العديد من القوانين في حاجة الى تعديلها حتي تتواكب مع المعايير الدولية لحقوق الانسان، واشارة الى ضرورة استقلالية الجهاز القضائي والنيابة لضمان مساءلة السلطة التنفذية في حالة أرتكابها تجاوزات أو انتهاكهات.
ظل سجل حقوق الإنسان في السودان سيئاً مع استمرار الانتهاكات التي ترتكب من قبل القوات الحكومية على المدنيين في مناطق النزاعات (جنوب كردفان، النيل الازرق واقليم دارفور)، برغم اعلان الحكومة السودانية وقف اطلاق النار من جانبها وايضاً اعلان بعض الحركات المسلحة إلا أن العمليات العسكرية مازالت مستمرة، ففي بيان تم نشره في سودانتربيون بتاريخ 10 ديسمبر 2017م اتهمت الحركة الشعبية جناح مالك عقار الحكومة السودانية بخرق وقف اطلاق النار المعلن من قبل الحكومة السودانية. ومازال القمع والتقييد على منظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام المستقلة مع استمرار القوات الامنية في الحجز والاعتقالات التعسفية الواسعة وسط المنتقدين لها، واحياناً حظر السفر الذي يفرض على الناشطين السياسيين والمدافعين عن الحريات المدنية والسياسية. يتعرض العديد من المعتقلين للتعذيب وسوء المعاملة أثناء الاحتجاز، بالاضافة إلى استخدام قوانين النظام العام والمحاكمات غير العادلة لتقييد واسكات المعارضين والناشطين الحقوقين. ففي 10 ديسمبر 2017م برات محكمة النظام العام في الخرطوم 24 فتاة بعد أن تم حبسهم بناء على المادة 152(الافعال الفاضحة) من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991، وفي نفس اليوم تم اعتقال كل من ويني عمر ومنتصر ابراهيم (مونتي)، وتم حبسهم بناءً على قانون النظام العام بعد أن شاركا في وقفة احتتجاجية تتطالب بتبراءة ال24 فتاة. أما فيما يخص أوضاع الحريات الدينية فهو الأسوأ على مر تاريخ السودان الحديث، واستمرت الحكومة في التضييق على الحريات الدينية وبالاخص انشطة المؤسسات الكنسية التي تم استهدافها عن طريق مصادرة ممتلكات ودور العبادة المسيحية وملاحقة الناشطين من المسيحيين الذين يدافعون عن حقوقهم.
ومن جانب آخر هنالك العديد من القوانين التي تتعارض مع المعايير الدولية لحقوق الانسان وتستغلها الحكومة السودانية لقمع الحريات، ومن ضمن هذه القوانين قانون جهاز الامن لعام 2010 الذي يتيح للسلطات الامنية الاعتقال والحجز وتصل مدته إلى 4 اشهر ونصف مما يعد انتهاك جسيم لكل المعايير الدولية، ويمنح قانون الامن الوطني حصانة أجرائية لمنسوبية لافعال تقع تحت طائلة المسؤلية الجنائية.
هنالك ايضاُ العديد من المواد في قانون الاجراءات الجنائية والقانون الجنائي تتعارض مع المعايير الدولية لحقوق الانسان، و مع الدستور السوداني ومن ضمنها المادة 126 (الردة) من القانون الجنائي التي تصادر حق الحرية الدينية. ففي 8 مايو 2017م تقدم محمد صالح الدسوقي بطلب إلى نيابة أمبدة وسط مطالباً فيه بتغيير ديانته، الإ أن نيابة امبدة وجهت بفتح بلاغ تحت المواد 126/ 69 (الردة/الاخلال بالسلامة العامة) من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991م ضده وبناءً عليه تم حبسه على الفور، وقضى اربعة ايام في الحبس وتم ايقاف الاجراءات بناءً على تقرير الطبيب النفسي الذي قال أنه مريض نفسياً. وايضاً تم القبض على الصحفية مروة التجاني بموجب المادة 125 / 126 على خلفية مقال تم نشره في الحوار المتمدن، وتم شطب البلاغ بعد حبسها لمدة يومين.
