دراما رمضان سلاح فعال في تنمية وعي الجمهور بخطورة التنمر

القاهرة- تسلط الدراما وخاصة تلك التي تتنافس سنويا خلال موسم رمضان الضوء على قضايا مجتمعية مختلفة، محاولة إعادة تجسيدها أمام الجمهور بكل تفاصيلها وتقديم حلول لها، بأساليب مختلفة من المعالجات الإبداعية، ومن بين القضايا التي طرحت في رمضان الحالي تبرز ظاهرة التنمر التي باتت من أخطر الظواهر المؤثرة على تماسك المجتمع وبنيته الأساسية، لاسيما بين الشباب والأطفال.
ومن بين الأعمال الدرامية التي تناولت التنمر يأتي الموسم الثاني لمسلسل “أشغال شقة جدا” الذي واجه حملة انتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، واتهامات لفريق العمل بالعنصرية والتنمر على ذوي البشرة السمراء ومن يعانون من السمنة، وأنهم أججوا التنمر في المجتمع، في حين أن القائمين على العمل أشاروا إلى أن الغاية منه ليست التنمر وإنما نبذ هذا السلوك.
وشهدت الحلقات الأولى من المسلسل الذي يعرض حاليا في السباق الرمضاني استعانة أسرة الدكتور حمدي (هشام ماجد) وزوجته ياسمين (أسماء جلال) بخادمة من نيجيريا تدعى مدينة، لعبت دورها الفنانة السودانية إسلام مبارك، والتي اتسمت بالقوة المفرطة والشراهة الكبيرة في تناول الطعام، وهو ما أثار غضب كثيرين ممن اعتبروا أن هذا الأمر يأتي في إطار السخرية المستمرة من أصحاب البشرة السمراء بالدراما، واختيار لهم مهنة “الخدم” أو “البوابين” للتقليل منهم، والتأكيد على الصورة النمطية التي يصر عليها بعض صناع الأعمال الفنية.
في المقابل دافع البعض عن إسلام مبارك وفريق عمل المسلسل، انطلاقا من أن الدور الذي لعبته كان مقبولا، وأنها كانت تؤدي مهنة محترمة شريفة، وكانت تمارس مهام عملها على أكمل وجه، وأن الأبطال لم يسخروا من لونها، ولكن كانوا يهابون قوتها المفرطة، وتم عرض ذلك في إطار كوميدي دون انتقاص منها.
ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط تصريحات لعدد من النقاد الذين أكدوا على أهمية الدور الذي تلعبه الدراما في التوعية بالمشاكل والظواهر الاجتماعية الخطيرة، ومنها التنمر وحقوق المرأة والمشاكل الزوجية، مشددين على أن الدراما نجحت في نقل مشاكل المجتمع وتحدياته على الشاشة، مع العمل على تعزيز القيم الإيجابية والأخلاقية، ومواجهة الظواهر السلبية في المجتمع المصري.
ورأى الناقد الفني طارق الشناوي أن الدراما تلعب دورا رئيسيا في تسليط الضوء على القضايا الاجتماعية الشائكة، مشيرا إلى أن أي عمل فني حقق نجاحا وظل حاضرا في أذهان الجمهور عبر التاريخ، كان يتناول قضية تمس الواقع وتلامس احتياجات الناس.
وأوضح الشناوي أن الدراما دائما تتناول قضايا مجتمعية، وعلى رأسها قضايا التنمر والمرأة والطفولة، لكنه شدد على أهمية المعالجة الدرامية، موضحًا أن الحكم على الأعمال لا يكون فقط من خلال العناوين الجذابة، وإنما عبر طريقة تنفيذها وتقديمها على الشاشة. بدورها ترى الناقدة الفنية ماجدة موريس أن تناول القضايا الاجتماعية في الدراما يمثل انعكاسا لتغيرات المجتمع وتحولاته الفكرية والثقافية، مؤكدة أن الدراما ليست مجرد وسيلة ترفيهية، بل هي أداة مؤثرة في تشكيل الوعي الجماهيري لأنها تناقش ظواهر اجتماعية يعاني منها الناس.
وأشارت إلى أن المسلسلات التي تطرقت في بعض مشاهدها إلى ظاهرة التنمر استطاعت أن توصل رسالة مهمة للمجتمع، وهذه النوعية من المسلسلات يجب الاهتمام بها بشكل أكبر، قائلة “يجب أن نقدم دراما تعبر حقيقة عن أزمات المجتمع الذي نعيش فيه مثل أزمة المرأة، أو حقوقها، والتنمر والتعليم، وغيرها.”
وأضافت موريس “لا يصح تقديم أي عمل درامي دون أن يحمل رسائل مهمة تناقش قضايا المجتمع، وتوجد الكثير من هذه المسلسلات التي استطاعت أن تفتح الأعين على القضايا الإنسانية، ومن يقدم هذه المسلسلات يجب أن يتمتع بعنصر مهم، وهو القصة والسيناريو الجيد، وإخراج قادر على ترجمة هذه الأفكار إلى مشاهد مؤثرة بعيدا عن التناول السطحي، ومن المفترض أن ما نشكو منه في حياتنا لا بد أن تناقشه الدراما الاجتماعية.”
وأوضحت أن الاتجاه نحو مناقشة القضايا الاجتماعية في دراما رمضان يمثل خطوة جريئة تعكس تطورا في المحتوى الدرامي، لكنه في الوقت ذاته يضع صناع هذه الأعمال أمام مسؤولية كبيرة، فالرهان لا يكمن فقط في نوعية القضايا الاجتماعية، وإنما في تقديم معالجة درامية توازن بين الإقناع الفني والرسالة التوعوية.
وتتفق معها في الرأي الناقدة حنان شومان، التي قالت إن للدراما دورا كبيرا في مكافحة الظواهر الاجتماعية السلبية وفي مقدمتها التنمر، لأنها تعكس ما يدور في المجتمع. وعندما تكون رسالة العمل الدرامي صادقة ومسؤولة فإنه يمكنه ليس فقط توعية الناس بخطورة التنمر بل تحفيزهم على مواجهته بكل قوة.
وأضافت أن “المسلسلات التي ناقشت قضايا التنمر استطاعت أن تمس مشاكل المجتمع، لكن يجب ألا نحمّل الدراما أو السينما كل خطايا المجتمع، ولا بد من التصدي للمشكلة من جذورها بالإضافة إلى المعالجة الدرامية حتى نقضي على المشاكل المجتمعية.”
وختمت شومان قائلة “الدراما مرآة تعكس واقعنا، وقوة ناعمة ساهمت بدور فعال في تحقيق مناخ صحي للمجتمع وتقديم قضايا ومحاولة معالجتها، فالدراما سلاح قوي جدا لمحاولة إيجاد حلول لمشكلاتنا وقضايانا المختلفة.”
العرب