السياسة .. أحرامٌ على المعلمين .. حلالٌ على العسكريين من كل جنس؟!

حسن عبد الرضي
درج الكثيرون، هذه الأيام، على (إسداء) نصح زائف، يدعون فيه إلى التخلي عن الخوض في أمر السياسة، والابتعاد عن
الأحزاب السياسية. وأرى أن الذين يدعون إلى هذه البدعة الغريبة، بلا شك، يعانون قلة في التفكير، أو إلتواءً فيه، فهم مصابون بـ(أنيميا حادة)، وهم، بكل تأكيد، يستمرئون حياة القطيع، إذ يرون أن إعمال العقل والتفكير، والتداول في أمر حياة الناس، والخوض في السياسة، (فرض كفاية.. إذا قام به البعض سقط عن الباقين).. وما دروا أن السياسة هي التفكير في كل ما من شأنه أن يسهل حياة الإنسان..
وتتملكنا الحيرة عندما نرى هؤلاء الزملاء أنفسهم يطأطئون رؤوسهم لسماع النصح من السيد نائب رئيس مجلس السيادة، الفريق أول محمد حمدان دقلو، حميدتي، مع أنهم يعلمون، علم اليقين، أنه لم يكن أحسن منهم حظاً في التعليم. ألم يكن ذلك النائب قد نصحهم ودعاهم إلى الابتعاد عن العمل السياسي؟!! مع أنه قد خاطبهم في مناسبة، هي نفسها لافتة لعمل سياسي، يقوم فيه السيد النائب بحشد الدعم لشخصه ليكون زعيماً سياسياً (خلا)، كما قد سنحت له الظروف أن يكون عسكرياً (من منزلهم)، فأصبح بقدرة قادر في رتبة (فريق .. خلا) .. فليت قومي يعلمون!! والأغرب من ذلك أن نائب رئيس مجلس السيادة يدعو، في كل جولاته تلك إلى العودة إلى القبلية بديلاً عن الأحزاب السياسية، ويصرح، في (قوة عين) يحسد عليها، أنه يسعى إلى تشكيل الحكومة من زعماء الإدارات الأهلية، التي عفا عليها الزمن، ومن متزعمي الطوائف، الذين يخدعهم بتسميتهم بـ(الطرق الصوفية)!، وبذلك يرجع بنا، من يدعو إلى ترك السياسة، إلى عهود قد خلت منذ زمن بعيد..
فيأيها الزملاء، إنكم في حاجة ملحة إلى الدعوة إلى (الثورة الفكرية)، حتى تساهموا في نهضة بلادكم، بدلاً من ترديد هذه الدعوات الخائبة..
وليتوكد في أخلادكم أن الضرورة تقتضي قيام أحزاب سياسية فاعلة بعد إسقاطنا انقلاب البرهان – حمدتي، إذ كيف لنا أن نؤسس فترة انتقالية نحقق فيها شعار ثورتنا العظيمة (حرية .. سلام وعدالة)؟! ولا بدّ لدولة المواطنة والحقوق والواجبات – التى نحلم بها – من أحزاب تتنافس في انتخابات حرة ، عبر صندوق انتخابات نزيهة وشفافة .. ومن الغريب، أننا قد سمعنا أن بعضاً من زملائكم يدعون إلى تأسيس حزب سياسي باسم (المعلم)؟؟!! إن للمعلم مكانة عظيمة في المجتمع، يجد الاحترام والتقدير، فجدير به أن يدعو إلى ريادة العمل التوعوي في تمهيد الأرض لعمل سياسي ناضج، وجدير به أن يجسّد بسلوكه قيم الديمقراطية والحرية والعدالة والسلام، وأن يسعى، جاهداً، لمحو الصورة الشائهة التي وضعه فيها نظام الإنقاذ البغيض، فكلكم يذكر أن نظام الإنقاذ (بلا مؤاخذة، كما يقول أستاذنا حبيب)، قد أحال بعض المعلمين وأساتذة الجامعات إلى (الصالح العام!) بحجة ممارستهم السياسة، وجاء بـ(سياسيين خلا) من طائفة من المعلمين والأميين، وسخّرها لتقوم بتزوير الانتحابات، التي أطلق عليها الأذكياء، سخريةً، (انتخابات الخج)، وسلّطها النظام لتتجسس على المعلمين، تقودهم إلى معتقلات الأمن وبيوت الأشباح، وترهبهم وتسخّر من يضعف منهم لخدمته، وما حادثة إغتيال الأستاذ أحمد الخير ببعيدة عن الأذهان، وتلك الحادثة البشعة التي لم يكن خافياً فيها دور تنظيمات تلك الطائفة .. كما اعتاد النظام البائد على بذل العطايا لهذه الفئة. فجعل كثيراً من هؤلاء الزملاء رؤساء للمحلات، ورؤساء للحزب المحلول، و(أمناء)! على كل شيء في السودان!. وهنالك الكثير، الكثير من الشواهد، إن بدأنا سردها قد لا تكفينا صحائف وصحائف..
