مقالات سياسية

الى الأستاذة بثينة خليفة مع التحية..!

محمد عبد الله برقاوي

في البداية وقبل الدخول في لب إجاباتي على أسئلة الزميلة الصحفية البحرينية الجريئة الأستاذة بثينية خليفة قاسم ، أودُ أن استميح القاريء السوداني الحصيف واللبيب عذراً وأقول له إننا لا ينبغي أن نتحسس كثيراً من تناول بعض إخوتنا الكتاب من غير السودانيين للشأن السوداني لا سيما السياسي منه تحديداً طالما أن ذلك يتناول بالتحليل المنطقي مآلا ت الوضع السوداني عندنا والتي تخطت تداعياته حدودنا المنقوصة وبات العالم القاصي منه والداني إما شامتاً فينا لما أصابنا من مكروه السياسة الطاعن في كبريائنا وإما متداعياً لنا بالسهر والحمى متحسراً على مواردنا التي ترقد في باطن أرضنا وتجري فوقها ومن تحتها منابع وممرات الزلال وتتناثر بعيداً عنها الأياد التي لو تضافرت لإستخراجها لكان تناول شأننا سيكون في صورة مختلفة الألوان التي نختال بها كالطاوؤس وسط أسراب العالم كله!

فطالما تناول شأننا يأتي في سياق النصح أو التساؤل الحائر والباحث عن إجابة دون مساس جارح بالشخصية السودانية أو التقليل من همتها الإنسانية فلا بأس من الرد على كل ذلك بهدوء ودون تشنج بغرض وضع النقاط فوق حروف المتسائلين الباحثة عن إجابات نحن الأحق بايرادها وتوصيلها بذات الأسلوب المهذب في التساؤلات من قبيل المعاملة بالمثل على رأي المقولة الدبلوماسية.

أختنا المهذبة جداً بثينة قالت في تساؤلاتها المشروعة ككاتبة وكمواطنة عربية لا تخفي حبها لشعبنا وإنبهارها بثقافته السياسية و سعة مواعينه المعرفية و طول باع كفاءاته الأكاديمية والفنية ..وهي تتساءل كيف تسرب هذا الوطن الكبير من بين كل أصابع هذه الأكف البيضاء وسقط عن مكانته التي ينبغي أن يتبوأ فيها منصة الصدارة ، لما يتمتع به من شعب وصفته مشكورة بما يخجل تواضعنا ويجعلنا نعيد النظر كرات ومرات على ما وصل اليه وطننا الحبيب الذي توفرت له من الظروف الطبيعية والبشرية لو أنها وجدت اليد المُطلقة عن قيد السياسات الخاطئة و الخطى غير المُكبلة بسلاسل الأحن و العقول التي لم تلوثها تخاريف الطائفية و القلوب التي لم تحاصرها بندقية الديكتاتوريات المتسلطة والأصوات التي لم يلجمها ضجيج الجهل وضوضاء التنطع لكانت اليوم قد قفزت بوطننا الى مصاف الدول الكبرى كما قالت الأستاذة بثينة في تساؤلاتها التي أثارت فينا شجونًا لم تغمض لحظة و وزادت في أعماقنا إشعال نيرانٍ لم تنطفي يوماً فينا وقد صرنا شتاتاً تمتص خبراته المستحقة للوطن الجريح أتربة بلاد آخرى لا نمن عليها بذلك ولم تبخل حيالنا بما نستحق وفقاً لضوابطها وقوانيها وترتيب أولوياتها الوطنية الداخلية تجاه شعوبها !

السودان يا سيدتي كان فيه الرجال الذين وضعوا اللبنات الأساسية التي كان يمكن أن ينهض بها من جاءوا بعدهم ليصبح طوداً اشماً لو أنهم قدموا الوطن على الذات ! والسودان يا عزيزتي حواؤه سبقت الكثير من نساء العالم إرتياداً لمنصات الخطابة في إتحادات النساء وساحات المحاماة ومن بعد القضاء وردهات التعليم وتحريك ماكينات المصانع وحمل معاول الزراعة وتقلدت منصب الوزيرة والسفيرة حينما كانت الكثيرات من سيدات الإقليم مخبؤات خلف الحرملك كالجواري ودخلت فاطمة السودان البرلمان منتخبة من صفوة المصوتين وكان وقتها التصويت حراما على رجال الكثير من الدول !

هل كل ما اصابنا بفعل إنشغالنا بالسياسة الذي جعلنا نغفل عن الوطنية ..أقول لك هذا فيه شيء من الصواب ، وهل ما حاق بنا لأن حكامنا لم يحسنوا إدارة البلاد ، اقول لك بلى و..لكن الحاكم يتاتى من صلب الشعب الذي لا نعفيه بالطبع من الشراكة في ضياع الماضي و خراب الحاضر و عتمة المستقبل !

