لجان تلجين القضايا

بشفافية
لجان تلجين القضايا
حيدر المكاشفي
قالوا قديماً: إذا أردت أن تقتل موضوعاً كوّن له لجنة. وأكثر اللجان قتلاً للمواضيع وتمييعاً للقضايا لجان التحقيق، وأكثر لجان التحقيق اضراراً بالقضايا تلك التي يوكل إليها التحقيق حول أحداث مأساوية ودموية راحت ضحيتها أنفس عزيزة، وأكثر الأحداث دموية ومأساوية طمرتها وطمست حقائقها لجان التحقيق، أحداث بورتسودان المؤسفة والمحزنة التي راحت بسببها نيف وعشرون نفساً عزيزة، وأحداث العيلفون التي سقط بسببها عشرات الطلاب من منسوبي الخدمة الالزامية غرقاً في النيل، وغيرها من الأحداث الشبيهة التي سقط فيها ضحايا…
وأمس الأحد الموافق التاسع والعشرين من يناير مرت علينا ذكرى حزينة هي سقوط أكثر من عشرين ضحية في مدينة بورتسودان نتيجة للعنف المفرط الذي جابهت به السلطات مسيرات سلمية تطالب بأبسط الحقوق، ورغم فداحة الفقد ومقدار الحزن الذي عمَّ أهل السودان قاطبة، والغبن الذي شعر به أهل بورتسودان عامة وأهل الضحايا خاصة، ورغم مرور سبعة أعوام بالتمام والكمال على هذا الجرح النفسي الغائر، إلا أن لجنة التحقيق الرسمية التي قيل إنها كونت للتحقيق في هذه الحادثة الأليمة المفزعة لم تخرج على الناس بأي خبر، ولم تقل شيئاً ولم توضح للناس لماذا سقطت كل هذه الأعداد وبأية وسيلة وعلى يد من وكيف يمكن جبر الخواطر وتهدئة النفوس التي لم ولن تهدأ ولن تنسى مهما تطاول الوقت ومرت السنون؟ فمثل هذه القضايا لا تنسى ولا تنمحي من الذاكرة خاصة إذا وجدت التجاهل ولم تعالج آثارها وتضمد جراحها….
وحادثة بورتسودان المفجعة وغيرها من الأحداث الأليمة التي كونت لها لجان تحقيق لم تفعل فيها شيئاً غير أنها قتلتها، وغير ذلك من اتفاقيات وتفاهمات لم توفِ حقها وبقيت كثير من بنودها طي الأوراق نذكر منها على ذكر بورتسودان قضية المسرحين من مقاتلي مؤتمر البجة الذين ظلت قضيتهم معلقة حتى الآن ولم تورثهم اتفاقية السلام والمصالحة التي وضعوا السلاح التزاماً بها غير الغبن والشعور بالظلم والتجاهل وانسداد أي أفق أمامهم، الأمر الذي ربما يجعلهم يفكرون في العودة للمربع الأول ولات ساعة مندم، خاصة عندما يصبح تشكيل لجان تحقيق للنظر في الأخطاء والكوارث أو توقيع اتفاقيات وتفاهمات مثاراً للتندر وبمثابة «طرائف» يتهكم بها الناس على عدم الجدية وضياع المصداقية، فكل ذلك مقروءاً مع ذكرى أحداث بورتسودان يعيد إلى الذاكرة معضلة اسمها لجان التحقيق التي رغم كثرتها إلا أنها كانت وستظل كغثاء السيل ما لم تكن هناك جدية عند تكوينها واختيار المؤهلين الشجعان لعضويتها، وإعلان نتائجها بكل شفافية ومن ثم امتلاك الارادة الحقيقية لمحاسبة ومحاكمة من تسببوا في الخطأ أو ارتكبوا الكارثة….
الصحافة