عدل البرلمان السوداني بعض المواد في القانون الجنائي، وحسب صحيفة الايام أن البرلمان مرر 68 تعديلاً من القانون الجنائي وقانون الاجراءات، وتجوز التعديلات المقترحة على قانون الاجراءت الجنائية لسنة 1991 للحكومة مقاضاة المعارضين والنشطاء بأثر رجعي، وايضاً منح العسكريين وقوات الأمن حق استخدام القوة في القاء القبض على المتهمين، حبس المتهم لمدة 10 أيام لدى النيابة بدلاً عن 3 أيام، ومنح النيابة سلطة حبس معتادي الاجرام من دون ارتكاب اي جريمة.
قانون النظام العام الذي يعطي محكمة النظام العام صلاحيات بدون معايير واضحة في اثبات الجريمة والحكم، يتعارض مع المعايير الدولية لحقوق الانسان، وعادةً تطبق العقوبات القاسية أو اللإنسانية والمهينة او الحاطة من الكرامة ، وبالاخص المادة 152 من قانون النظام العام التي تعتبر سيفا مسلطا على رقاب النساء والفتيات لكي يلتزموا بقواعد بالشريعية الاسلامية. وحسب تصريح صادر عن إدارة السجون العامة أن 80 % من نزلاء السجون البالغ عدد 22 الف نزيل موقوفين في قضايا تتعلق بالنظام.
قانون الصحافة والمطبوعات لعام 2009م المادة 35 التي تنص على العقوباتالتي قد تصل لحد التوقيف والحظر وسحب السجل والترخيص وتجريم الصحافي وحبسه، وحدد هذا القانون معايير تتعلق بالأمن القومي وهي معايير تعتبر سيف مسلط لفرض مزيد من القيود الأمنية على الصحافة والصحفيين بشأن التعبير عن أرائهم. وخلال هذه العام تمت مصادرة العديد من الصحف بحجج مختلفة، وخلال ديسمبر 2017 تمت مصادرة صحيفة اخر لحظة، التيار، الوطن، الجريدة، وعادةً تتم المصادرة بعد الطبع ويهدف ذلك الى احداث خسائر مادية للصحف، وتستمر عملية المصادرة والتوقيف بدعاوي مختلفة يهدف منها مصادرة الحريات وفرض القيود برغم تناقض هذه الطريقة مع القانون والدستور.
يعتبر قانون تنظيم العمل الطوعي والانساني لعام 2006م الذي يعطي الوزير صلاحيات مطلقة وبالاخص المادة التي تتعلق بشروط التسجيل المادة 9 -3/ح التي تنص على (أي شروط اخرى يضعها الوزير)، بالرغم من أن القانون يجب أن يوفر الاجواء الحرة التي تساعد على سرعة أداء ومضاعفة جهد العمل الطوعي الإ أنه في السودان يعتبر أكبر عقبة، وتستخدم الحكومة القانون لملاحقة وعرقلة العمل الطوعي الذي يقوده نشطاء حقوقيين أو منظمات حقوق الانسان، وتم طرد والغاء التسجيل للعديد من المنظمات ومصادرة اموالها، واخرها مركز الخاتم عدلان، تراك وسودو، وتم اعتقال كل من خلف الله الفيف ومدحة عفيفي ومصطفى ادم يعملان في تراك وتمت محاكمتهم بعد 9 شهور من تاريخ الاعتقال، وايضاً اعتقلت السلطات الامنية كل من موضي ابراهيم وحافظ أدريس منذ ديسمبر 2016 والناشطة تسنيم ويعملون في منطمة سودو وتم توجيه تهم ضدهم تصل عقوبتها الاعدام، واطلق سراحهم بعد أن اصدر الرئيس السوداني عفو رائسي في 29 اغسطس 2017م.
ومن اهم التحديات التي تواجه السودان هي الافلات من العقاب والعقبات القانونية التي تعطي الحصانة لحماية فئات معينة مثل افراد القوات المسلحة والامن والمليشيات الحكومية والمسؤولين عن انتهاكات حقوق الانسان، ففي احداث سبتمبر 2013م التي قتل فيها العديد من المتظارهين، قال بدرين الخبير المستقل الاسبق أن المنظمات الحقوقية تتحدث عن اكثرمن 140 قتيل بينما قالت الحكومة أن عدد القتلى 84 وحتى الان لم تشكل الحكومة لجنة مستقلة لمتابعة وتقصي الحقائق ومحاكمة الجناة. وفي 31 اغسطس 2017م في احداث عنف داخل جامعة امدرمان الاسلامية تم قتل الطالب جعفر على عبدالباري وجرح 9 اخرين ، ويعتبر هذا جزء من سلسلة الاستهدافات المستمرة على الطلاب المعارضين وبالاخص المنحدرين من اقليم دارفور بالاضافة الى استخدام القوة المفرطة والاعتقلات التعسفية، ولم يتم حتى الان اجراء أي تحقيق في هذه الاحداث.
