المخرج في تبني التنوع

د. الفاتح إبراهيم /واشنطن
لعل ما يمكن أن نتعلمه من التجربة الحالية وقبلها ثلاثين سنة من حكم الإنقاذ البائد الفاسد المفسد ما مجموعه ٦٦ عاما منذ الاستقلال أن هذا الشعب الواعي سياسيا لن يقبل بغير أنظمة حكم تدعم حرية الوطن وكرامة انسانه .. غير أن التناول العقلاني غير المتشنج والفهم الصحيح للأوضاع والخيارات العملية البراجماتية المتاحة بعيدا عن الرومانسية والطوباويات والتعلق بآمال مثالية بعيدة المنال هي الآليات التي تجدي وتخرجنا من الوقوع في دوامة المآزق والحلقات المفرغة .. لا خلاف أن الشعب السوداني برهن على الدوام أنه يمتلك الوعي السياسي الراشد الذي يؤهله أن يكون رائدا ومعلما للشعوب وأنه محب لوطنه وقدم الروح فداء ليكون وطنا حرا طليقا عزيزا .. ونحن نرى بشائر التفاؤل وعناصر التغيير تنمو وتزدهر كل يوم بقيادة شباب جيل ثائر مستنير ..
أن الأوضاع والظروف الحياتية وتنوع الخيارات في المواقف أحيانا قد تفرض
خيارا او حلا قد لا يكون الأمثل وانما على غرار أن رحلة الألف ميل تبدأ بميل واحد ..
ولقد ترسخ في الاذهان من جراء الفكر والتجربة أن السياسة في عالمنا المعاصر بكل تجاذباتها ودهاليزها هي فن الممكن وأن ما لا يُدرك كله لا يُترك كله ويؤدي ذلك في النهاية إلى تحقيق كل الاهداف بوسيلة الحوار الذكي من غير تفريط في الحقوق .. وفي الجانب الآخر ينبغي على القائمين بأمر البلاد أن يضعوا نصب اعينهم وبوعي تام مصلحة الوطن وأن قيام مجتمع حر معافى والنظم الديمقراطية ـ إذا صدقوا مع النفس – في أبسط مكوناتها أنها تبدأ من القاعدة إلى القمة تربية في البيت ثم المدرسة مرورا بالمجتمع ومؤسساته المدنية .. ونحن في القرن الواحد وعشرين لا مجال لفهم أن الديمقراطية يمنحها فرد واحد يحدد مكانها وزمانها وأسلوب تطورها أي ليست عملية تفرض من أعلى الى القاعدة هذه مفاهيم تجاوزها الزمن ..
دعونا نبتعد من مفاهيم ومصطلحات “القائد الملهم” و”الرئيس القائد” مفردات للأسف قد يتم تداولها بين فئة قليلة لحسن الحظ تفتقر الى توسيع الرؤى ..
ومن حسن الحظ أيضا أن هذه الامة الولودة أتت بجيل من الشباب يقود ثورة التغيير بروح جماعية مسلحا بالعلم والتكنولوجيا واحترام الاختلاف والتنوع تدعمه ذخيرة من التراث والتاريخ والعبر وعلى سبيل المثال لا الحصر خالد الذكر خليل أفندي فرح فقد أوصانا “ان نطارد العنزة الفاردة” حتى تعود الى المجموعة .. وقصة خليل فرح ونبوغه ومساهماته في تشكيل الثقافة الوطنية أكبر دليل على جدوى التلاقح السلمي للثقافات شمالا وجنوبا شرقا وغربا ..
وقديما قال الشاعر:
كونوا جـــميعـاً يا بني إذا اعترى خـــــطـــب ولا تــتــفرقوا آحاداً
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت أفراداً
لم يفهم كاتب المقال معنى بيت خليل فرح ،
” نحن نطارد العَنَزَه الفارده ”
خليل فرح أطلق هذا الوصف رمزاً لشجاعة المطاردين ، الذين يمدح شجاعتهم .
ولم يطلقه للتوصية بمطاردة العنزه الفارده ” حتى تعود للمجموعه ” ،
كمازعم الكاتب ،
والعنزه الفارده هي وحيد القرن ، وليست الغنمايه يادكتور .
ومطاردة وحيد القرن المنفرد رمز للشجاعه ، لأنه يكون شرساً ،
وليس هناك من يطارد وحيد القرن المنفرد ” حتى يعود للمجموعه ” !
ما جدوى ذلك ؟
مرحبا أيها الزائر الكريم وهذه زيارة مفيدة تعلمت منها وهذا ما يحمد للراكوبة هذه المساحة من التفاعل المفيد .. وربما حبي واهتمامي بهذه الشخصية ودورها الوطني دفعني وقادني الى منطق ينسجم مع شخصيته التي عرفت بالدعوة إلى الوحدة ونبذ الخلاف مفاهيم ليست بعيدة عن توجهات الخليل .. اكرر شكري وليتك لو تعرف اكثر عنه أن توثق له وهذا جانب – اعني التوثيق – يحتاج الى كثير من البحث والاهتمام الأكاديمي الجاد ولا يترك لما تتناقله الألسن في الأدبيات الشفهية مما أدى الى ضياع الكثير ليس فقط في الغناء وإنما كل جوانب التراث ..
يتبع : إلى الأخ الزائر
هذا يذكر بأهمية الجهد الذي بذله المرحوم الدكتور عون الشريف في قاموس العامية السودانية جعله الله تعالى في ميزان حسناته .. وبذلك يتضح أن تناول مثل هذه المواضيع يحتاج إلى البحث في دلالات مفردات العامية السودانية .. ويحضرني هنا رثاء بنونة لأخيها عمارة: “أسد بيشة المِكرْبِت قمزاتو متطابقات/ويرضع في ضَرايْع العُنّز الفارْدَات” وهل للمفردة نفس المعنى أم أنها تتخذ معان تختلف؟ ومنكم نستفيد ..