وبالرجوع لموضوع تلك الدعاوى الزائفة اليائسة لترك السياسة، نجد أن أبرز أسبابها هي أننا ما زلنا نعاني هشاشة تجربتنا السياسية المزمنة، التي ورثناها منذ ميلاد حركتنا الوطنية، إذ ولدت حركة سياسية ضعيفة، اتجهت إلى الحكومة تقدّم لها المذكرات، بدلاً من أن تتجه إلى الشعب السوداني تجمعه وتنيره وتثيره لقضيته. وأسوأ ما ورثناه من تلكم الحركة الوطنية، هو قيام الأحزاب السياسية، إذ كانت تقوم الأحزاب أولاً، ثم تجيء مبادئها أخيراً، وتأتي المبادئ، حين تأتي مختلفة في الوسائل، مختلفة في الغايات، مما يؤدي إلى حدوث التحورات في المبادئ، حيث تصبح الأحزاب عرضةً للمساومة، في مبادئها نفسها.. وهذا ما كان له الأثر في تشرذم أحزابنا السياسية وتشظياتها وانقساماتها، وزهد الزاهدين فيها، وذلك كله يأتي من انعدام الذهن الحر، المفكر تفكيراً دقيقاً.. ويبين ذلك في ما أورثتنا إياه رؤى الأحزاب في نوع التعليم، الذي نشكو منه ومن مخرجاته، الى اليوم، التعليم الذي لم يفلح إلا في خلق البطالة، وتنفير النشء من حياة الأرياف، وتحقير المتعلمين للعمل الشاق..فحركتنا السياسية – التي قد ولدت ميتة – ما زالت، منذ الاستقلال وإلى يوم الناس هذا، تغطُّ في نوم عميق (نومة أهل الكهف)، وتغرق في (شبر مية) .. فلو أن أحزابنا القائمة استطاعت أن تفكر تفكيراً دقيقاً، لأقلعت عن هذه الألاعيب الصبيانية، التي جعلت الناس يفرّون منها فرار الصحيح من الأجرب، أحزاب جعلت حياتنا السياسية ضرباً من العبث المزري، يتقدمنا أقزام محدودو التفكير، قصيرو النظر، سواء أكانوا من أزلام الطائفية، أو من مستزرعي الأيديولوجيا ..
ها قد أظلّنا وقت، أصبحنا أحوج ما نكون فيه لأحزاب تسير ببلادنا – في هذا الظرف الدقيق من تاريخ العالم المضطرب – إلى فجر حياة جديد، على هدى من الدين، تستهدي فيه برشد التجربة الإنسانية، أحزاب تدعو إلى الفكر الحر الذي يسأل عن قيمة كل شيء، وفي قيمة كل شيء .. فلا النهضة السياسية ممكنة بغير الفكر الحر .. ولا النهضة الاقتصادية ممكنة بغير الفكر الحر .. وإنّ الحياة نفسها لا يمكن أن تكون منتجة ممتعة بغير الفكر الحر.
فإذا كنا، نؤمن بسوداننا إيماناً راسخاً، فلا مناص من أن نجعله من الروافد التي تضيف إلى ذخر الإنسانية ألواناً شهية من غذاء الروح، وغذاء الفكر، إذا آمنا نحن أبناءه به، فلا يجب أن نضيع خصائصه الأصيلة، ومقوماته الكبيرة، بالهرولة نحو الغرب، أو نحو الشرق. ويجب أن لا نظن أنه لا سبيل لتقدمنا إلا من خلال التبعبية لهؤلاء، أو لأولئك .. فما تلك ولا هذه إلا تجارب إنسانية، بخيرها وبشرها .. وشرها أكبر على مثقفينا الذين يصرفهم بهرجها، وبريقها، وزيفها، ورغم ذلك لا ينبغي أن نقضّ الطرف عنها، كما يريد المتزمتون منا .. ولا ينبغي أن نروّج لها، كما يريد بعض المفتونين منا بها، وإنما ينبغي أن نتدبرها، وأن ندرسها، وأن نتمثل الصالح منها .. ويمكن لنا أن نضيف إليها عنصراً هي في أمس الحاجة إليه، وذلك هو العنصر الروحي. ووسيلتنا إلى المساهمة في تقدّم العالم، هي قيام حكومة جمهورية ديمقراطية .. غايتها إسعاد الفرد بإشاعة فرص الكسب، حتى يعيش في مستوى يليق بكرامة الإنسان، وبضمان الجو الحر، الذي يساعد على إظهار المواهب المكنونة في صدورنا، وعتادنا هو شباب ثورة ديسمبر، الموحد المستنير .. فعلينا أن نعترف له بالريادة والجسارة، وأن نبث فيه مزيداً من روح الإعزاز والفخر، وأن نقدمه، في ثقة، نحو قيادة الفترة الانتقالية، بعد أن نبعث الأمل في حياة كل فرد، وكل طائفة، وكل مجموعة، حتى تزدهر حياتنا في كافة الميادين.
دعونا نحلم، فالحلم جنين الواقع..
المعلمين على راسنا من فوق لكن الشغل وين الناس بتهاجر وبس وبرا تعبانة وما قادرة ترجع لأنكم بتكيلو بمكيالين الجيش مسكين #سلاح ما عندو