أخبار السودان

دكاكين التعليم العالي

فيصل محمد صالح

وماذا يمكن أن نسميها غير دكاكين؟ لا شيء آخر يمكن أن يطلق على عشرات الجامعات والكليات والمعاهد الخاصة التي تنشأ بشكل تصاعدي كل يوم غير دكاكين، فهي تقوم وتنشأ بنفس العقلية، وتتم إدارتها بنفس الطريقة، ويتم التعامل مع الطلاب باعتبارهم زبائن. وليس في الأمر أي قصد بالإساءة لأصحاب الدكاكين، فهم يقومون بعملهم بإمكانيات بسيطة، وبما يتيسر من البضائع، يبتغون الرزق الحلال، وغالباً ما يقوم صاحب رأس المال بإدارة الدكان، ومعه أحد أقربائه، ويتم تحديد الأسعار بما يناسب المنطفة الموجود بها المحل، لا ضير في ذلك. لكن حين يتم التعامل بنفس العقلية وطريقة الإدارة في مؤسسة تعليم عالٍ لا يجب أن نتوقع غير أنها ستنتج جيلاً يتمتع بجهله ويتمتع جهله به، ونحن المسؤولون عن ذلك.
لا أعرف عدد الجامعات والكليات الخاصة، ولا أظن أن هناك من يملك المعلومة إلا إذا كان مسؤول السجل بالتعليم العالي، ففي كل يوم نجد إعلاناً في مكان ما، صحيفة أو إذاعة أو تليفزيون، أو لافتة على كبري، عن افتتاح كلية جديدة.
وزارة التعليم العالي هي المسؤولة الأولى والأخيرة، فهي ليست مكتب تصديقات يتلقى الرسوم ويختم التصديق، لكنها من المفترض صاحبة التخطيط للتعليم العالي في البلاد، هي التي يجب أن تدرس وتحدد الاحتياجات أولاً، ثم هي المسؤولة عن تحديد المطلوبات الأكاديمية والفنية والإدارية والبيئية لأي كلية أو جامعة جديدة، لكن من الواضح أنها لا تفعل ذلك الآن.
إن كانت للوزارة خطة مبنية على سوق العمل؛ لحددت إن كنا نحتاج لكلية طب أو هندسة أو تقنية كمبيوتر أم لا، ثم يلي ذلك المطلوبات والتجهيزات الفنية من مبانٍ ومعامل وأجهزة ومعدات، بحسب طبيعة كل تخصص. وكل هذا فيه خلل رهيب، كليات طب بلا مستشفيات ولا معامل ولا تجهيزات، إنما مجرد مبانٍ. وحتى في مسألة المباني هناك تجاوزات كبيرة، بعض ما يسمى بالجامعات والكليات يقيم في منازل ومبانٍ لا تليق بمدرسة ثانوية.
ليست هناك مراجعات للمناهج المطلوبة، ومدى التزام الكليات بها، وليست هناك شروط أو متابعة ومراقبة لحجم الطاقم المطلوب ومستويات تأهيله. في سنوات ماضية كانت هناك شروط بعدد من الطاقم المؤهل لإنشاء تخصصات معينة، في شكل أساتذة بدوام كامل. لا أظن أن هناك أي إيفاء بهذا الشرط في الكليات الجديدة، لأن الكليات والجامعات القديمة تعمل بنظام أستاذ واحد معين بالقسم، ويتم إكمال البقية بنظام الأساتذة المتعاونين. وبالتأكيد لا يتوقع أن يوفر هذا النوع من التعليم ما يحتاجه الطالب من أستاذ مقيم يمكن أن يرجع إليه الطالب عند الحاجة. بل إن بعض جامعات الأقاليم تتعاقد مع أساتذة يقومون بتدريس المنهج خلال شهر، ثم يعودون للخرطوم.
لا عجب أن قرأنا أن بعض الدول قد أوقفت إرسال مبعوثيها للجامعات السودانية لضعف المستوى، ولايظنن أن هذه الفوضى يمكن التغطية عليها، ومواراة سوءتها في صمت، فآثارها لا بد أن تخرج للعلن، وتضر بسمعة التعليم العالي بالسودان.

