مقالات سياسية

تضارب المصالح

مشكلة هذه البلد هي أنَّ أغلب مسؤوليها إنْ لم يكنْ كلهم لا يقومون بمسؤولياتهم كاملة دون تقصير، لا أدري لماذا هل لأنهم بسبب عدم المعرفة أم لانشغالهم بتحقيق مصالحهم الخاصة، أم أنهم جميعاً (قاعدين تمومة جرتق). وهناك دولة عميقة تحكم حسب مصالحها كما قال وزير المالية السابق، فأغلبهم حين يأتي وقت رحيله يذهب دون أن يترك أثراً يقتفيه الذي بعده أو أساساً يبني عليه، فحسب ما هو معروف أنَّ المؤسسات تتطور بتراكم الإنجازات. أغلب المسؤولين إن لم يكن كلهم فاشلون فليس هناك رئيس في العالم دائماً يوجه مسؤوليه للقيام بأبسط واجباتهم إلا الرئيس السوداني، وأتحدى أي مسؤول إن لم يوجهه الرئيس، بل أحياناً تصل بعض المشاكل مرحلة بعيدة في الفشل والإخفاق حتى يضعها تحت مسؤوليته الشخصية. ورغم ذلك الأمور لا تستقيم لأنه لا يمكنه أن يتابع كل التفاصيل في عشرات القضايا في وقت واحد. واحدة من تلك القضايا التي كانت بسيطة ثم أصبحت شائكة جداً بسبب فشل المسؤولين قضية الصحة عموماً وجزء منها أزمة الدواء، وفي الحقيقة تجاوزت مرحلة الأزمة وأصبحت كارثة عديل. سبق من قبل كتبت سلسلة مقالات عن مافيا الدواء التي تسببت فيما يسمى بأزمة الدواء، وكان السبب الفساد والفوضى التي حدثت في تجارة الدواء ابتداءً من العام 1991 وحتى تاريخه، فكل الحكاية أساسها الفساد الإداري الذي حدث بسبب الذين تعاقبوا على إدارة أمر الدواء، وغضهم الطرف بل ومشاركتهم الفعلية في تجارة الدواء الذي تعاملوا معه مثلما يتعامل التجار في السوق مع أية سلعة، بل هو فعلاً أصبح مثله مثل أية سلعة، يباع ويشترى ويخزن ويوزع في غير ظروفه. وزير الصحة الاتحادي، بحر إدريس أبو قردة أقر أول أمس بمواجهة الإمداد الدوائي بالبلاد لعقبات عدم الاستقرار الإداري والوضع السياسي والاقتصادي، وأرجع أزمة الدواء إلى تضارب المصالح، وتعهد بتوفير الدولة للدواء المجاني طوال العام. وقال إن الدواء المجاني (حارسو الرئيس بي نفسو)، وهذا تأكيد لاستمرار فشل المسؤولين عن أمر الدواء. ويبدو أن الرئيس يئس من أن يجد شخصاً قوياً أميناً يريحه من حراسة وحماية الدواء المدعوم فتولاها بنفسه، وهو لا يمكن أن يشغل نفسه بهذه المهمة ان لم يكن قد فقد الثقة فيمن يقومون بهذه المهمة وخيبوا ظنه. والمصيبة الأكبر أن كل السلع الأخرى أصبحت تواجه أزمات بسبب تضارب المصالح خاصة السلع الضرورية التي تعتير أهم من الدواء نفسه، وأنا متأكدة من أنه لن ينجح أرتال المسؤولين الذين لهم علاقة بالأمر من فعل شيء وسيضطر الرئيس لأن يحرسها بنفسه أيضاً. هذه ليست هي المرة الأولى التي يشتكي فيها مسؤولون من أن الكثير من الأزمات سببها تضارب المصالح، دون أن يوضحوا من هم الذين تتضارب مصالحهم فيتسببوا لنا في الأزمات حتى في أشياء ضرورية وملحة مثل الدواء. عموماً أعتقد مشكلة الحكومة الملحة تكمن في مسؤوليها من وزراء ومديري قطاعات إو إدارات، فالمسؤول الذي يسمح بأن يكون تضارب المصالح سبباً في أية أزمة لا بد أنه صاحب المصلحة الأكبر، ولذلك أصبح تضارب المصالح هو أكبر أزمة تواجه البلد فماذا يفعل الرئيس، يحرس المسؤولين أم يحرس منهم مصالح المواطن.

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..