مقالات وآراء

مبادرة الحزب الشيوعي السوداني.. أسئلة مشروعة وتناقضات ظاهرة

 

المنتصر أحمد

في المشهد السياسي السوداني المعقد، تبرز المبادرات السياسية عادة كأدوات للتغيير أو وسائل للالتفاف على المطالب الجماهيرية التي لاترضي ولاتخدم عادة مصالح النخب البرجوازية في ابراجها العاجية. من بين هذه المبادرات، تثير مبادرة الحزب الشيوعي السوداني أسئلة جدلية حول دقتها، منهجها، وأهدافها. أتناول هنا بعض التساؤلات والنقد الموجه لهذه المبادرة، بناءً على قراءة تحليلية متواضعه لما طُرح علينا نحن العامة عبر منصات الحزب التي تعكس خطه السياسي. أخذت في الاعتبار الوثيقة التي أصدرها الحزب في أغسطس الماضي بعنوان خمس سنوات على الثورة وعام على الحرب حيث تناول فيها خطا سياسيا شابته الجذرية بعض الشيء. ■النقد الذاتي وعلاقة الحزب بحلفائه السابقين يطرح التساؤل هنا: هل يكفي النقد الذاتي لتبرير إعادة التحالف مع التنظيمات التي سبق وأن خانت الاتفاقيات وانسحبت في أول اختبار ثوري؟ ألا تكشف هذه التجارب المتكررة عن غياب التعلم من الأخطاء؟ إذا كان الحزب يكرر تحالفاته مع نفس الجهات، فكيف يمكن أن يُقنع الجماهير بمصداقية مسعاه السياسي؟ اليس الحزب ومن سانده من جماهير تؤمن بصدق ونزاهة قياداته مازالوا يعانون من خسائر تجارب مثل التجمع الوطني الديمقراطي ثم نداء السودان ثم قوى الإجماع ولاحقا قوى إعلان الحرية والتغيير . ألم يقم الحزب نفسه بنقد تجربته في قوى إعلان الحرية والتغيير و”حلف بالتكسرو” ما يشتغل ضمن تحالفات تجمعه مع قوى سياسية قديمة أخرى؟ ■الالتباس حول الميثاق المرجعي المبادرة تشير إلى “الميثاق” كمرجعية أساسية ولكن، أي ميثاق بالضبط؟ هناك العديد من المواثيق المتداولة، بعضها وقعته لجان المقاومة والقوى الجذرية وبعضها وقعتة لجان مقاومة وقوى سياسية اخرى وبعضها اصدره الحزب نفسه كوثيقة . كيف يمكن الحديث عن ميثاق موحد بينما المشهد يعج بالتباينات والتعددية في الرؤى؟ هذا الغموض يُفقد المبادرة دقتها ويثير الشكوك حول جدية الالتزام بها ويفتح الباب واسعا لتاويل بنود المبادرة وان تعلمنا شيئا واحدا في راهن تجاربنا الثورية هو ان فرز الكيمان من اولى الاولويات. ■ عملية DDR: التنفيذ والتمويل المبادرة تتحدث عن تنفيذ عملية DDR (نزع السلاح، التسريح، وإعادة الإدماج)، لكن الأسئلة حول التنفيذ تظل بلا إجابة: – من سيشرف على العملية؟ هل ستكون الأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي، الترويكا، أم الجيش السوداني؟ – من أين سيأتي التمويل اللازم؟ – وكيف لحزب يطرح هكذا حل في مبادرة لا يحدد بشكل واضح الجهة المسؤولة عن تنفيذها التي يقترحها ويدعمها؟ هذا الغموض يضعف المصداقية ويثير الريبة في الجدوى العملية للمبادرة ويفتح الباب أمام تدخل أجنبي عبر هذا الباب. ■تكوين المجلس التشريعي المبادرة تقترح تكوين مجلس تشريعي لإدارة الحكم في السودان، لكن لم يُوضح من سيشكل هذا المجلس أو بالأحرى من له الحق في تشكيله وماذا سيكون العمل إن دخلت المبادرة قوى سياسية مارست العهر والخيانه الثورية من قبل وتغسلت ببيانين ومؤتمر صحفي من نقد ذاتي ضاف ثم شاركت في تكوين هذا المجلس باغلبية نخبوية لاتخدم الجماهير بشيء؟ من سيضمن أن أعضاءه يمثلون الشعب فعلاً وليس فقط نخبة متحزبة او حنى غير متحزبة؟ أين هو دور البناء القاعدي ولجان المقاومة التي كانت رافعة للحزب في الماضي واستفاد منها مثلما استفادت منه ؟ المبادرة تبدو متناقضة، إذ تُهمل الجهات التي طالما استند عليها الحزب لتحقيق نفوذه وفي لحظة الفعل السياسي يتركها الحزب ليتوجه لنفس النادي القديم الذي طعنه وطعن الحراك الثوري مرات عدة ■ الانتخابات: غياب خارطة الطريق تدعي المبادرة أنها تسعى إلى التحول الديمقراطي، ولكن: متى ستُنظم الانتخابات؟ كيف ستُشكل الحكومة الديمقراطية؟ تحت أي دستور ستتم الانتخابات من سيجيزة ومن سيصيغه وهل هناك ثزابت فزق دستورية ام الدستور فزق كل ثوابت؟ هذه الأسئلة المحورية تظل غائبة عن طروحات المبادرة، مما يجعلها تبدو وكأنها محاولة للالتفاف على مطالب الشارع وان لم تكن كذلك ولكن لا تعيب من فسر الاشياء فقط كما تبدو فنحن لا نعلم مايدور في الصدور. ■المحكمة الجنائية الدولية: تجربة كوشيب إصرار الحزب على المحكمة الجنائية الدولية يبدو وكأنه تجاهل للواقع. قضية “كوشيب” أظهرت أحد أوجه عجز المحكمة عن تحقيق العدالة الحقيقية الذي يصبو لها آلاف الضحايا حيث أن المتهم الذي سلم نفسه انتهى به الأمر يدعي أنه ليس “كوشيب” أصلاً، بينما عاش في رفاهية نسبية في سجون المحكمة ولن تكون هذة اخر حيلة منه ومن فريق دفاعه لاطالة امد المحاكمة التي لن تنتني بما يعوض ويرجع حقوق الضحايا. ألا يكفي هذا المثال للتأكيد على أن المحكمة والمجتمع الدولي لن يخدما برنامجاً جذرياً يدّعي الحزب تبنيه؟ ■ تناقض الوثائق الجذرية مع المبادرة الحالية الحزب الشيوعي طرح وثيقة في أغسطس الماضي تعكس انقطاعاً مع القوى القديمة وتمدداً نحو القوى الحديثة لكن بعد أشهر قليلة، ظهرت مبادرة ترتكز على إعادة التحالف مع نفس القوى القديمة التي تخلت عنه سابقاً فاتحا لها باب دخول لتحالف جديد عبر نفاج النقد الذاتي الذي وجدنا كثيريين ممن يدعون الماركسية يستسهلونة فكيف بمن لا يتعاملون مع مواقفهم السياسية إلا بسياسة “الترزية” والتفصيل حسب الطلب. إضافةً إلى ذلك، تعتمد المبادرة على دعم أجنبي يناقض الخطاب الجذري للحزب وان لم يتم صياغت ذلك صراحه ولكن عدم رفضه كتابة في كل نقطة تمويل تسريح الجنجويد وباقي المليشيات يفتح الباب لتفسيره. هذا التناقض يثير تساؤلات حول الصراع الداخلي بين تيارين داخل الحزب يظهران عيانا بيانا عبر تناقضات الوثيقة والمبادرة الصادرتان عن نفس اللجنة المركزية للحزب بفارق زممي ثلاثة اشهر فقط . حيث نجد تيار جذري يسعى إلى تغيير حقيقي، وآخر يبحث عن تسوية سياسية للخروج من عزلته التي يتوهم انه فيها ولا يغذي توهمه هذا الا نفسه البرجوازي القصير . وقبل أن أختم أود أن أشير إن كان الدافع لكتابة هذا النص هو سؤال وجه لي من صديق منذ سنوات التساؤل الأولى غيبه عنا تتار العصر وبعودة الشبكة لمناطقهم تواصل معاي وبعد السلام كان أول سؤال له هو حول المبادرة وطالبني بإجابة مقتضبة حول راي حول المبادرة إذ سالني (بالله رايك باختصار شنو؟) كانت اجابتي باختصار ايضا (مبادرة كل من يمدحها أما من كانوا متهمين بالتسونجية داخل صفوف الحزب واجبرو لمغادرته بصورة أو بأخرى أو من يدعمون العمل مع القوى السياسية القديمة ما ذا تتوقع أن يكون رأي فيها) ■خاتمة: بين الواقعية والطموح بالنظر إلى التحليل السابق، يبدو أن الحزب الشيوعي يعاني من أزمة توجه وصراع داخلي بين جناحين مختلفين في الرؤية والأهداف المبادرة المطروحة تفتقر إلى خطة واضحة متناسقة تعكس إرادة الجماهير وتعتمد على تكوين قيادة جماهيرية قاعدية حقيقية تنتج قيادات وممثلين حقيقيين للجماهير وليس ممثلي بعض النخب. كما أنها تقدم وحسب وجهة نظري الشخصية تنازلات قد تكون على حساب الخط الجذري الذي يُفترض أن الحزب يلتزم به مما سيقود الى سيل من التنازلات لاحقا. على الحزب الشيوعي، إذا أراد أن يحافظ على مصداقيته، أن يعيد تقييم مبادرته ويطرح رؤى سياسية تتسم بالوضوح والواقعية، مستندة إلى القوى الحقيقية على الأرض، لا إلى حسابات سياسية قصيرة المدى.