التيار

تعليق واحد

  1. ** ثم صدرت الحقيقة ذات يوم بخبر آخر يفيد بأن عميد كلية ودمدني التقنية اختلس مبلغا يقدر بمليار، أو كما قال تقرير المراجع العام نصا .. فانتبهت نيابة الأموال العامة بالجزيرة ، وتحرت من صدق الحدث ، فحبست العميد لتقديمه إلى القضاء ، أوهكذا مجرى العدالة .. ولكن – فجأة كدة – حدث ما لم يكن بحسبان العدالة ، حيث تفاجأت ود مدني يوم الأربعاء الفائت بزيارة وفد رفيع المستوى بقيادة الدكتور عبد الله عيسى رئيس هيئة التعليم التقني ومستشاره الشيخ محمد علي المجذوب .. وتم إطلاق سراح العميد بعد ساعة من وصول الوفد إلى أرض الحدث .. وبالمناسبة ، هيئة التعليم التقني التي ذهبت إلى مدني – شافعة – هي الجهة الاتحادية المناط بها إدارة الكليات التقنية ، وحماية أموال العامة التي في خزائنها .. وبالمناسبة أيضا ، القانون الذي يحمي المال العام – ما لم يكن حبرا على الورق فقط – يمنع الضمان الشخصي ، مهما كان وزن الشخص الضامن ، بل يجب على المعترف أن يورد المبلغ كاملا ، كما فعل مدير الصندوق .. دي ثقافة قانونية ساي .. وليس بعيدا عنها ، نسأل ولاة أمر التعليم العالي بالوزارة وهيئة التعليم التقني: أين أنتم من تلك الثقافة القانونية ؟ .. وإن كنتم كذلك ، فكيف يأتمنكم أهل الجزيرة – بل كل أهل السودان – على أموالهم العامة ..؟ .. و..و..هكذا حال الصحافة في بلدي ، كما حال الفرزدق ، بحيث تقدم الأدلة والوثائق مؤتزرا لمن يهمهم أمر المال العام ، ولكنهم لا يستمعون إليها ، تأثرا بمن يأتيها عريانا .. ولذلك ننصح : بالله عليكم ، لايشفع بعضكم لبعض في قضايا المال العام بالباطل ، فإن فيها حق معلوم ، للمواطن المحروم ..

  2. اكيد هذه الجامعات وهمية والخطورة في انها تخرج أطباء وصيادلة ومهندسين اميين أساسا لانهم دخلوا بدرجات ضعيفة يضاف اليها عدم وجود معامل وكادر تدريس مؤهل مما يعني دمار شامل للتعليم وعدم ثقة في الشهادات السودانية بعد ان كانت سمعتها تملئ الافاق . هنالك من احرز درجات اعلي منهم ولم يحظوا بالقبول للطب والهندسة لانهم لا يستطيعون ان يدفعوا تلك المبالغ التي تطلبها تلك الكليات الوهمية لزبائنها . وانكسرت عندنا قاعدة (quality not quantity ) واصبح بالإمكان لكل من هب ودب ان يتخرج في هذه الكليات بدرجة شرف مزعومة بل يمكنه تحضير شهادة ماجستير او دكتوراه .نحن مع التوسع في التعليم .. لكن يجب ان تكون هنالك جامعات علي قرار جامعة الجزيرة والبحر الأحمر وغيرها حكومية ومدروسة وللجميع وتوفر لها الإمكانيات وتراعي حاجة البلاد من تلك الكوادر وليست نبت عشوائي ضار.

  3. وزارة التعليم العالي هي المسؤولة الأولى والأخيرة، فهي ليست مكتب تصديقات يتلقى الرسوم ويختم التصديق، لكنها من المفترض صاحبة التخطيط للتعليم العالي في البلاد، هي التي يجب أن تدرس وتحدد الاحتياجات أولاً، ثم هي المسؤولة عن تحديد المطلوبات الأكاديمية والفنية والإدارية والبيئية لأي كلية أو جامعة جديدة، لكن من الواضح أنها لا تفعل ذلك الآن.

    كشفت عن مسكوت عنه يا أستاذ .. فيصل .. ارجو أن يجد ما قلته أثر دامغ على آذان فيلة التعليم المتوحشة والتى تعمل بلا خطط سوى فتح دكاكيين للتعليم.. و(الكومبارس)! فى محلك سر .

  4. الاستاذ فيصل ثورة التعليم كانت رد فعل سياسى للهبه الطلابيه فى اول الانقاذ وليس نتيجة تخطيط سليم حسب الحوجه فى كل مجال . لو تذكر خطاب الرئس البشير بعد تلك المظاهرات ان هذه الظاهره (المظاهرات ) سوف تختفى الى الابد. ومن ثم بدأ مايسمى بالثوره التعليميه. الذى اول مابدأ به هو تدمير المدارس العريقه ( حنتوب , طقت الخ) وانشأوا على انقاضها ما نرى الان. كما قاموا بتحويل المعاهد المتخصصه فى تخريج مدرسين متخصصين (بخت الرضا والدلنج وشندى بالاضافه الى المعهد الفنى عكس الاتجاه العالمى. ودخل مجال التعليم من لاصلة له به غير انه يملك المال . ووصلنا الى مانحن فيه الان وصار التعليم لمن يملك المال وليس لمن يملك الذكاء وطغى الكم على الكيف والله يستر

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..