هل السودان يعاني من أزمة الصفوة التي تقود المجتمع ..الإجابة ايضاً لا تخلو من مرارة الإعتراف الذي هو فضيلة لو تبادلناها لما صار المجتمع طبقتان تفصل بينهما فراسخ من التباعد ، ففر بجلده من إستطاع الى ذلك سبيلا وقبع في حفرته من لم تساعده أجنحته على التحليق بعيداً ، فيما هيمن الإنتهازيون من الأقلية على كل البيض بعد نتفوا ريش كل الطيور المنافسة لهم بالتمكين في هذا العهد الذي يتحمل الوزر الأكبر في تفتيت السودان أرضاً ومجتمعاً وقيماً واستقرارا وعاث فيه فساداً زاد من شتات الطاقات الشابة التي تدخرها الأوطان التي تقدر إمكاناتها وتهيء لها من وسائل التعليم التطبيقي المفيد عمودياً ، لا تعليم الكتاتيب الأفقي التي سميت بالجامعات وهي ترفد شوارع البطالة بجيوش من حملة شهادات تسميع المواد النظرية التي تتبخر عن العقول ريثما تُجمع أوراق الإمتحانات !

نعم السودان في ازمة حكم والأدهي ان حجم أزمته يتزايد حينما نتساءل كيف يحكم وهي العقبة الكؤود في طريق من يحكمه ولو نزل من كوكب آخر يحمل عصى سحرية كصى النبي موسى عليه السلام !
ويبقى السؤال الأكبر الذي لم تطرحيه يا سيدتي الفاضلة ..وهو .. ثم ماذا بعد ؟
..ولعلي هنا أترك الفرصة لغيري لينطلق من حيث توقف قلمي الدامع دماً من وقع كارثة علتنا التي إستعصت على كل مداوي .. وما الشافي إلا الله الحكيم العليم.. ولك سيدتي مني وافر التحايا والعتبي لبني جلدتي إن كانت صرختي مؤذية قليلة للمسامع ، ولكن هكذا تظل الحقيقة موجعة لآن صفتها الحقيقة مستوحاة المعنى من الحق الذي هو عكس كل باطلٍ زهوق!

محمد عبد الله برقاوي
[email protected]

تعليق واحد

  1. ياســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام عليــــــــــــــــــــــك ياستاذ محمد البرقاوي والله فعلا السودنين كفائة فى كل شـــــــــــي….. مقالك علم يدرس فى كلية الصحافة والاعلام… برافو عليك

  2. شكرا لك اخي برقاوي كم انت متألق وذو قلم بارع فى تشخيص عله شعبنا الصبور علة شعبنا فى عدم التمييز بين الوطن والقبيلة لابد من التواضع كفاية كلمة انا! كفاية ! كم نحن ساهمنا فى دمار السودان بالاناتية الزائدة والشوفونية وادعاء صفاءالعرق والتعالي على بعضنا البعض تعالوا نتحسس اقدامنا ونتعرف على مكامكن الخلل ونبدأ العلاج من الان ونحدد هويتنا الحقة وننطلق فالتنوع فى اللون واللهجات والتباين فى المناطق والمناخات من اسباب المنعة والازدهار والتقدم و(الولايات المتحدة الامريكية خير مثال ) .

  3. انا اكاد اجزم انك مجنون نضم يا برقاوى — انعل ابوها بلد — كلامك دايما فى التنك — وهو كلام مفيد لمن يطلع عليه بتمعن ===== لك التحية يا جنى البرقو

  4. سلمت وسلم يراعك ووفقك الله .
    وندعو الله ليوفق كل حادب على مصلحة السودان بالسداد والتوفيق.

  5. سلام عليك أستاذنا برقاوي
    السودانيون يتحسسون من كتابات الآخرين عنهم لأن هؤلاء الآخرين يندر خوضهم في الشأن السوداني ، والكتاب العرب صاروا يتناولون شأننا لأنهم إنتبهوا أخيرا إلى وطن انشطر وتمزق وتشظى ، وانتبهوا أيضا إلى أن تلك الفئة الضالة المنبوذة لم تحكم بلدا سوانا والخليجيون على وجه الخصوص التفتوا ناحيتنا بعد أن استشعروا خطورة تلك الجماعة المندسة وسط مجتمعاتهم وبعد أن شتت السيسي شملهم في مصر ،،، وعموما نأمل أن ينتبه جميع العرب وغيرهم لمحنتنا وأن يكون اهتمامهم بشأننا أكثر من مجرد مقالات تمتدح أخلاقياتنا وثقافتنا ومعارفنا

  6. مشكلتنا الاساسية خلط الدين بالسياسة المهدى والميرغنى
    تدخل الخديوية المصرية بامتدادها الناصرى فى التعليم والاقتصاد اقصد التاميم والمصادرة ومنذ السلم التعليمى تسارعنا تدهورا
    تدخل اخوان الشيطان فى الحكم وسرقته وتم القضاء على مشروع الجزيرة والسكك الحديدية والبحرية والصيران والتشطير وتدميرالاخلا ق
    سرقة احزاب اليسار للسلطة فى مايو 1969 ولا اعفى الخديوية المصرية
    باختصار المشكلة فى مصر والبيتين واخوان الشيطان اى المدمرة الثلاثية لبلادنا المنكوبة

  7. وكم انني معجب باسلوبك السهل الجميل الي جانب جودة التربيب للافكار ومع التحليق بألقارئ في عالم الرومانسية واظنك كنت تقرأ كثيرا للكاتب العظيم مصطفي المنفلوطي وطلب اخير ياالبرقاوي ان تجمع كل مقالاتك في كتاب تحت اسم ( هبة سبتمبر) ليظل ذلك وصمة عار في جبين المؤتمر الوطني ابد الدهر؛

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..