
جاء د. حمدوك كحلم عابر وادى ما عليه … ومر على تاريخنا كما يمر الطيف الذي لن يتكرر جاء ليعلمنا الصدق والامانة والشفافية لم يفرح بالمنصب بل كان المنصب فرحا به فزاده صبرا وتواضعا.
فقد كان يؤمن بالواقعية ويفهم الواقع على حقيقته المجردة الخالية من الاوهام والغل والحسد …
جاء كسحابة صيف ماطرة تريد ان تمطر على سماء السودان الملبد بغيوم الكراهية والغل واعداء النجاح واصحاب المصالح الضيقة وحملة السلاح والمكائد .
كان هادئا في غاية الهدوء وكان في داخله مرجل يغلى ولهيب يطرم من اجل مصلحة السودان وتطوره ونموه فقد كان غيورا على الوطن والشعب ويتمنى له الخير.
كان عجيبا جدا في تعامله مع خصومه الوهميين لانه اصلا لم يخاصم احدا من الناس بل هم الذين ابتدروه بالسب والشتم والالفاظ النابية لكنه لم يصارعهم ولم يهاجمهم ولم يخاصمهم ولم يلتفت اليهم لانه كان في واد غير واديهم …
كان لسان حاله يخاطبهم بقوله يا ليت قومي يعلمون فقد عبرت الدول وانتصرت وها انتم تتصارعون في زمان انتهت في الايدلوجيات السياسية والنصر للعلم والمعرفة والانتاج.
وداعا حمدوك جئت لتعلمتنا وتعلمهم الصدق في القول وتدخل مادة الاخلاق والامانة في العمل السياسي ولكنهم ابوا الا الانغماس في اوحال النفوس المريضة وممارسة السياسة كما تعلموها من اتحادات الطلاب.
كان يريد ان يكذب فينا قول السياسي الفرنسي شارلس موريس تاليران *(إن اللغة لا تستخدم الا لاخفاء اراءنا الحقيقية ونفوسنا المريضة)* فكانت لغته هادئة وكان كثير الصمت كثير الفكر ولم يكن فرحا بالمنصب بل حتى زوجته المتعلمة الواعية الدكتورة ظلت بعيدا عن مجتمع البوبار والشوفونية لانها كانت تعلم ان زوجها في رحلة عمل مقدسة.
لقد تكالبت عليه قوى الشر فقد كان واضحا للجميع ان المعركة كانت بين (الظلام والنور) وبين (الخير والشر) وبين (الحق والباطل) فانتصر اهل السلاح على الشباب وعلى جيل الغد .
ذهب الاخ الدكتور حمدوك لتستفيد منه بلاد اخرى وليواصل جهوده في خدمة الانسانية ولكنه رحل مبكرا فقد كان امل الشباب الفقير الذي كان يحلم بسودان يسوده العدل والحرية واخيرا انتصر اهل المال والسلاح والخبث والدسائس وسيظل الشعب المسكين يرزح تحت نير القتل والتعذيب والسلاح ….
وستتوقف عجلة التحقيق في جرائم القتل وسفك الدماء وازهاق الارواح وسيحل الظلام.
وبذهاب حمدوك انطفأ اخر وهج للنور الذي كان الشباب يرونه في اخر النفق إلا إن الخونة اغلقوا النفق واطفأوا الانوار .
لقد ذهبت مبكرا لان شعبنا لا يعرف كيف يحافظ على الكنز فقد كانت حوادث المكر والخداع اكبر من قامته.
وها نحن ننعيك حيا كما قال الشاعر نزار قباني في رثاء عبد الناصر :
نزلت علينا كتابا جميلا
ولكننا لا نجيد القراءة
سافرت فينا لارض البراءة
.لكننا لا نجيد الرحيل معك
تركناك في الشمس وحدك
تجوع وتعرى وتشقى وتعطش
وكنت تعمل من اجلنا وتصارع من اجلنا ولكننا تركناك وحدك وكنا نحن الخاطئون فقد كان المكر اكبر من قامتنا جميعا.
فيا جبل الكبرياء
وآخر قنديل زيت
يضيء لنا في ليالي الشتاء
لماذا قبلت المجيء الينا
*فمثلك كان كثير علينا
دخلت علي تاريخنا ذات ليلة
فكانت رائحة التاريخ مسك وعنبر
فكنت فكانت الحقول سنابل
وكانت عصافير وكانت صنوبر
لمست امانينا فصارت جداولا
وامطرتنا هدوءا ولا زلت تمطر
تأخرت ورحلت عن ارض الوغى
وما كان عليك عن ارض الوغى تتأخر
وداعا ايها الرجل الخلوق المهذب اتهموك وشتموك واساءوا اليك ولكنك كنت تنظر اليهم من الاعلى وتتبسم… لانهم في واد غير واديك الاخضر النضير.
رحلت وتركت الشباب الذين احبوك وآزروك تركتهم للخوارج ولسيوف القرامطة ولسيف الحجاج وللمغول الذين سيعملوا فيهم السيف والقتل…
كسرة:
نسأل الله ان يحفظ دماء شبابنا فقد تكابلت عليهم الان مصالح الفلول ومرتزقة الجنجويد ولوردات الحرب والحركات المسلحة … قتلوكم في مجزرة الاعتصام وضاعت دمائكم هدرا فلكم الله في الخالدين.
وسوف تصفوا الليالي بعد كدرتها وكل دور اذا ما تم ينقلب.
كيف تمكن العطاله وسفهاء الراي و الحياة من ان يحيطوا ب حمدوك من امثال الشيخ الخضر و الشفيع خصر سعيد و عرمان و حريكه و الخ
هؤلاء المرتزفه هم من ضلل حمدوك
وغدا سيظهرون مع حمدوك اخر فهم يعبدون المال