ومن التحديات التي تواجه الاجهزة العدلية هي عدم وجود تحديد واضح لمهام المحاكم المتخصصة المنشأة بموجب قانون الطوارئ لعام 1997م والمحكمة الجنائية الخاصة للجرائم الخطيرة في دارفور، وفي العادة يتعرض القضاة ووكلاء النيابة لضغوط من جانب السلطة التنفيذية أو وجهاز الامن لكي تصدر قرارت غير نزيهة بدون توفيير المعايير الخاصة بالمحاكمة العادلة كما حدث في محاكمة الناشط عاصم عمر، وهو طالب بجامعة الخرطوم تمت محاكمة بواسطة قانون النظام العام مع ثلاثة من اعضاء حزب المؤتمر السوداني بتاريخ 6 يوليو 2015م وقضى الحكم بالجلد 20 جلدة بسبب مشاركتهم في مخاطبة سياسية اقامها حزب المؤتمر السوداني. وايضاً منذ 2 مايو 2016م تم اعتقال الطالب عاصم عمر بواسطة الاجهزة الامنية من امام بوابة جامعة الخرطوم، وتعرض عاصم للتعذيب وبعد اسبوع من الاعتقال تم تحويله الى حراسة الشرطة وفتح بلاغ تحت المادة 130 القتل من القانون الجنائي وتمت محاكمته في 29 اغسطس 2017 بالاعدام في قضية لم تتوفر فيها معايير المحاكمة العادلة، وأيدت المحكمة الاستئناف حكم الاعدام.
لم تبذل الحكومة السودانية اي جهود عملية لتحسين أوضاع حقوق الانسان مع استمرار النظام في استغلال القانون والاجهزة الامنية لملاحقة المعارضين وقمعهم، بالرغم من أن الحكومة السودانية منذ 2011م وافقت على التوصيات التي تقدر باكثر من 120 توصية تتعلق بالحقوق المدنية والسياسية المقدمة من مجلس الامن ، وفي كل مرة خلال الاستعراض الدوري( Universal Periodic Review) امام مجلس حقوق الانسان بجنيف, تقدم الحكومة السودانية تقرير تبرز فيه التزامها تجاه تحسين أوضاع حقوق الانسان إلا أن الواقع يعكس غير ذلك.
ان عدم وفاء الحكومة السودانية بالتزاماتها الدولية تجاه حماية وتعزيز الحقوق المدنية والسياسية يضعها دوماً في مواجهة مع المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية التي تعمل على مناشدة الحكومة لاحترام حقوق الانسان. فعلى الحكومة السودانية أذا أرادت أن تخرج من مأزق العقوبات والمواجهة فيجب عليها أن تلتزم بانفاذ التوصيات الصادرة من مجلس حقوق الانسان وتقرير الخبير المستقل ومنظمات المجتمع المدني الوطنية واشراك الخبير المستقل ومنظمات المجتمع المدني السوداني في عملية تنفيذ التوصيات.
تعتبر الشروط التي تفرضها الادارة الامريكية لرفع العقوبات هي آلية فعالة للضغط على الحكومة السودانية لتحسين اوضاع حقوق الإنسان، واذا واصلت الدول الاعضاء في مجلس الامن على فرض قيود وعقوبات سوف يجبر النظام الحاكم في السودان على تسحين أوضاع حقوق الإنسان وحماية وتعزيز سيادة حكم القانون. فبالتالي على الدول الاعضاء في مجلس الامن والدول الداعمة العمل على تعزيز وحماية السلم والامن الدوليين وذلك باتخاذ خطوة عملية وفعالة لوقف الانتهاكات وفرض مزيداً من القيود والعقوبات على المسؤولين النافذين في الحكومة السودانية.
على الناشطين السياسيين والمدافعين الحقوقيين مواصلة حملات المناصرة والضغط عبر الوقفات الاحتجاجية لتعديل القوانيين التي تنتهك الحريات الاساسية.
حرياتنا هي كرامتنا وبالتالي عندما تصادر الحريات نصبح بلا كرامة.
[email][email protected][/email]