أكتوبر 50 !

إنني أؤمن بالشعب حبيبي وأبي … وبابناء بلادي البسطاء الذين انحصروا في ساحة المجدِ فزدنا عددا.. وبأبناءِ بلادي الشرفاء الذين أقتحموا النار فصاروا في يد الشعبِ مشاعل .. وبأبناءِ بلادي الشهداء الذين احتقروا الموت وعاشوا أبداً .. ينطلق من هنا صوتٌ .. فيقابله آخر .. هاتفاً .. المجُد للألاف تهدُر في الشوارعِ كالسيول .. يدكُ زاحفُها قلاع الكبتِ والظلمِ الطويل ..
ويرد ثالث .. مرحباً أكتوبرُ الأخضر مرحا ..قد ترقبناك أعواماً عجافا.. نحن قد لقيناك وجرحا.. مثلما يلتمسُ الغرقى الضفافا..!
عشرة أيام أو يزيد قليلاً هي التي مشتها خُطى الثورة فزلزت أركان الأرض من تحت أقدام النظام ..ولم يكن هتاف الناس أننا جوعى ولم تفح رائحة الفساد كما الان من نوافذ البلاد ولم يكن ترابها قد إنقسم بسكين الغاية التي إتخذ ت من الوسائل الواهية مابرر تقطيع الوطن .. ولم يكن حينها السودان معزولاً تحت عباءة رئيس يتلفت في كل ناحية متى ما أراد أن يرتاد دورة مياه منزله ..!
فقد كان الفريق عبود عليه الرحمة يسافربحرية السوداني عزيز النفس دائماً مرفوع الرأٍس من القاهرة الى موسكو ومنها الى واشنطن مباشرة ثم يحط في لندن فتنحنى له ملكة بريطانيا التي سقط أسلافها من على صهوة حصاننا الجموح !
كان شعار الثورة حينها .. للحرية الغالية فقط حطمانه القيد !
وكان الجيش وطنياً لم تزرع على أصداغة و ذقونه لحى التخندق خلف جماعة مهووسة بالوهم على حساب وطنيته ، فرفض ضرب المتظاهرين و أستكانت الشرطة معه لصوت العقل .. جبهة الهيئات القائدة للشارع تحركه بيد وتدفع بسلاح العصيان المدني بالثانية و وتضغط بثقة في ناحية آخرى داخل القصر حتى أستجاب جماعة المجلس العسكري وعادوا للسكنات ..!
فعاش الشهداء خلوداً في صفحة التاريخ وقد حفروا اسماءهم على جدرانها بأزاميل العزة و حب الحرية !
من مفارقات تلك الأيام وما تلاها من أحداث جسام أن أحد رموز ندوة أكتوبرالشهيرة في جامعة الخرطوم التي كانت مشكلة الجنوب شرارتها الأولى هو من خنق مباديء الثورة وقطع الهواء عن شتلة الديمقراطية بعد أن ازهرت على أرض مابعد ذهاب مايو و قّطع أوصال الوطن بفصل الجنوب وإشعال الحروب وهو الدكتور حسن الترابي باني الإنقاذ الذي ركلته أقدام حواريه كسنمار من أعلى قمة بناء المؤامرة فسقط يتأوه في جراحاته .. فنعم الجزاءُ وبئس شراكة اللصوص !
وثانٍ كان من صناع أكتوبر منتفخاً بهواءٍزائف صدقه الناس في إطارات دفعه الثوري المتهافت .. ولكنه ما لبث أن تدحرج في آخر مشواره من سلة مايو المثقوبة الى قفة الإنقاذ المنهوبة في ليل النيام .. فطواه الزمن هو الآخر في ظلمة النسيان وهو الراحل أحمد سليمان سامحه الله !
ولعلنا في حلٍ عن سرد قصة سقوط مايو الدراماتيكية والتي لخصها فيلسوف الإنتفاضة الشاعر الراحل محجوب شريف رحمه الله في عبارة بليغة قطعت قول كل خطيب!
( بلاء وإنجلى )
نعم يا شعبي العزيز لا زالت الكثير من قيادات التثبيط و سرقة الإنتصارات الجاهزة حية تسترزق من حصاد أمجادك ومتكلسة عند دروب الإنتظار الذي طال لتصنع لها من جديد بخبرتك الفريدة معجزةً أخرى بعد أكتوبر وصنوها ابريل ..!
ولكن فقط لا تنسى رغم كل مخاوفك منها ..صور الشهداء التي ظلت تزين ذاكرة خيالك و رائحة دمائهم التي لن تجف في شعيرات الشم عندك ولا عن ذرات التراب التي تتنفسها زكية وبفخرٍ واعتزاز والتي زاد من زكاوة بلل أديمها عطرُفتيةٍ وفتيات سبتمبر الماضي الذي سيسقي بذرة الثورة القادمة و ستنبت غصون الشباب الواعد الأخضرلتظلل البلاد بحكمة رؤى المستقبل لا وقوفاً عند خط الماضي إلا للعبرة و التذكر بعد أن تتساقط من شجرة زماننا الأغبر كل الأعواد المجدبة .التي نخرها سوس الشيخوخة فاسلمت لحاها لمن أرادوا تعلم الحلاقة على روؤس شعبنا حيث ظنوه يتيماً لا وجيع له ، وهم يعلمون أنه إبن اكتوبر وابريل وسليل كل ثورات الأمجاد التي لن تموت ..!
فياشعبي الثائر يا شعبي .. يا شعباً غرامه الحرية ..فهل ننسى ..؟

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. تسلم يداك الاستاذ/ محمد عبدالله برقاوي ، كلام عن ثورة اكتوبر جميل ومفيد للجيل الجديد ، وانشاءالله عصابة الانقاذ برضو حانختصرها بعبارة شاعر الشعب الاستاذ/ محجوب شريف بعبارته الشهيرة ( بلي وانجلي ) ، ولكن بعد محاسبتهم فرد فرد علي كل الجرائم التي ارتكبوها

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..