أخبار السودان

بوادر خلاف إقليمي حول آليات إدارة الأزمة السودانية

بدأت ملامح خلاف إقليمي تتصاعد حول آليات إدارة الأزمة السودانية، وأخذ التباين يزداد وضوحا مع إعلان مصر استضافة قمة لدول الجوار في القاهرة الخميس المقبل، ودعوة الولايات المتحدة وفدي الجيش وقوات الدعم السريع إلى عقد اجتماع في أديس أبابا الاثنين، برعاية الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا “إيغاد”.

وبدت الإدارة الأميركية غير مرحبة بدخول القاهرة على خط أزمة نأت الأخيرة عن الانخراط فيها مباشرة بسبب ما تردد حول حساسية بعض القوى السودانية من أي تحرك تقوم به، واتهامات بانحيازها للجيش، ولم يفلح إعلان مسؤولين بمصر عن وقوفهم على مسافة واحدة من جميع القوى ورفض أي تدخلات خارجية في تبديد المخاوف.

ووفرت واشنطن دعما سياسيا جديدا لإنقاذ وساطتها مع السعودية، ونُقل وفدا الجيش والدعم السريع من جدة إلى أديس أبابا لحضور اجتماعات هيئة “إيغاد” التي تصر على عدم مبارحة الأزمة الساحة الأفريقية، مستفيدة من مشاركتها في الآلية الثلاثية التي تضم معها بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، والتنسيق بين الآلية الثلاثية واللجنة الرباعية التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات.

وأحيط اجتماع أديس أبابا بتحديات وعرة عندما تحفظت الحكومة السودانية على رئاسة كينيا له وأرسلت وفدها إلى إثيوبيا للمشاركة مشترطة إزاحة الرئيس الكيني.

ورفضت الخارجية السودانية التعامل مع مبادرة “إيغاد” ما لم يتم إبعاد كينيا عن رئاسة اللجنة الرباعية اتساقا مع قناعة الحكومة وموقفها المبدئي من أن الحرب لا يجب أن تكون سبيلا لتحقيق الأهداف واستجابة لدعوة رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد.وترأس الرئيس الكيني ويليامز روتو وفد لجنة “إيغاد” بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن وقف الأعمال العدائية في السودان، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، واتخاذ خطوات ملموسة لدعم الانتقال السلمي.

وحث البيان الختامي لاجتماع هيئة “إيغاد” قوات الجيش والدعم السريع على وقف فوري لإطلاق نار غير مشروط، وبذل جهود مكثفة لعقد لقاء مباشر بين قائدي الجيش عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، محذرا من مغبة توسع الحرب واتخاذها منحى عرقيا، ومؤكدا أن الاجتماع يشارك الأهداف التي يسّرتها السعودية والولايات المتحدة للوصول إلى حل سياسي.

وساورت وفد الجيش السوداني هواجس بأن أجندة “إيغاد” تعمل على الاعتراف بالدعم السريع كطرف موازٍ للجيش الذي يتعامل معها باعتبارها قوات “متمردة”.

واحتضنت أديس أبابا الاثنين، قمة “إيغاد” وتمت دعوة وفدين من الجيش والدعم السريع لحضورها من قبل الخارجية الأميركية لإنهاء القتال على الفور والعودة إلى الثكنات.

وجددت الولايات المتحدة نداءها إلى دول المنطقة بمنع أي تدخل خارجي أو توفير دعم عسكري خوفا من أن يؤدي ذلك إلى تكثيف الصراع وإطالة أمده في السودان.

وأكدت الخارجية الأميركية أن مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية مولي في تزور أديس أبابا يومي الاثنين والثلاثاء، وتلتقي قادة أفارقة ومدنيين سودانيين لبحث سبل إنهاء الصراع في السودان.

ودعت قوات الجيش والدعم السريع إلى إنهاء القتال بينهما على الفور والعودة إلى ثكناتهما، والامتثال لالتزاماتهما بموجب القوانين الدولية لحقوق الإنسان، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية دون عوائق لتلبية احتياجات المدنيين.

والتقى وفد من قوى سياسية ومدنية مختلفة في السودان يزور إثيوبيا حاليا بدبلوماسيين من دول مختلفة يقيمون فيها لبحث تطورات الأوضاع السياسية في السودان، وحثوا المجتمع الدولي على بذل مزيد من الجهد للتنسيق لدفع المبادرات الدولية والإقليمية لوقف الحرب وتوفير السند الإنساني للملايين من المتأثرين بالحرب.