‫2 تعليقات

  1. الخلافات تتفاقم داخل الحزب وستنفجر قريبا
    ناس التغيير الجذري (ياهم ذاتم ناس وحدة قوي اليسار في انتفاضة خمسة وتمانين )
    لسه مصريين علي تطرفهم اليساري
    والذي وضح للجميع فشله في أن يسمع أحدا في السودان صوته
    وناس وحدة قوي المعارضة ما زالوا في حالة ضعف وتردد مع أن الحق معهم
    وفي الأخر كدا….. ضيعوا حزب قديم واصيل بالتلاعب والغرق في التفاهات والصراعات

  2. وكيف لحزب يطرح هكذا حل في مبادرة لا يحدد بشكل واضح الجهة المسؤولة عن تنفيذها التي يقترحها ويدعمها؟ هذا الغموض يضعف المصداقية ويثير الريبة في الجدوى العملية للمبادرة ؟؟؟؟ كيف خلو المبادرة من التفاصيل يضعف مصداقيتها ويثير الربية ؟ وكيف لمبادرة تشمل جميع التفاصل اليس من المنطق ان تترك التفاصيل والكيفية عند الجلوس مع القوى السياسية الاخرى ونحن ندرك الشيطان يكمن في التفاصيل وتحتاج لكثير من النقاش؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..