أخبار السودان

الشهادة العربية و نظام الكوتة جدلية القبول والرفض

د. أحمد البشير الكمن*

أثارت القرارات الأخيرة لوزارة التعليم العالي و البحث العلمي و المتعلقة بنظام معادلة الشهادة العربية للطلاب السودانيين الدارسين بالبلاد العربية و تحديدا السعودية لغطاً كبيراً وكشفت عن عدم رضا أولياء الأمور والطلاب كونها لم تأخذ في الاعتبار أن نظام إتمام المرحلة الثانوية يُبنى بصورة تراكمية من خلال سنتين من الاختبارات المدرسية و اختبارات المركز الوطني للقياس و التقويم في جانبي القدرات العامة و التحصيل العلمي .
و بطبيعة الحال كان يمكن لنظام الحصة (الكوتة) أن يكون أكثر عدلاً لعموم الطلاب من نظام الرتب المئينية السابق الذي عالج حالات الطلاب الفائقين فقط ، لو انه أخذ في الاعتبار زيادة النسبة القليلة ٥.٩٧٪ التي حددها القرار لجميع حاملي الشهادات الأجنبية والعربية، ولم يُشتَرط مساواة الشهادة العربية بعد معادلتها بنظيرتها السودانية حتى يتمكن الطالب من دخول الكلية التي يريدها.
كثيراً ما يُردد إخوتنا في إدارة القبول بالتعليم العالي مزايا الشهادة السودانية و نحن نعتز بذلك ونعتبرها مفخرة للسودان عبر التاريخ لكننا هنا نذكّر ببعض الأشياء التي يمكن أن تطورها و تُنصف أبناء المغتربين من خلال مقاربة للشهادة العربية بالسودانية مع الأخذ في الاعتبار الغايات الكلية للتعليم العالي :-
١- سياسات الدولة في نظام القبول للتعليم العالي يجب أن تراعي مقصداً سامياً متمثلاً في أن طالب الشهادة العربية إذا لم يدرس في السودان مرحلة الجامعي ستبقى علاقته ببلده الأصلي علاقة جواز سفر لأن بلده لم يوفر له مقعداً دراسياً عندما أحتاجه ، في حين أن بلاداً أخرى يسرت له الفرصة. وبذلك تكون خسارة البلد المعنوية لمواردها البشرية عظيمة.
٢- الشهادة السودانية و مع إرثها المعتبر لكنها لا يمكن أن تكون بقرة مقدسة خاصة وأن طريقة التقويم فيها تقيس في عمومها المستوى الأدنى من المهارات و المتمثل في الحفظ و التذكر و لا تشمل المستويات العليا التي تُجمع عليها معظم منظومات التربية الحديثة بينما نجد أن ممارسة التقويم البديل متمثلة في عمل المشاريع والبحوث والتقارير العلمية وملفات الانجاز و هي أساليب علمية مُجمع عليها وتستخدم في أرقى بلدان العالم في التصنيف العالمي لجودة التعليم مثل فنلندا و سنغافورة وكوريا واضحة في الشهادة العربية.
٣- المؤكد وكما أن للشهادة السودانية نقاط قوتها المتمثلة في وحدة المعيار وغيره، نجد أن الشهادة العربية لها ما يميزها على السودانية بعدد سنوات الدراسة (١٢) عام دراسي مقارنة بأحد عشر عاماً دراسيًا لنظام التعليم بالسودان فضلاً عن الجلوس لاختباري التحصيلي والقدرات و زيادة عدد المواد الدراسية . و بلا شك جلوس الطالب للاختبارات المذكورة ينفي عنها صفة المدرسية كون أن التقنية وبناء الاختبارات للمراكز التي تقوم بهذه الاختبارات تستخدم احدث أدوات التقويم والبناء العلمي للاختبارات وأرقى نظم التصحيح في العالم المتقدم.
