أخبار السودان
“التسوية” السياسية.. هل هي المخرج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة؟

الراكوبة: مروة كمال
تقترب الأزمة السودانية من نهاياتها عبر تسوية سياسية وفق ما رشح من أنباء هنا وهناك، مع إعلان رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان و«الآلية الثلاثية» الأممية والأفريقية التي تقود الوساطة بين الفرقاء السودانيين.
ففي حين، اقترب التوصل إلى تسوية لحل الأزمة السياسية بالتراضي بين جميع الأطراف، ينظر الكثير من المتابعين إلى هذه التسوية كعامل آخر يمكن ان يعبر به اقتصاد البلاد نحو التحسن عقب انهيار كبير شهده جميع القطاعات الإنتاجية بالبلاد، بسبب انخفاض قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية، والسياسات القاسية التي اتبعتها وزارة المالية وتطبيقها للعديد من الرسوم والضرائب.
في هذا المنحى أكد خبراء لـ”الراكوبة” أن الاستقرار السياسي يُعد المنصة الرئيسية للتخطيط الاستراتيجي والبرامج الاقتصادية.

تحريك العجلات
وبدوره قال عضو اللجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير محمد نور كرم الله كركساوي، أن الاستقرار السياسى هو المنصة Platform التى يستند عليها التخطيط الاستراتيجي والبرامج الاقتصادية سواء كانت طويلة أو قصيرة الأمد.
وأضاف كركساوي لـ”الراكوبة” أن العلاقات والسياسة الخارجية هى إحدى الركائز التى تمثل قرابة ٣٠% من إيرادات الموازنة ربما أكثر.
وتابع: “عليه إذا تمت التسوية تعنى قيام حكومة مدنية تمثل غالبية الشعب فبالتالى يحدث الاستقرار السياسى وتعود العلاقات الدولية كل هذا سيكون له الاثر الايجابي فى تحريك ميكانزمات عجلة الاقتصاد الكلى الراكدة.
وأكد أن ذلك يأتي بزيادة الإيرادات خاصة البند الخارجى، وأرباح الهيئات والشركات العامة مما يساعد فى تحسين عجز الميزان الداخلي والخارجي مع تقليص حجم المصروفات العامه باجراء الاصلاحات اللازمة مثل إعادة هيكلة أجهزة الدولة المترهلة، وتعديل قوانين الحوكمة الحالية بالتركيز على المرونة، الرقابة والشفافية لمحاصرة الفساد ، التجنيب والتهريب.
وبين كركساوي، أن ذلك يتزامن مع استقلالية البنك المركزي لإجراء الإصلاحات اللازمة فى السياسات النقدية والمصرفية وكل ذلك يتم وفق منهجية توجيه معظم الإيرادات نحو بنود الخدمات والتنمية وليس الصرف التشغيلي.
وقت رهن تحقيق ذلك بالتنسيق الفعال بين البنك المركزى، ووزارة المالية ووزارة التجارة والصناعة وقوة الإرادة، مؤكدا أن جميع هذه الجهود ذات أثر ايجابى فى تقوية العملة المحلية الشرائية ، خفض الأسعار ومعدلات نسب التضخم العالية.
التدهور السريع
وفي المقابل يرى الخبير الإقتصادي د. هيثم محمد فتحي، أن التدهور المتسارع لقيمة الجنيه السوداني، وانكساره أمام العملات الأجنبية، أدى إلى تداعيات اقتصادية كبيرة تمثّلت بانخفاض قيمة الرواتب مقارنة مع الأسعار، التي وصلت بالنسبة لبعض المواد الغذائية الأساسية إلى حد الثلاثين ضعفاً، وسط تراجع القوة الشرائية للمواطن، في ظل مستويات عالية من التضخّم.

وقال هيثم، لـ”الراكوبة” إن نجاح كل ذلك مرهون بالتوصل إلى توافق إقليمي ودولي، والأهم إلى حل سياسي داخلي للأزمة التي تقترب من إتمام عامها الرابع ، ومثل هذا الحل هو الذي سيحول السودان من جديد إلى واجهة استثمارية عالمية، وهو الذي سيعيد للبلاد ثرواتها ومواردها ويتيح لها استثمار موقعها الجيواقتصادي، ويرفع العزلة الغربية عنها.
واعتبر أن التظاهرات والاحتجاجات وقطع الطرقات إلى الشارع لا يمكن مواجهتها إلا بتوافق سياسي يتمّ تتويجه بتشكيل حكومة للقيام بعملها، سواء من خلال السعي لوضع حد للانهيار الحالي ومواجهة الانهيار الاقتصادي وتردّي قيمة الرواتب، ذلك من خلال تقارب القوى السياسية.
استنزاف خطير للموارد
في نفس الوقت نوه هيثم، إلى أن البلاد تواجه استنزافاً خطيراً للموارد، بما في ذلك رأس المال البشري، ومن المرجّح أن تغتنم العمالة ذات المهارات العالية الفرص في الخارج بشكل متزايد، مما يشكّل خسارة اجتماعية واقتصادية دائمة للبلاد.
كما أكد أن الاقتصاد السوداني أمام أزمة حادة لا يمكن حلها بدون مساعدات مالية وقروض من الخارج، فى ظل ضعف الاحتياطات من النقد الأجنبى وارتفاع مستويات الفساد وتراجع الإنتاج.
وأضاف: “إما أن نحصل على المساعدات والقروض وهي تعتبر مسكنات مؤقتة للوضع الحالى”.
ونوه إلى أن التنبؤ بالاتجاهات المستقبلية لهذا الإقتصاد مرهونًا بالقدرة على التغلب على التحديات التى تقف أمامه، والتى تعتبر مزيج من التحديات الاقتصادية والسياسية فالطبيعة المميزة للاقتصاد السوداني، وهى أنه اقتصادا أسير للسياسة، ويتطلب تطبيق خطط الإصلاح الاقتصادي ونجاحها وجود توافق سياسى داخلى.
وأوضح هيثم أن هنالك آثارا مباشرة للفوضى السياسية والتجاذبات السياسية الحادة السائدة في السودان والتي رسمت صورة جديدة عن السودان في أذهان المستثمرين والأفراد في مختلف دول العالم فهناك علاقة وثيقة بين صراعات سياسية كثيرة تخفي وراءها مصالح اقتصادية، وتزداد هذه العلاقة تعقيداً والتباساً عندما يكون الفاعل السياسي فاعلاً اقتصادياً في الوقت نفسه.
ماذا تفعل المساعدات والقروض مع ارتفاع نسبة الفساد ؟؟؟