تحرك القاهرة لعقد قمة دول الجوار هدفه الخروج عمليا من هذا الاستقطاب الذي ينعكس سلبا على طرق تسوية الأزمة

وأعلنت القاهرة أنها ستستضيف الخميس المقبل قمة لبحث سبل تسوية الأزمة القائمة في البلد، ووضع آليات فاعلة بمشاركة دول جوار السودان لحل الأزمة بصورة سلمية بالتنسيق مع المسارات الإقليمية والدولية الساعية لتسوية الأزمة.

وتأتي هذه القمة التي لم يعلن عن الكثير من تفاصيلها والمشاركين فيها ومستوياتهم، في إطار حرص مصر على اتخاذ خطوات لحقن دماء الشعب السوداني، والحد من الآثار الجسيمة للأزمة على دول الجوار وأمن واستقرار المنطقة ككل.

ويقول مراقبون إن صداما محتملا بين المبادرات المتعلقة بالسودان يمكن حدوثه، في ظل تصميم بعض الدول الأفريقية على عدم مبارحة “إيغاد” أو الاتحاد الأفريقي ساحة الأزمة، ورفض أي دور عربي جماعي أو فردي.

واستقبل رئيس إريتريا أسياس أفورقي السبت، نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار الذي قال إن أفورقي أبلغه بوقوف بلاده إلى جانب الشعب السوداني، وأن المبادرات الجارية عبارة عن “بازارات سياسية لا يمكن لبلاده أن تُشارك فيها”.

ويضيف هؤلاء المراقبون أن تحرك القاهرة لعقد قمة دول الجوار هدفه الخروج عمليا من هذا الاستقطاب الذي ينعكس سلبا على طرق تسوية الأزمة، والتي تعد مصر من أكثر دول الجوار تضررا من تداعياتها الإنسانية والاقتصادية والأمنية أيضا.

ودفعت مصر فاتورة باهظة نتيجة تمدد جماعة الإخوان في السلطة خلال فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير، ولا تريد أن تجد أمنها القومي معرضا للخطر أو تتعامل مع سلطة بواجهة إخوانية جديدة في الخرطوم، ما جعلها تسارع لعقد قمة لدول الجوار تراعي فيها كل الأطراف، وتمنع انزلاق السودان إلى حرب أهلية مدمرة.

مصر تعد من أكثر دول الجوار تضررا من تداعياتها الإنسانية والاقتصادية والأمنية أيضا

وأوضح المحلل السياسي السوداني صلاح خليل أن كل المبادرات التي طرحت للتعامل مع الحرب في السودان ارتبطت بأجندات خاصة بالجهات الراعية أكثر من ارتباطها بتحقيق اختراق حقيقي في الأزمة التي أحرقت السودان ويمكن أن تحرق نيرانها المشتعلة بعض دول الجوار، إذا لم تتم المسارعة بإخمادها.

وأكد لـ”العرب” أن الفرصة مواتية أمام القاهرة للقيام بدور إيجابي، حيث يمكنها الاستفادة من المبادرات السابقة المتعثرة، وتجنب تكرارها، ومحاولة تقديم رؤية صائبة لسد الفجوات التي أدت إلى عقم الجهود التي أرادت التهدئة ووقف إطلاق النار.

وأشار خليل إلى أن تجربة هيئة “إيغاد” في التعامل مع الأزمات الأفريقية غير مشجعة، وما جعل الحكومة السودانية تتشكك في نوايا بعض أطرافها أنها أخفقت في التعامل مع أزمة إقليم تيغراي، ومع الفارق في التشبيه إلا أنها أدانت قيادة الإقليم وانتصرت للحكومة الإثيوبية بينما في السودان تساوي بين الطرفين المتصارعين.

وحذرت الأمم المتحدة الأحد، من أن السودان “على حافة حرب أهلية شاملة” قد تزعزع استقرار المنطقة كلها، وهو ما يعني أن دول الجوار هي أول المتضررين.

ويشهد السودان منذ 15 أبريل الماضي معارك بين الجيش بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي.

وأدّى النزاع إلى أكثر من 2800 قتيل ونزوح أكثر من 2.8 مليون شخص لجأ من بينهم أكثر من 600 ألف إلى دول مجاورة، وفق بيانات المنظمة الدولية للهجرة، خصوصاً إلى مصر شمالاً وتشاد غرباً.

وتتركز المعارك في العاصمة الخرطوم ومناطق قريبة منها، إضافة إلى إقليم دارفور حيث حذّرت الأمم المتحدة من أن ما يشهده قد يرقى إلى “جرائم ضد الإنسانية” والنزاع فيه يتّخذ أكثر فأكثر أبعاداً عرقية.

العرب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..