٤- كان بالإمكان أن يتم تلافي مشكلات عدم دراسة المنهج السوداني بالخارج ، لو أن هنالك مدارس سودانية مقننة و تحت إشراف فني احترافي من الدولة السودانية ، أما مجرد فتح مركز بالسفارات للامتحانات و إقامة الحجة به لا يستقيم ، لأن معظم السودانيين بالخارج وبما يميزهم من الكفاءات يُجمعون على أن الدراسة ليست تقويم نهائي فهنالك مهارات حياتية و مواقف تعليمية وقيمية هي التي تشكل المخرجات وهو الذي يدعوهم لاختيار المدارس النظامية في البلاد العربية.
٥- مع فخرنا بما يُبذل من فرق المركز القومي للمناهح بالسودان ، لكنه لا يختلف اثنان على أن المحتوى و الأنشطة التعليمية والجوانب التطبيقية و حداثة المعلومات و استخدام العلاقات الرياضية باللغة الأجنبية والتي تتوفر جميعها في تصميم المنهج من خلال (سلاسل ماجروهيل ) في الخليج تتفوق على نظيرتها السودانية ، كونها مناهج مصممة من بيوت خبرة عالمية و منفذة على نطاق واسع في العالم مع المواءمة.
٦- في الوقت الذي لم يختبر طلاب الشهادة السودانية أي اختبار عملي، بل يحتمل أن لا يكون أول الشهادة السودانية قد دخل مختبراً يومًا ما، نجد طلاب الشهادة العربية يمارسون و يختبرون العملي في ثلاث مواد علمية أساسية طيلة سنوات المرحلة الثانوية في (المساق العلمي).
٧- الظلم الأكبر يتمثل في الإعلان و التنفيذ الفوري للقرارات المتعلقة بالقبول في كل عام ،ذلك ان هنالك طلاباً اختبروا القدرات خمس مرات و في نهاية المطاف وجدوها للمفاضلة فقط بين يدي دخولهم للجامعات، فالمعروف أن القرارات لا تصدر للعقاب أو جلب الضرر ، وما لم تكن السياسات معلنة قبل سنوات كافية تُمگّن المستفيد الأول (الطالب و ولي الأمر) من رسم خطته ورسم مساره التعليمي ، تبقى صورة التخطيط السيئة راسخة في أذهان المغتربين.
٨- لا توجد دراسة علمية تتابع أداء طلاب الشهادة العربية في الجامعات تؤكد انخفاض تحصيلهم واستيعابهم بل بالعكس معظم الطلاب ومن خلال المقابلات للذين التحقوا بالجامعات السودانية وجدوا أنهم قد أكملوا سنوات دراستهم بتفوق وعادوا أو استقروا ببلدهم ، وفي ذلك تأكيد على قدرتهم العلمية وبنائهم الذي لا غبار عليه.
لهذه الملاحظات و غيرها يعتقد طلابنا أن هنالك ظلما وقع عليهم ،بل صُوِّر لبعضهم أن نظرة الدولة السودانية لأبنائها بالخارج نظرة براجماتية تعتمد على أنهم يمكن أن يكونوا مصدر دخل لمؤسسات التعليم العالي من خلال القبول الإضافي و الجامعات الخاصة و هو ما يحتاج لتصحيح صريح من خلال الإجابة على السؤال التالي:
ماذا لو تم قبول عدد ٢٤٠٠ طالب هم متوسط مجموع طلاب الشهادة العربية من الدولة وهي التي رفعت شعار ثورة التعليم العالي و مضاعفة عدد الجامعات حتى لا تتجدد المشكلة كل عام و تنعقد لها منتديات الجدال؟ لا سيما أن الدراسة في البلاد العربية كانت قدر طلابنا و لم تكن اختيارهم نظراً لهجرة أسرهم لأسباب لا يتسع المقام للخوض فيها.

