مقالات متنوعة
لـِمَ التحسس من العلم الاتحادي ؟!

يتحسس الكثيرون من وجود العلم السوداني القديم (علم الاتحاديين) وسط الثوار، ويروا في ذلك تأثيراً على الثورة التي يجب أن تتوحد تحت علم السودان الجديد الذي غيَّره المخلوع نميري عندما أوهمه العرب وقتها أنه يجب توحيد الأعلام العربية على نسق واحد ،فقبل فرحاً ، فكانت تلك أولى محاولات النيل من الحركة الاتحادية ! وهذا الموقف من وجود العلم الاتحادي وانتشاره وتشبث الكثيرون به ،وبما يثيره ذلك من حساسية لدى البعض ، فإنه يذكرني بمقولة الشاعر النازي (هانس يوهست) التي مفادها (كلما سمعت كلمة “مثقف” تحسست مسدسي) والتي نُسبت من بعد لبعض من رموز الفكر النازي ، فواقع الحال اليوم عند البعض أنه : ( كلما رأوا العلم الاتحادي يرفرف أو مُتوشَحاً به يتحسسوا خواطرهم ) . ورغم القياس مع الفارق ، ولكن يبقى أن النظام وخلال ثلاثين عاماً عجاف حاول وبشتى الطرق النيل من الاتحاديين بداية من محاولة طمس معالم منزل الزعيم الازهري ومحاولات السيطرة عليه باعتبار أنه أحد المعالم المهمة التي تثير الحماس وتذكر الناس بالماضي التليد والناصع لرجال قضوا نحبهم في سجون الأنظمة الشمولية ، وذهبوا ليس معهم من حطام الدنيا شيء سوى حب الناس وتقديرهم . لم تقف محاولة النيل من الاتحاديين عند هذا الحد فوظَّف النظام الحالي كل إمكاناته لاستمالة الكثيرين من أبناء الحركة الاتحادية ، وجزء كبير من قيادتهم ليدخلوا النفق المظلم من خلال المشاركة مع النظام التي أشار بها مولانا منذ العام 2010 م وسبقه الشريف زين العابدين في 1996م ، فذهبت رموز لها تاريخ ناصع في النضال إلى مذبلة التاريخ ، كأحمد سعد عمر وأحمد بلال اللذين دوماً كنت أقول مجاهراً بأنهما الخنجر الكيزاني المدسوس وسط الاتحاديين ، مات الشريف زين العابدين على غير ملة الاتحاديين فحق لنا أن نتبرأ منه ، وذهب مولانا غير مأسوفاً عليه وهو ما زال يصر (مغيباً أو غائباً) على مشاركة النظام في التنكيل والبطش بالشعب السوداني ، وحاتم السر (وزير النقل) الذي قدَّمه مولانا في الانتخابات المزعومة مرشحاً لمنصب الرئيس عن قصد لدعم النظام وإعطاء انتخاباته الشرعية التي لا يمكن القبول بها طالما أن من يقوم بشأن إدارتها نظام شمولي ومتسلط ، أما عثمان عمر الشريف بكل تاريخه النضالي الطويل ضد الأنظمة الشمولية فهو الآن يقبع في دائرة النسيان والنبذ السياسي ، فذاكرة الشعب السوداني لا تنسى ولا تسامح في حق الوطن ، فهؤلاء وغيرهم من الذين شاركوا هذا النظام أصبحوا نسياً منسياً ، ولا ينال كل ما فعلوه من الحركة الاتحادية التي يقف عليها الآن شباب يعملون في صمت وتجرد ونكران ذات لتحقيق حرية الفرد وحكم المؤسسة وديمقراطية التنظيم وجمع الشمل الاتحادي ، ومن هنا قد يأتي الخوف من النظام أو الخصوم السياسيين ليتحسسوا من وجود العلم الاتحادي الذي يحمله شباب أعمارهم ما بين ( 