أخبار السودان

ما أحلى الرجوع اليه ..

هل قسوة الأوطان في مناخاتها .. وإلا لما عاش أهل بلاد الإسكيمو في صقعيها التي تموت فيه الحيتان وتتجمد أشعة الشمس في فضاءاته قبل أن تصل الى أرضها المكسوة ثلجا يجعل من بحارها ممرات للأقدام البلاستيكية الأحذية .. ولما عاش سكان الصحراء يلتحفون شموسا حارقة العيون ويفترشون رمالاً لاتحتمل السير في موجات لهيبها غير سفن الصحراء.. فلن يرضوا رغم ذلك كله لمسقط الرأس جنة بديلة .. !
وقد تكون قسوتها في ظلم ذوي القربى الذين يحتكرون العام في زاوية الخاص .. لكن تعويل أولئك على الديمومة تسخر منه سطور التاريخ قريبه وبعيده التي سجلت زوال الأكاسرة والقياصرة ..وظلت بعدهم الشعوب خالدة في مجرى الحياة وإن تبدلت أمواجه ذهاباً وإياباً !
ما أجملها من لحظة حين تحط بكل ثقل الشوق في محطة الوطن .. فترمي عندها كل ذكريات الشتات بحلوها ومرها وتستودعها أجنحة الطائر الذي حملك ولو كنت عائداً بسقط متاعك من تلك الرحلة التي استطالت وتبدلت فيها معالم وعوالم وإن بدت عصية التعايش عليك من الوهلة الأولى فإنها منك واليك لا مهرب منها .. فلن تستطع أن تبدل جلدك مهما تمرغ طويلا في تراب الغير أوأعطوك سمة وطنيتهم على وثيقة لا تنطق بلسانك الذي جبل على لغتك !
قالها الشريف قتاتة وهو يستمسك بارض مكة رغم جفاف الحياة في شعابها حينما استدعاه الخليفة الى أرض الأنهر والخضرة وعيون المها بغدادالرصافة والجسر ..فأنشد بنبرة الغضب رافضا الدعوة ومستنكفا مفارقة بلاده وإن هي جارت أو يقدر على وداع أهله وإن همُ ضنوا !
مثلما ناجى شاعرنا الخليل تربة الوطن وهوفي رقدته الأخيرة في أرض الكنانة .. خذيني باليمين وانا راقد شمال .. وقد لحق به راكضا خلف قطار اللهفة الذي لا يتوقف هديره في حنايا النفس الملتاعة بعدا عن الأهل .. ذلك الشفيف عبد المنعم عبد الحي وهو ينادي من يسار الوادي في يقظته وأحلامه .. بقوله ..شوق لكل جميل في الحي .. شوق للشينة ولو صعبه !
ما أحلى الرجوع الى الوطن بكل مافيه من متعة الشقاء وهي السعادة بعينها لان الأوطان لا تبنى بالأماني وإنما بالعرق والجهد والمثابرة والصبر والإخلاص والتفاني والتضحيات والإيمان بها قبل كل شي تنمية للشعور بالوطنية الحقة .. فمن قال إن البلد هو مصدر العيش حيثما كان و الذي يحتضنه على صدر الريش فهو قد نسى جاحداً طعم حليب أثداء الأم الأولى التي أرضعته أسباب الحياة ..!
فما أروع شعور الرجوع اليه.. فيخامرك إحساس بالبكاء فرحاً كطفلٍ أعادوه الى ابويه ..وهما سماء الوطن وأرضه ومابينهما من بشر وحجر وشجر ونهر وماضٍ وحاضر وغد .

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..