وظننا بأنفسنا الخير

أول ما تعلمناه في مدينة الصحافة وقد دخلناها من باب (الجربندية)، دون سابق دراسة تؤهلنا لمعرفة قوانين السير فيها والمسايرة .. أن الكلمة أمانة والقلم الذي يسطرها سلاح خطير، إما أن تستعمله في البناء والتعمير، وإما أن تتخذ منه اداة هدم وتدمير، فبالكلمة فقط يمكنك أن تأسر قلوب الناس .. تقنعهم بفكرة أو تجعلهم يكفرون بها ..
بـ الكلمة غير المحسوبة كانت تشتعل الحروب وبالكلمة العاقلة كانت تنتهي، وقد ذكر القرآن والسنة المسئولية التي تقع على الإنسان نتيجةَ ما يقول، كقوله تعالى: ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد) صدق الله العظيم .. كما عرّف نبينا الكريم صفة الانسان المسلم فقال (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) ..
حسنا يا جماعة، كل هذه المقدمة الجادة سقتها كمدخل لتناول موضوع غاية في الحساسية، وهو مسئولية الكلمة التي يكتبها البعض من زملاء مهنة المتاعب بقلة اكتراث، ثم يلقون بها للمطابع فتفعل بالانفس فعل (المكسيم) .. تحزن قوم وتجرح آخرون وتفزع البعض وتقنط البعض ? والعياذ بالله ? من رحمة الله ..
التناول العشوائي غير المهني وغير المدروس لقضايا حيوية ومهمة في حياة الناس، تدخل كاتب الكلمة ومن سمح بخروجها للناس في ضيق الكستبان، وحتى لا نتحدث بـ (كلام الطير في الباقير) كان حق علينا أن نأتي بالمثال ..
تتحدث الصحف باسهاب في هذه الأيام عن ارتفاع معدلات جرائم كيت وكيت، فنتساءل وحق لنا عن كم كانت تلك المعدلات ؟ وكم اصبحت ؟ حتى نسارع بـ (طق الروري) وندق كل اجراس الخطر .. ولنأخذ جريمة العنف الأسري كـ ضرب مثل لنا فيه مآرب أخرى ..
نسمع عن تزايد معدلات ضرب الحبيب ? ذكرا كان أو أنثى ? لشريك حياته، ولكنّا نظل نهتف مع أبو عفان ( ما بصدقكم .. دا حبيبي الروح بالروح)، ولكي نصدق ذلك نحتاج لاحصائيات دقيقة ترصد النمو في اعداد الأسر أو (الأجواز)، مقابل التزايد في اعداد الذين يمارسون الهبت النضيف منهم .. فلا يمكن ان نقول انه في عام (كذا) سجلت مضابط الشرطة عدد خمس حالات عنف اسري فقط، بينما تجاوز عدد الحالات الخمسين في عامنا هذا قبل ان يرفع التمام ويغادرنا .. ببساطة لان عام (كذا) كان عدد الازواج لا يتجاوز المليون، والان ربما كان لدينا اكثر من خمستاشر مليون أسرة ? دا ضرب مثل طبعا وليست ارقاما حقيقية .. ما تقومو تقبلو علي أنا حيطتكم القصيرة !!
وينسحب الأمر على كثير من القضايا التي يتناولها ? البعض ? دون تمييز حصيف ولا معلومات دقيقة تؤهله للفتوى في ذلك الشأن، فقد أحزن الناس وساءهم ان تقوم احدى الزميلات بكتابة مقال لتنبيه الأسر للمخاطر التي تحيق بالأبناء وجملة التحديات، ولكنها تجاوزت خط التحذير وسقطت في خيّة التجريح ..
حسنا تاني يا جماعة، النصيحة لي الله فقد ساءني جدا كـ الالاف غيري أن اسمع أو أقرأ لمن يجرؤ بالقول (أن في كل بيت سوداني هناك عاصي وآثم ومرتكب كبيرة) .. كبرت كلمة خرجت من مطابع ? في مثل هذا ? ليس عليها رقيب .. مالكم بالله كيف تحكمون ؟!!
حقيقة، يجب أن لا نعتبر هذه الزلة ? ممن كتب ومن اجاز ومن نشر – شر لنا، بل احسب انها جاءت بخير كثير، فحين ابتلى الله سبحانه وتعالى المؤمنين ومجتمع المدينة بحادثة الافك، عندما اتهمت أمنا السيدة عائشة رضي الله عنها وارضاها في شرفها، وهي صغيرة وضعيفة ليس بيدها حيلة تدفع بها إفك المؤفكين وتدافع عن شرفها، غير ثقتها في الله ورجاءها أن يظهر براءتها لرسولنا الكريم ولو برؤية أو هاتف ينبئه عن الحقيقة، ولكن اكرمها الله بأن انزل براءتها بقرآن يتلى الى يوم يبعثون، بل وطمأن المؤمنين الصادقين الذين تأذوا من البهتان الذي قيل في حق امهم .. طمأنهم الله بـأن لا يحسبوا حديث الافك شر بل فيه خير كثير، وذلك بـ (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين) ..
أي أن المؤمنين قد قاسوا ذلك الكلام الذي رميت به أم المؤمنين رضي اللّه عنها على أنفسهم، فإن كان لا يليق بهم فأم المؤمنين أولى بالبراءة منه .. وهنا نورد حديث سيدنا أبا ايوب وزوجته الذي نزلت فيهم الأية:
روي أن أبا أيوب خالد بن زيد الأنصاري قالت له امرأته أم أيوب:
يا أبا أيوب أتسمع ما يقول الناس في عائشة رضي اللّه عنها ؟
قال: نعم، وذلك الكذب، أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب ؟
قالت: لا واللّه ما كنت لأفعله ..
قال: فعائشة واللّه خير منك ..
نعم سمعنا قول من قال في بيوتنا ما قال فظننا بأنفسنا خيرا .. والله لقد تدبرت هذا القول الجارح وتأملت فيه ما شاء الله لي من تدبر فلم أجد فيه وجهة حق .. اللهم اني اشهدك بأنني أعرف ? حق المعرفة ? بالتداخل والتواصل وصلة القربى أكثر من مئة بيت سوداني ليس فيهم عاصي ولا آثم ولا فاعل كبيرة .. أولهم بيتي والبيت الذي جئت منه وبيوت من جاءوا معي للدنيا وانتهاء بكل بيت سوداني حر فيه الخير وفي عقابه الى يوم يبعثون ..
مخرج:
من اجل ذلك كانت الكلمة أمانة .. فالنؤديها ? معشر الورّاقين – بحقها أو نتركها لمن هم أقدر .. اللهم اننا نعوذ بك من ان نضل أو نخزى .. اللهم جنبنا مزالق الزلل.