18 ـ 24) عاماً مما يؤكد أن الأفكار والمبادئ لا تموت ، فليذهب الذين اختاروا لأنفسهم مشاركة النظام ، وليبقى هذا الجيل القابض على الجمر من أجل السودان الكبير كدولة مؤسسات تملك قرارها ، فما الضير من وجود هذا العلم يرفرف وسط الثوار ، ولِم الخوف وتحسس الخواطر (كمسدس النازي) كما لاحت ألوانه الزاهية ، وكلما علم المنكرون أن من يحمل هذا العلم شباب في عمر الزهور هم الحاضر وكل المستقبل ، فها نحن نثور ونتفاعل مع أغاني وردي الوطنية ، وهو الذي غنى من قبل (يا حارسنا ويا فارسنا) ولا نتحسس ، ونستلهم نضالات الشعب السوداني مع الإمام المهدي رغم الويل الذي حاق بالناس في فترة من فترات المهدية ولا نتحسس . والحقيقة أن هذا العلم الجميل ليس القصد منه التميز وإن كان ذلك حقاً مباحاً، وهو ليس رمزاً للانتماء للحزب فحسب، وإنما هو رسالة بليغة يعبر بها عن حقبة من تاريخ السودان كان فيها تداول السلطة سلمياً ورجالات ذلك الزمان يرفضون الأيديولوجية التسلطية التي لا تعرف غير القوة لبسط هيمنتها. فإثارة مثل هذا الكلام في هذا التوقيت لا يخدم القضية الوطنية ويعمل على الفرقة ، وهذا يناقض أسلوب الثورة القائم على التكاتف ونبذ الشتات ، فالأمل أن يكون ما بواقع الحال اليوم عند البعض أنه : ( كلما رأوا العلم الاتحادي يرفرف أو مُتوشَحاً به يتحسسوا خواطرهم ) ليس حياً في عقول الأفراد والجماعات، وليرفرف العلم الاتحادي ولنفرح بالشباب الذي يتوشحون به ، والدعوة ألا نسمح لقوى الظلام الشمولية إلحاق الأذى بثورتنا وتضحيات شبابنا الحر الأبي . فلِم هذا العداء والكراهية للعلم الاتحادي ؟ فالحركة الاتحادية ليست حالة طارئة على الحركة السياسية السودانية، فهي جسر للتواصل مع التاريخ والحاضر والمستقبل ، وهي لا تُعرَف إلا بانتماءاتها إلى الفضاءات الفكرية والإنسانية التي لا حدود لأبعادها في الحضر والبوادي ، ويأتي ذلك من ارتباطها بأشد الأواصر مع القيم السودانية السامية والراقية التي يجد فيها الانسان السوداني الملاذ الآمن الذي يكسبه التوازن من جهة، والوسائل المباحة للتواصل مع الآخرين من جهة أخرى، دون أن تكون هناك نقاط تفتيش داخلها عن هوية عرق أو دين أو مذهب . الحركة الاتحادية تجاوزت الآن محنتها رغم ما عانته وهي طريدة لاحقتها قوى الظلام في الداخل طوال ثلاثين عاماً، وأُجبر معظم روادها وشبابها الشرفاء على الهجرة حاملين معهم آمالهم وأحلامهم من أجل سودان مشرق . ومع ذلك ما استطاعت قوى الظلام ولا غيرها من تحييد الحركة الاتحادية، فهي منحازة الآن لمستقبل السودان ولإنسانه، وتقف متراصة مع قوى الإجماع القوى تحت لافتة تجمع المهنيين معبرة عن ضمير الأمة وتطلعات الشباب ، فالاتحادي الحق المشرَّب بتاريخ النضال الناصع يرفض النزول من أعرافه النضالية الناصعة، إلى حيث قنع البعض بملازمة السفح ، فهم الآن عند أخمص قدمي الحركة الاتحادية . عروة علي موسى |