*خبير تربوي مقيم بالسعودية
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. كلام علمي واقعيلك الشكر يا استاذ
    على المغتربين الوقوف بجدية لنيل حقوق ابنائهم المهدرة بمثل هذه القرارات الغير مدروسة

  2. في بريطانيا مثلا هناك اكثر من هيئه مختلفه تقوم بالامتحان،تتم معادله النتاءج عن طريق نموذج رياضي احصاءي.هذا هو اكثر حل موضوعي و عادل.ثانيا اى ممتحن شهاده عربيه و عنده قروش انصحه انه يقراء بره السودان عشان ما يتوسخ

  3. ياناس ياهو يا مغتربين يا وهم .. دارسة شنو في السودان .. الكفاءات هاجرت زمان والتعليم إنهار .. الجامعات ما فيها دراسة ولا تعليم فيها علاقات محمرمة وفواحش وبنقو وحشيش .الكيزان ارسلوا ابناءهم للدراسة في الخارج اوروبا وماليزيا ؟؟ وحا يخربوا ليكم ولداكم ويخرجوهم ليكم فاقد تربوي وبتاعين مخدرات احذروا

  4. د احمد تحيه طيبه – غير انني متواجد بالخليج لكن اذا فكرنا نجد ان طلاب الشهادة العربية ياخذون اكثر من حصتهم اما قولك بان اذا لم يدرس طالب الشهادة العربية وووو اعتقد ان ما يجب ان يكون بين الطالب و السودان يتعدى مرحلة الدارسة فيجب ان نكون منصفين لطلاب الشهادة السودانية و انه من الظلم ان يتم منح طلاب الشهادة العربية ذلك الحجم بحجة الانتماء و هم لا يستحقونها
    هل تعرف ما هي المشكلة الاساسية لطلاب العربية انهم جميعا يرغبون في دراسة الهندسه او مجالات الطب فقط و و بجامعات الخرطوم فقط هذا من حقهم و لكن دون الاضرار بالاخرين و ليس الولايات فهل يتم تخصيصها لهم و حرمان الشهادة السودانية ؟؟؟
    و نحن نعرف ان مستوي الدراسه هنا في الخليج متدني حتى بالمقارنه مع مستوي الطالب في السودان فهنا المفقود كثير جدا في استيعاب المنهج و ان كان متطور اكثر من السودان
    فليس من العدل تخصيص كل الكليات العلمية و الموجودة بالخرطوم لدلاب العربية بحجة الانتماء للسودان

  5. حيّاكم الله وأشكر لكم تفاعلكممع المقال:
    1-الأخ (حسن-الخليج)
    هل تعلم أن كل المقاعد المخصصة لطلاب الشهادة العربية والامريكية وشهادة لندن في كليات الطب بجميعالجامعات الحكومية 20 مقعداً؟
    2-عبد المنعم العوض …. نعم ما ضاع حق وراءه مُطالب.
    3-ناصح وعادل الزعيم… المعايير البريطانية مميزة والنصائح قيمة

  6. ابناء المغتربين ضحايا لجشع عصابات التعليم العالي اصحاب الاسهم وملاك المؤسسات التعليمية الخاصة، والذين هم، للاسف، صناع وواضعي قرارات ومعايير القبول، وهؤلاء حريصون ، مع سبق الاصرار والترصد، ان يضطروا ابناء المغتربين الى خيار اوحد الا وهو الجامعات الخاصة حتى يتسنى لهم حلب دولارات المغتربين ومدخراتهم.

  7. الشكر للدكتور أحمد البشير. هذه واحدة من أفضل المرافعات عن قضية أبناء الشهادة العربية العادلة. ولكني لا أتوقع أن تجد آذانا صاغية من المسؤولين. في رأيي المشكلة تكمن في أن معاملة ابناء الشهادة العربية بطريقة عادلة سوف تعني احتلالهم لجزء كبير من مقاعد الكليات العلمية المرموقة، وهو مالا يمكن قبوله من قبل المسؤولين، ولذلك لجأوا لهذه الطرق التي تعيق دخولهم لها. الحل الوحيد في رأيي لهذا المأزق هو أن يتم إنشاء مدارس سودانية في دول الخليج تعمل بطريقة نظامية بدلا من الوضع العشوائي الحالي. عندها يتساوى ابناء الداخل مع ابناء الخارج (والحشاش يملا شبكته). مؤخرا السلطات التعليمية في السعودية أبدت مرونة أكبر في السماح بتدريس المناهج العربية من خلال مدارس أهلية. المصريون التقطوا الامر وبادروا بتدريس منهجهم في مدارس أهلية سعودية (الاندلس بجدة مثلا). ونحن بتقاعسنا المعهود (جالية وبعثة دبلوماسية) لم نحرك ساكناللاستفادة من هذه الفرصة لحل المشكلة التي تسبب صداعا للجميع – اولياء امور وطلاب ومؤسسات تعليمية وحكومة . وجميعنا نذكر الازمة التي حدثت في كلية الطب بجامعة الخرطوم العام الماضي وتم حلهابطريقة غريبة لم يسبق حدوثها. حدثني شخص قريب من الوسط التعليمي في السعودية أن صراع المصالح يعوق تنفيذ الفكرة، ولا أدري مدى صحة كلامه.

  8. اذا البلد ما انعدلت بابائها ما الفائدة ولا نريد دفن الرؤوس بل يجب ان نبدأ وفورا بالاصلاح .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..