منى سلمان
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. مشكورة يا منى ، لقد لقنتى فاطمة الصادق التى دخلت الصحافة عبر الواسطة درسا بليغا فى الكتابه واهميتها ولكن للاسف انتى تتكلمى عن جيل تربية ناس نافع وعلى عثمان الذين لا ضمير لهم ولا وازع اخلاقى يردعهم

  2. حمدا لله على السلامة أختنا منى … نعم أختى الفاضلة الكلمة أمانة ونسأل الله أن يكون رد الفعل لما خطته فاطمة افكا فى بنى جلدتها درسا لكل من تسول له نفسه الكتابة والاساءة لهذا الشعب الطيب .تحياتى .

  3. سلم يراعك استاذه منى، هذاما نعرفه جميعا عن الاسر السودانية، وانا من جانبي اعرف اكثر من مائة بيت آخر ليس به ما ورد في ذلك المقال الغريب الذي اتت به تلك الصحفيه المحسوبة عليكم كصحفية..

  4. الله الله يا بنت سلمان سلمت يمينك ، هذا هو العلم الذى هو ضد الجهل الذى أوردنا الموارد كلام ينبض بالحق فما أسهل اطلاق الكلام على عواهنه من كل ناعق وما أصعب من الكلام فى محله

  5. بارك الله فيك يا منى وأسأل الله سبحانه وتعالى ان ينزل السكينة والوقار فى بيوت المسلمين عامه وبيوت أهل السودان خاصة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..